كيف يحتفي مهرجان مراكش بالبعد العالمي للفن السابع؟ [حوار]

1
كيف يحتفي مهرجان مراكش بالبعد العالمي للفن السابع؟ [حوار]
كيف يحتفي مهرجان مراكش بالبعد العالمي للفن السابع؟ [حوار]

أفريقيا برس – المغرب. ظل المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يفي بوعده منذ عام 2001، من أجل سينما متنوعة تجمع بين الوثائقي والخيال، عند نقطة التقاء الواقع بالإبداع. وعلى مدى أكثر من عشرين عامًا، أولى المهرجان اهتمامًا كبيرًا لرواد الفن السابع وللمواهب الصاعدة على حد سواء. في المدينة الحمراء، كُشف النقاب عن العديد من الأصوات الفنية، وطُوّرت مشاريع، وتُوّجت أعمال بجوائز نظير قيمتها الفنية، لتتحول إلى نوافذ تفتح على عوالم جديدة ومتعددة.

قبل انطلاق الدورة الثانية والعشرين (من 28 نونبر إلى 6 دجنبر 2025)، تستعرض المديرة ومستشارة رئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، ميليتا توسكان دو بلانتييه، في حديثها ليابلادي، الخيارات الفنية التي تحتفي بهذا التنوع. ويتناول الحوار أيضًا دعم المهرجان لهذه الأشكال المختلفة من الإبداع السينمائي، التي تجعل من المهرجان فضاءً رحبًا للتعبير الحر لسينمات من كل القارات.

المخرجون والفنانون المشاركون يأتون من المغرب ومن أنحاء العالم. هل يُعد ذلك طريقة للاحتفاء بالسينما ببعدها الدولي؟

لطالما استضاف المهرجان فنانين ينتمون إلى آفاق مختلفة جدًا. وهذا العام يشكّل حضور الشخصيات الأربع التي نكرمها مثالًا واضحًا على ذلك: جودي فوستر، صاحبة المسيرة الاستثنائية التي تمتد لأكثر من خمسة عقود؛ جييرمو ديل تورو، الذي أعاد تشكيل خيال السينما المعاصرة بعمق؛ راوية، إحدى أبرز الأصوات في السينما المغربية؛ وحسين فهمي، أيقونة السينما المصرية والعربية.

هذا التنوع يعكس مسارات السينما اليوم، حيث تتقاطع الأعمال والحساسيات والتجارب وتتحاور من قارة إلى أخرى. والمهرجان ينسجم، بكل طبيعية، مع هذا الحراك العالمي من خلال خلق فضاء تلتقي فيه هذه الأصوات وتتفاعل مع الجمهور.

يتضمن مهرجان مراكش لهذه السنة ثمانية وسبعين فيلمًا، وهو رقم يفوق ما تم عرضه في الدورات الأخيرة. كيف تمت بلورة هذه الاختيارات؟

عملنا على بناء برمجة تعكس بالفعل تنوّع الأشكال والكتابات والزوايا التي تعبّر عن سينما العالم اليوم. الأفلام الـ82 المشاركة في هذه الدورة تمثل 31 بلدًا، موزّعة على أقسام لكلّ واحد منها دور محدد.

قسم المسابقة يضم 14 فيلمًا روائيًا طويلًا أول وثانٍ، في انسجام مع رغبة المهرجان في مواكبة بروز أصوات جديدة. هذا القسم يمنح مساحة للمخرجين الشباب، الذين غالبًا ما يحملون رؤى ملتزمة واقتراحات جمالية قوية. أما العروض الخاصة، فتكشف عن أفلام منتظرة، وعروض أولى عالمية أو دولية، إضافة إلى أعمال صُنّاع السينما الذين نحتفي بهم هذا العام.

قسم الآفاق يقدم بانوراما واسعة للسينما المعاصرة عبر 19 فيلمًا، يجمع بين أسماء راسخة مثل بارك تشان ووك، وكلير دينيس، وجيم جارموش، وكيلي رايشاردت، وأصوات جديدة بدأت أعمالها تحظى بالاهتمام في كبريات المهرجانات الدولية.

في القارة الحادية عشرة، نعرض أفلامًا أكثر تجريبًا، تستكشف مقاربات غير تقليدية في السرد، سواء كانت روائية أم وثائقية. هذا القسم يتيح عرض سينما تبحث وتغامر، ولا تنخرط بالضرورة في القوالب الكلاسيكية.

البانوراما المغربية تقترح هذا العام مجموعة من الأفلام الروائية والوثائقية التي تُجسّد تنوّع الإبداع الوطني، حيث نجد أعمالًا لمخرجين مخضرمين وأخرى لمخرجين شباب، باختيارات أسلوبية وموضوعية متنوّعة. ويستكمل قسم الجمهور الشاب والعائلة البرمجة بأفلام موجهة للصغار، مع الحرص على الحفاظ على مستوى فني رفيع.

ارتفاع عدد الأفلام في هذه الدورة يعود ببساطة إلى جودة الأعمال المتوصَّل بها، ما برّر توسيع البرمجة. وقد تمّ التفكير في هذا الاختيار باعتباره كلًّا متكاملًا، يساهم كل قسم فيه في تقديم صورة حية عن حالة السينما المعاصرة.

تقدّم هذه الأفلام سينمات من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك أعمال عربية ومغربية موزّعة على أقسام عديدة. هل يُعدّ ذلك خيارًا فنيًا للابتعاد عن النظرة التقليدية للسينما العربية نحو مقاربة دولية أوسع؟

نعم، إنه خيار فني، ولكنه في الوقت نفسه تطور طبيعي للبرمجة. فالأفلام العربية والمغربية أصبحت اليوم منخرطة في كتابات وأساليب تتفاعل بحرية تامة مع تلك القادمة من مناطق أخرى. لذلك من الطبيعي أن نجدها موزّعة في أقسام متعددة: المسابقة، العروض الخاصة، الآفاق، أو القارة الحادية عشرة، تبعًا للهوية الفنية لكل فيلم.

الغاية ليست “تجاوز الحدود”، بل النظر إلى هذه الأعمال داخل مكانها الفني الطبيعي. فهي تتخذ موقعها ضمن أقسام المهرجان وفق قصتها ورؤيتها ونهجها، وبالقدر نفسه الذي تُعامل به الأفلام الدولية الأخرى.

كيف تطورت رؤية السينما المغربية والإقليمية، العربية والأفريقية، على مرّ دورات مهرجان مراكش؟

تطوّرت هذه الرؤية بشكل واضح عبر الدورات. من اللحظات البارزة سنة 2023 تتويج فيلم مغربي للمرة الأولى بالنجمة الذهبية للمهرجان: «أم كل الأكاذيب» لأسماء المدير، وهو عمل استفاد من دعم ورشات الأطلس مرتين قبل أن يُكرَّم في كان، في مثال على الاستمرارية التي يحرص المهرجان على توفيرها. في السنة نفسها، تُوّج «القطعان» لكمال لزرق، الذي مرّ بدوره عبر الورشات، في كل من كان ومراكش.

منذ إطلاق ورشات الأطلس سنة 2018، شهدنا دينامية حقيقية في المغرب والمنطقة ككل. برامج الأطلس—بمكوناتها المختلفة: ورشات الأطلس، محطة الأطلس، توزيع الأطلس، وصحافة الأطلس—تتيح اليوم مرافقة الأفلام في مراحل متعددة، من التطوير إلى التوزيع.

وتنعكس هذه الدينامية مباشرة في الحضور المتنامي والمتنوع للأفلام المغربية ضمن الاختيارات: من الأفلام الأولى إلى أعمال المخرجين المتمرسين، مرورًا بالوثائقيات والروائيات والمشاريع التي استفادت من دعم الورشات. وعلى المستوى الإقليمي، نلاحظ حيوية مشابهة مع جيل جديد من صُنّاع السينما العرب والأفارقة الذين يقدمون أعمالًا فريدة باتت تحضر في كبرى المهرجانات الدولية. هذا التطور يعتمد على إبداعهم، وعلى تطوّر البيئات السينمائية المحلية، وعلى آليات الدعم التي رسّخها المهرجان عبر السنوات.

ما الذي يُنتظر من المحادثات خلال هذه الدورة؟

المحادثات مساحة تسمح للفنانين بالحديث بحرية عن مساراتهم، وطرق عملهم، وعلاقتهم بالسينما. إنه شكل يمنح الجمهور فرصة لسماع أصوات متنوّعة، لكلّ منها تجربتها وحساسيتها.

هذا العام، نستضيف بونغ جون هو، رئيس لجنة التحكيم، الذي سيقدّم رؤيته حول السرد والاشتغال على الأنواع خلال محادثة تُقام في اليوم الأخير للمهرجان. جودي فوستر ستعود إلى مسيرتها الممتدة عبر عقود، أمام الكاميرا وخلفها. جييرمو ديل تورو سيتحدث عن علاقته بالخيال والإبداع. أندرو دومينيك سيستعرض طرق معالجته للشخصيات المركّبة، بين الخيال والتمثيل. ولورنس فيشبورن سيشارك تجربته كممثل ومنتج ومخرج.

كاران جوهر سيقدّم قراءة في صناعة بوليوود. أما بيل كريمر فسيشرح الدور الذي تضطلع به مؤسسة الأوسكار اليوم. نادين لبكي، كليبر ميندونسا فيلهو، جعفر بناهي، طاهر رحيم، ويسرا سيشاركون قصصًا ومسارات فنية مختلفة.

ويُستكمل البرنامج بمحادثتين: الأولى بين فيرجيني إيفيرا وكيارا ماستروياني حول التمثيل، والثانية بين أسماء المدير وكريمة سعيدي حول علاقة الوثائقي المغربي بالذاكرة.

هذه لحظات ينتظرها الجمهور بشغف، لأنها تتيح لهم لقاء الفنانين مباشرة. وتمتاز بكونها مجانية بالكامل، على غرار جميع عروض المهرجان، ولا يتطلب حضورها سوى التسجيل عبر الإنترنت.

ما هي المبادرات التي تم توسيعها في هذه الدورة، بما في ذلك ورشات الأطلس؟ وكيف تطورت وما التوجيهات المعتمدة لها؟

تطورت برامج الأطلس تدريجيًا بناءً على الاحتياجات التي لمسناها لدى المخرجين والمهنيين في المنطقة. ورشات الأطلس—العمود الفقري منذ 2018—ترافق المشاريع في مراحل التطوير، والتصوير أو ما بعد الإنتاج، عبر متابعة عملية أثبتت جدواها لعدد كبير من الأفلام المغربية والعربية والأفريقية.

ومع مرور السنوات، توسّعت آليات الدعم لتغطية مراحل أكثر من مسار الفيلم. فـ محطة الأطلس ترافق اليوم المنتجين والمخرجين المغاربة الشباب، مانحةً إياهم إطارًا للتبادل واللقاءات المهنية التي تتفاعل مباشرة مع واقع الصناعة.

أما جوائز توزيع الأطلس، التي أُطلقت حديثًا، فتهدف إلى تعزيز توزيع الأفلام في المنطقة. ويُعقد هذا العام أيضًا اجتماع توزيع الأطلس الذي يجمع موزعين من أفريقيا والعالم العربي وأوروبا لفتح مزيد من الجسور بين الأسواق. كما تم تطوير صحافة الأطلس، وهو برنامج موجَّه للصحفيين والطلاب المغاربة، يهدف إلى دعم ظهور كتابات نقدية جديدة ومقاربة أكثر وعيًا وانفتاحًا للسينما.

ويبقى التوجّه العام كما هو: دعم صُنّاع السينما على مستويات متعددة، مع مواكبة تطور الممارسات وتغيّر توقعات المهنيين. الهدف هو الإسهام في تعزيز النظام الإيكولوجي للسينما المغربية والعربية والأفريقية، عبر خلق فضاءات تضمن الاستمرارية والتبادل والتعاون.

في السنوات الأخيرة، توسّع النقاش حول الصناعات الثقافية والإبداعية باعتبارها رافعة للتنمية الإنسانية والاقتصادية. هل ينسجم تطور برامج الأطلس مع هذه الدينامية؟

نعم، بالتأكيد. فالصناعات الثقافية والإبداعية باتت تلعب اليوم دورًا محوريًا في العديد من الدول، والسينما جزء أساسي منها. ومن خلال تعزيز آليات الدعم، نساهم في بناء بيئة مهنية متكاملة: نقل المعرفة، تطوير الشبكات، تعزيز الرؤية، ودعم التوزيع. إنها مقاربة تهدف إلى تعزيز المنظومة ككل، وليس فقط الأفلام المختارة ضمن المهرجان.

الأفلام المعروضة في مهرجان مراكش متاحة في عدة أماكن، للشباب وغير المتخصصين، لعشّاق السينما والمحترفين على حدّ سواء. كيف أثّر هذا الانفتاح على علاقة الجمهور بأماكن السينما في مراكش؟

هذا الانفتاح أتاح توسيع طرق استعمال الفضاءات السينمائية داخل المدينة. فبين قصر المؤتمرات، والكولوسيوم، ومتحف إيف سان لوران، ومايدين، تتقاطع جماهير متنوعة، لكلّ منها أسلوبها الخاص في التفاعل مع السينما. هذا التعدّد في الفضاءات يخلق نوعًا من القرب بين الجمهور والمهرجان، ويساهم في ترسيخ تجربة سينمائية متاحة، حيّة ومشتركة داخل المدينة.