الشمائل المحمدية.. أول كتاب طُبع بالمغرب

1
الشمائل المحمدية.. أول كتاب طُبع بالمغرب
الشمائل المحمدية.. أول كتاب طُبع بالمغرب

أفريقيا برس – المغرب. رغم القرب الجغرافي من أوروبا، تأخر المغرب في إدخال آلة الطباعة مقارنة بالعديد من الدول الإسلامية، وهو تأخر يعود إلى أسباب متعددة، منها التوجس من التأثير الثقافي والسياسي الأوروبي، والانشغال المزمن بالمشاكل الداخلية، إلى جانب الخوف من تحريف النصوص الدينية، ومقاومة شديدة من طرف النساخ، الذين رأوا في الطباعة تهديدًا لمهنتهم، فضلًا عن عدم إدراك الدولة المركزية – المخزن – لأهمية هذه الأداة الثورية في نشر المعرفة.

ودخلت الطباعة إلى المغرب لأول مرة سنة 1864، بمبادرة شخصية من القاضي الطيب الروداني، أحد أبرز العلماء المغاربة في القرن التاسع عشر. خلال رحلة عودته من الحج، اقتنى القاضي الروداني مطبعة حجرية من مصر، وجلب معه فنيًا مصريًا متخصصًا، بهدف نشر العلم وتيسير تداول الكتب بين عامة الناس. غير أن هذه المبادرة لم تُستقبل بحماس رسمي، إذ صادرت السلطات المطبعة بمجرد وصولها إلى ميناء الصويرة، ووضعتها تحت إشراف المخزن، الذي قرّر لاحقًا نقلها إلى مكناس ثم فاس، وفق ما أورده مصطفى بن عمر المسلوتي في كتابه “القاضي الطيب بن محمد التملي الروداني ودخول المطبعة إلى المغرب”.

وبذلك، كان المغرب من بين آخر الدول الإسلامية التي تعرّفت على فن الطباعة، إذ سبقه لبنان في ذلك سنة 1583، وسوريا سنة 1706، ومصر سنة 1798 مع الحملة الفرنسية، ثم الجزائر سنة 1830 في سياق الاحتلال الفرنسي، وتونس سنة 1860. هذا التأخر يعكس إلى حدّ بعيد التحولات البطيئة التي ميزت البنية السياسية والثقافية في المغرب خلال تلك الفترة.

وبحسب كتاب “مملكة الكتاب، تاريخ الطباعة في المغرب” لفوزي عبد الرزاق، فقد كان القاضي الروداني ينوي نقل المطبعة إلى مسقط رأسه في تارودانت، غير أن المخزن لم يسمح بتجاوزها لمدينة مكناس، التي كانت آنذاك مقر إقامة السلطان. ومن هناك، وُضعت المطبعة تحت إشراف الدولة، وتم تعيين عدد من أبناء الأعيان لتعلّم تقنياتها على يد الطبّاع المصري الذي جاء بها من مصر، في خطوة أراد بها المخزن احتواء هذه الآلة الجديدة بدل تركها تنتشر بشكل مستقل.

طبع أول كتاب بالمغرب هكذا، دخل المغرب مرحلة جديدة في تاريخه الثقافي والمعرفي، إذ شهدت مدينة مكناس سنة 1865 طباعة أول كتاب على الإطلاق فوق الأراضي المغربية، وهو كتاب “الشمائل المحمدية” للإمام أبي عيسى الترمذي، أحد كبار علماء الحديث في القرن الثالث الهجري.

وجاء في كتاب “مظاهر يقظة المغرب الحديث” للمؤرخ محمد المنوني: “حُملت المطبعة إلى مكناس، وخلال هذه الفترة استُعملت في طباعة أول كتاب في تاريخ المغرب، وهو كتاب ‘الشمائل المحمدية’، وبعد عام واحد، نُقلت المطبعة إلى مدينة فاس”.

ويشير موقع الرابطة المحمدية للعلماء إلى أن هذه الطبعة كانت بإيعاز من السلطان مولاي عبد الرحمن (ولد في فاس سنة 1789 – توفي في مكناس سنة 1859)، الذي رأى في الطباعة وسيلة لتقوية التعليم الديني ونشر العلوم الشرعية. وقد ساهمت المطبعة في تنشيط الحياة العلمية، خاصة في ما يتعلق بالعلوم الإسلامية، كالفقه والتصوف وعلوم الحديث، فضلًا عن نشر كتب الأدعية والصلوات.

بعد طباعة “الشمائل المحمدية” في مكناس، طُبع الكتاب لاحقا في الهند سنة 1885، ثم طبع مرة أخرى في فاس سنة 1893 بعد أن استقرت المطبعة فيها، وتوالت طباعاته في عدد من الدول الإسلامية.

ويُعدّ كتاب الشمائل المحمدية، واحدًا من أهم وأشهر كتب الحديث النبوي، ليس فقط لقيمته العلمية، بل لأنه يقدم للقارئ صورة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وهو ليس مجرد سرد لأحاديث، بل هو رحلة تفصيلية في وصف شمائل الرسول الأكرم، سواء كانت خَلقية أو خُلقية.

ولم يترك الإمام الترمذي، جانبًا في كتابه إلا ويصفه: من هيئته الجسدية كطوله المعتدل، ولون بشرته، وشعره، وعينيه، إلى تفاصيل دقيقة مثل طريقة مشيته وجلوسه وابتسامته.

ويتجاوز الكتاب الوصف الجسدي ليغوص في الأعماق الروحية والنفسية. حيث يصف عاداته في الأكل والشرب واللباس، وكيف كان ينام ويستيقظ، وما هو طيبه الذي كان يتعطر به. كما يضيء الكتاب على الجوانب العبادية للنبي، مبينا خشوعه في الصلاة، وقيام الليل، والصيام…

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس