المغرب: غلاء الأسعار في رمضان يصل إلى البرلمان ويضع الخطاب الحكومي على المحك

3
المغرب: غلاء الأسعار في رمضان يصل إلى البرلمان ويضع الخطاب الحكومي على المحك
المغرب: غلاء الأسعار في رمضان يصل إلى البرلمان ويضع الخطاب الحكومي على المحك

أفريقيا برس – المغرب. تحوّل قلق الأسر المغربية من تخمينات تحدثت عن زيادة أسعار المواد الأساسية خلال شهر رمضان، إلى واقع أمر يتجلى في الأسواق بكل تلويناتها ومستوياتها، وخاصة الشعبية التي يلجأ إليها حتى بعض النخبة من الطبقة المتوسطة؛ ما جعل القضية تصل إلى البرلمان من خلال سؤال موجه إلى وزير الفلاحة (الزراعة)، وهو في الحقيقة يُسائل الحكومة برمتها، ما دامت كانت أعلنت من قبل “تفاؤلها” بشأن أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان المبارك، وأكدت أن “معدل التضخم يسير نحو الانخفاض بشكل عام”، مثلما جاء على لسان الوزير الناطق باسم الحكومة.

ودعا حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض الحكومةَ إلى الحرص الشديد على مراقبة الأسعار، وخاصة بالنسبة للمواد الاستهلاكية، واتخاذ كل ما يلزم من تدابير حفاظاً على القدرة الشرائية للمغاربة التي ما تزال تعرف تدهوراً مطّرداً. وطالب الحزب نفسه بـ”المكافحة الفعلية للمضاربات وللادخار السري للسلع، ولكل الممارسات التجارية غير المشروعة، دون إغفال مراقبة جودة المنتجات المعروضة للبيع في الأسواق الوطنية حمايةً للصحة العامة”، وفق ما جاء في بيان اطلعت عليه “القدس العربي”.

“انتهى وقت الافتراض وربما حان وقت الاقتراض”، كتب أحد الظرفاء في تدوينة عابرة نشرت في إحدى منصات التواصل الاجتماعي، المعنى واضح؛ فكل من كان قلقاً يؤرق، صار حقيقة ملموسة تؤلم الجيب وتنهي آمال الميزانية في مواصلة الطريق إلى نهاية الشهر.

بعضهم اختار أن يقول إن المغاربة تفاجأوا، لكن الحقيقة أنهم كانوا يعرفون أن الأسعار ككل رمضان من كل عام، تعرف اشتعالاً غير مسبوق وارتفاعاً لا يمكن بلوغه إلا بالصبر والكثير من العزيمة لتفادي الاصطدام بالمشتهيات كلها.

دون استثناء تقريباً، شهدت الأسواق منذ أن بدأت بشائر الشهر الفضل تطل برأسها، تغيراً نوعياً في أسعار عدد من المنتجات الاستهلاكية وعلى رأسها الخضر والفواكه، واللحوم الحمراء والبيضاء، ناهيك عن الأسماك التي تثير العجب في نفوس المغاربة بتمنعها المتواصل خاصة في المناسبات الروحية.

السيدة التي وقفت أمام الجزار، تساءلت بعدما عرفت الثمن: “أين هي أبقار البرازيل؟” هي لا تعرف أن الموجة مرت ولن تعود لتصطدم بشاطئ البسطاء. وليس لحم العجل أو الخروف وحده من رفع سقف دلاله، بل حتى الدواجن انتابتها الغيرة وحاولت التحليق في سماء الغلاء، وكان لها ذلك لكن بنسب قليلة وغير مؤلمة، لكنه سيؤثر سلباً على الموائد الرمضانية خلال شهر الصيام.

خلال جولة مراسل “القدس العربي” في بعض الأسواق، كان الحاضر الأكبر في معادلة الغلاء، هو اللحم الأحمر الذي يقبل عليه المغاربة لافتتاح شهر الصيام به، حيث يفضله البعض ليكون وجبة عشاء ليلة أول أيام الصيام، وعرفت أسعاره ارتفعاً يكرر سيناريو العام المنصرم وفي المناسبة ذاتها أي رمضان.

*الأسعار مرشحة لمزيد من الارتفاع

العجيب أن جزاراً قال إن السعر مرشح للمزيد من الارتفاع، ورفع سبابته وقال “لنا وللزبون الله”، تصريحات المهنيين ليست خبط عشواء، فقد أكدوا ارتفاع الأسعار قبل مدة، وهي اليوم فعلاً بلغت سقف 100 درهم (9.96 دولار) بالنسبة للحم الخروف وهو “الغنمي” بلغة المغاربة، أما ثمن الكيلوغرام الواحد من لحم العجل فقد بلغ 80 درهماً (7.97 دولار) هذا في سوق الجملة بالدار البيضاء، يفيد نفس الجزار.

السبب لا يمكن أن تبحث عنه في سوق شعبي أو حتى سوق ممتاز، لكن “الخبراء” من المهنيين الذين يطلقون التصريحات ذات اليمين وذات الشمال، يقولون إن هذا الارتفاع سببه الخصاص المسجل منذ أشهر عديدة في القطيع الوطني.

الجولة في السوق تتواصل. ومن ارتفاع اللحوم الحمراء ونظيرتها البيضاء، نجد هناك منتجاً يقف بينهما معاً، وهو البيض الذي بدوره ركب موجة الغلاء واستغل رمضان وحاجة الصائم إلى بيضة مسلوقة مع شوربة “الحريرة”.

حديث البيض ليس عادياً، فهذا المنتج بمثابة البديل الدائم في حالة التيه عن طبخ أي وجبة، كما أنه من أساسيات الصيام، فهو إلى جانب التمر و”الشباكية والمخرقة” (حلوى عسلية) من رفقاء “الحريرة”، ويبدو أن سعر البيضة الواحدة وصل إلى 1.70 (0.17 دولار) وذلك على بعد يومين من شهر رمضان، أما بعد مرور اليوم الأول والثاني فيبدو أن الثمن لا يتزحزح وسيستقر على الزيادة خلال هذا الشهر الكريم دون أن يفكر المواطن في العكس، إلا من بعض الفجوات لدى بعض الباعة الذي يرفضون أكل غير الربح الحلال.

هذا الموضوع كان محور سؤال كتابي للنائبة البرلمانية فاطمة التامني، عن فدرالية “اليسار الديمقراطي”، والتي طالبت وزير الفلاحة، بالتدخل للحد من “الارتفاع المهول” الذي تعرفه أسعار البيض. وقالت إن “استهلاك البيض يتضاعف في شهر رمضان بالنظر لخصوصية المائدة المغربية”، مبرزة أن المغاربة “تفاجأوا بالزيادات المهولة في سعر البيض، بعدما كان السعر لا يتجاوز الثمانين سنتيماً (أقل من درهم مغربي) ليرتفع إلى درهمين فما فوق”، وشددت البرلمانية على أن هذا الارتفاع “يعمق ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، على غرار باقي المواد الأساسية التي تعرف زيادات متواصلة، دون أي تدخل حكومي، للحد من غلاء المعيشة الذي يؤرق الأسر المغربية منذ عدة أشهر”.

يضاف إلى ذلك أن الخضار مثل الطماطم، ارتفع ثمنها في أسواق الجملة بشكل كبير، حيث انعكس الأمر على أسواق الأحياء الشعبية والممتازة، إذ انتقل سعرها من 4 دراهم (0.40 دولار) إلى 9 دراهم (0.90 دولار)، ويقول رجل مار من أمام صناديق طماطم وضعت بعناية ورقة فوق الأرض: “انتهى زمن الصلح مع الخضار بسرعة”، وأضاف: “يبدو أن الطماطم ندمت على التواضع وعادت للترفع”.

*المضاربون يجيدون المراوغة

الحكومة تنال نصيبها الوافر من اللوم، فهي رغم ما تعلن عنه من مراقبة الأسواق وزجر المخالفين، فإن الغلاء يبقى سيد الموقف، ويبدو أن المضاربين يجيدون المراوغة، أو ربما هو أمر التنافس المفتوح دون كوابح.

مادة غذائية أخرى يكثر الإقبال عليها في شهر الصيام خاصة، تتجلى في السمك، وبشأن الأسواق الشعبية يبقى السردين هو المرغوب فيه رقم واحد، ويكون عليه إقبال شديد في شهر الصيام، لكن يبدو أن السعر له رأي آخر، فقد رفع منسوب المحنة إلى ما بين بين 15 و20 درهماً (1.49 و1.99 دولار)، للكيلوغرام الواحد، فيما بلغ سعر أنواع أخرى من السمك الذي يدخل تناوله في باب الرفاهية، مثل الصول بين 90 و110 دراهم (8.97 و10.96 دولار) أما سعر الكالمار والقمرون فقد تجاوز الـ 120 درهماً (11.96 دولاراً).

المواطن المغربي يفهم جيداً أن ارتفاع الأسعار في رمضان أمر محتوم كما لو أنه القدر، لأن هناك دائماً من يستغل المناسبة ليراكم الربح ولو على حساب الناس البسطاء، كما أنه يفهم أن التعبير عن الاستياء بسبب هذا الارتفاع الصاروخي لا يجدي نفعاً، وهو نوع من التمثيل يقول أحد المدونين. أما مقطع فيديو لموقع إلكتروني منشور على الفيسبوك، فقد حمل تصريحات بائع سمك، قال إنه يخجل من أن يبيع للناس بهذه الأسعار.

ويرى محمد المسكاوي، رئيس شبكة حماية المال العام، أنه “يجب على الحكومة إعادة النظر في قوانين أسواق الجملة وفي السياسة التسويقية عموماً”. ولاحظ في تصريحات أوردتها أسبوعية “الوطن الآن”، أنه كلما انخفضت الأسعار على المستوى الدولي، يبقى مستوى الأسعار ثابتاً على المستوى الوطني (المحلي) إن لم يزد على ذلك، وهو الأمر الذي يتطلب معالجة حقيقية من الحكومة. ويؤكد أن الاحتكار من أجل المضاربة هو مظهر من مظاهر الفساد والريع وأحد تمظهراتهما، وهي مظاهر ترعرعت منذ سنوات، وتراكمت، وشكلت لوبيات، وشبكات متخصصة في هذا المجال، خصوصاً مع حلول شهر رمضان وخلال عيد الأضحى، حيث يصبح هاجس بعض الفئات هو الربح المضاعف بشكل فاحش والتي صارت تستغل التكنولوجيا لتنفيذ ذلك، وفق قوله.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس