صرف 32 مليار درهم في خمس سنوات من أجل إحداث تغيير في العالم القروي

18
صرف 32 مليار درهم في خمس سنوات من أجل إحداث تغيير في العالم القروي
صرف 32 مليار درهم في خمس سنوات من أجل إحداث تغيير في العالم القروي

أفريقيا برس – المغرب. للحد اتساع الفوارق المجالية والاجتماعية، أعلن الملك، في عام 2015، عن برنامج يهدف إلى إخراج المناطق القروية والجبلية من عزلتها. 32 مليار درهم تمت تعبئتها ما بين عامي 2017 و2021 لتمويل حوالي 8200 مشروع. حصيلة هذا الورش الذي يراد منه إعادة الاعتبار للعالم القروي.

كان ذلك أثناء خطاب العرش عام 2015: قدم الملك محمد السادس، بكل صراحة وبدون مواربة، هذه الملاحظة المحزنة: “رغم التطور الذي حققته بلادنا، فإن ما يحز في نفسي، تلك الأوضاع الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين في المناطق البعيدة والمعزولة”. وهكذا أعطيت التوجيهات لتنفيذ برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي، الذي أصبح منذ ذلك الحين المحور الأساسي للاستراتيجية الوطنية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية.

برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي هو برنامج ملكي لتعبئة 50 مليار درهم من الاستثمارات العمومية في مجالات التعليم والصحة وإنشاء الطرق والمسالك، ولكن أيضا كهربة وإيصال المياه إلى المناطق النائية من المملكة. وبالنظر لأهميته وتأثيره السياسي والاجتماعي لفائدة 12 مليون مغربي يعيشون في العالم القروي، فإن الإشراف على إنجاز هذا البرنامج أثار، بطبيعة الحال، صراعات سياسية في بدايته. عودة إلى الوراء.صراعات سياسية

في عام 2016، تظاهر عبد الإله بنكيران، الذي كان في نهاية فترة ولايته، باكتشافه فجأة أن وزير الفلاحة -عزيز أخنوش- هو الآمر بالصرف بصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، وهو الصندوق الذي سيعرف طفرة جديدة. يتذكر عضو سابق في الحكومة: “كان ذلك هو الخلاف الأول بين السياسيين اللذين كانا حتى ذلك الوقت يتبادلان الكلمات المعسولة”. ويتابع: “كانت محاولة يائسة من جانب بنكيران لاستعادة هذا الملف. كان وزير ماليته (إدريس الأزمي المنتمي لحزب العدالة والتنمية) على دراية تامة بميزانية هذا الصندوق”.

كان النموذج الذي تم اعتماده في نهاية المطاف هو الخيار الصحيح: لقد أصبح برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي نموذجا لفعالية السياسات العمومية، لا سيما في مجال التآزر في ما يخص الجهوية المتقدمة. معدلات الإنجاز على مدى السنوات الخمس الأولى مرضية للغاية: حوالي 32 مليار درهم من الاستثمارات تمت تعبئتها بالفعل بين عامي 2017 و2021 من أجل إنجاز حوالي 8200 مشروع. تحسن الولوج إلى البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية (مثل إنشاء الطرق والمسالك القروية والولوج إلى الصحة والتعليم والربط بالكهرباء وبالماء) منذ إطلاق البرنامج بنسبة 44٪ وفقا لمؤشر جودة الخدمات و38٪ وفق مؤشر الولوج إلى البنيات التحتية الأساسية. وقال رئيس جهة سابق بنوع من التهكم: “إن مشروع برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي هو أحد المشاريع القليلة التي لم تفشل خلال الولاية الحكومية الأخيرة. مما لا شك فيه أن السبب في ذلك أن الإشراف على تنفيذه لم يكن بيد أطر العدالة والتنمية”.إدارة مرقمنة

المجالس الجهوية منخرطة بشكل وثيق في هذا البرنامج المهيكل لترابهم. أولا من خلال تمويل يصل إلى 20 مليار درهم ولكن أيضا من خلال الإشراف، مع الولاة، على “اللجان الجهوية لتنمية المناطق القروية والجبلية”. ومع ذلك، فإن كتابة هذه اللجان تعود إلى المديريات الجهوية للفلاحة، التي تشرف على متابعة إعداد وتنفيذ خطط العمل السنوية المحددة من قبل الجماعات الترابية. ويشرح نور الدين كسى، مدير المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس – ماسة، وهي الجهة التي من المتوقع أن تشهد استثمارات بقيمة 5 مليارات درهم في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي، قائلا: “تكمن إحدى نقاط القوة في هذا البرنامج في نظام المعلوميات الخاص به، مع مؤشرات مالية وفنية تسمح لنا بإدارته”.

تم وضع نظام خرائط للجماعات والدواوير المعنية بهذا البرنامج. يسمح هذا النظام بتحديد التفاوتات بين الجماعات والدواوير، والتي يتم تصنيفها وتحديد أولوياتها مع مراعاة حوالي عشرين معيارا تحدد درجة التفاوتات. وعلى المستوى المركزي، فإن وزير الفلاحة، التي ترأس اللجنة الوطنية لتنمية المجال القروي والمناطق الجبلية، هي المخولة لإزالة أي عقبات قد تعترض تنفيذ البرنامج.

ولكن قبل كل شيء، فإن المسؤول الحكومي هو أيضا الآمر بالصرف بصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، الذي تم تخصيص موارد كبيرة له. وفضلا عن موارده الخاصة التي تصل إلى 10.5 مليار درهم، يقوم هذا الصندوق أيضا بالحصول على مساهمة إضافية قدرها 12.8 مليار من عدة قطاعات وزارية.

وبفضل الزيادة في ميزانيته، أصبح هذا الصندوق رافعة لاندماج وتحسين التدخلات العمومية. ويؤكد سعيد الليث، مدير تنمية المجال القروي والمناطق الجبلية بوزارة الفلاحة، أن “بعض مشاريع المهيكلة الخاصة بالعالم القروي لم تكن لتتحقق أبدا لترى النور لولا هذه الآلية التمويلية”.

وهكذا تم إنشاء طرق ومسالك قروية ومراكز صحية بها وحدات رعاية طبية متنقلة ومدارس تتوفر على النقل المدرسي، كما تم ربط القرى بمياه الشرب والكهرباء… وبذلك أصبح العالم القروي المغربي ورشا حقيقيا.فك عزلة وتنمية

تخرج المناطق الجبلية تدريجيا من عزلتها ببناء أو تجديد ما يقرب من 12.454 كيلومترا من الطرق بحلول نهاية عام 2021. وغالبا ما يكون تعبيد بضع كيلومترات كافيا لتغيير حياة آلاف الأشخاص الذين كانوا يشعرون بالعزلة عن العالم.

في إقليم تارودانت، على سبيل المثال، كان دوار أملال ينقطع عن العالم مع كل فيضان في الوادي الصغير الذي يحيط به. لقد ضمن إنشاء طريق جديد يبلغ طوله حوالي عشرين كيلومترا، مع أعمال جديدة للصرف الصحي والوقاية، في عام 2020، أن تصبح العزلة جزء من الماضي بالنسبة للسكان المحليين. “ينتهي العالم بالنسبة لنا هنا عند كل فيضان للوادي. كان على النساء الحوامل أن يلدن هنا لأن سيارات الإسعاف لم يكن بإمكانها الوصول إلى الدوار”، يحكي أحد سكان المنطقة. ويؤكد مسؤولو برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي: “على المستوى الوطني وفي إطار مشاريع مماثلة، سيتم تخفيض أيام الانقطاع في المناطق المعزولة إلى النصف، أي من 24.5 إلى 12.2 يوما”.

في الـ24000 دوار مغربي المعني بالبرنامج، بدأت الاستثمارات الأولى تعطي أكلها بالفعل. على صعيد التعليم، شيدت مدارس جماعاتية وإعداديات، وتم توزيع المئات من حافلات النقل المدرسي في جميع أنحاء المملكة، ناهيك عن الداخليات المختلفة التي تم بناؤها أو تجديدها. لا يمكن إنكار تأثير هذا الأمر على معدلات الهدر المدرسي، خاصة في صفوف الفتيات. وقالت عايدة بوكرين، المديرة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بأكادير: “كان معدل الهدر المدرسي يتراوح بين 25 و27٪ بين تلاميذ الإعداديات. وهي تتراوح حاليا بين 10 و11٪”. وتضيف قائلة: “هذا البرنامج يسمح بتوسيع العرض المدرسي مع ضمان تكافؤ الفرص وعدالة مجالية واجتماعية”.

نفس الشيء بالنسبة لقطاع الصحة. تم بناء أو إعادة تجهيز ما لا يقل عن 513 مركزا صحيا وتم تجهيزها حتى يتم توسيع الخدمات الصحية (بالإضافة إلى 389 سيارة إسعاف و153 وحدة متنقلة تم تسليمها بالفعل). تقوية التغطية الصحية قد جعلت الحياة أسهل لكثير من سكان القرى الذين كانوا يضطرون في السابق للسفر عشرات الكيلومترات للعثور على مركز صحي. “معدل التوافد على المرافق الصحية سيزيد من 8.4 إلى 9.2 زيارة على الصعيد الوطني، بفضل مختلف المشاريع المماثلة لتلك المنجزة في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي”، بحسب ما يؤكده مسؤولو هذا البرنامج.

وأخيرا وليس آخرا، يعد تزويد العالم القروي بمياه الشرب والكهرباء في قلب برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي. وفي هذا الإطار، تم حفر الآبار ونوافير المياه بالفعل بمئات الدواوير، حيث أصبحت الكهرباء في متناول ساكنيها.نهاية الهجرة القروية؟

إن الآلاف من مشاريع برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي التي اكتملت بالفعل لم تحسن الولوج إلى البنيات التحتية الأساسية والخدمات الاجتماعية فحسب، بل جعلت أيضا مناطق معينة من العالم القروي المغربي أكثر تنافسية. لم يعد يتعين على المزارعين السفر كيلومترات للحصول على المياه لمواشيهم، ولا القلق بشأن أقساط النقل الإضافية لتغذية مواشيهم أو الأسمدة لمحاصيلهم.

ففك العزلة عن مناطق الإنتاج من خلال فتح الطرق قد خلق أيضا إطارا مناسبا لتشجيع الاستثمار الخاص وخلق فرص العمل وتنويع مصادر الدخل، وبالتالي الحد من الهجرة القروية. يعود قرويون بشكل متزايد إلى دواويرهم الأصلية لإطلاق مشاريع جديدة طموحة.

هذا هو الحال بالنسبة لدوار صغير بالقرب من أزيلال، والذي أصبح الوصول إليه سهلا بفضل طريق غير مصنف يربط ست جماعات. ويروي عبد الله أماني الذي عاد إلى أرض أسلافه لإقامة مشروع لتربية الحلزون قائلا: “لم أكن لأفكر أبدا في إنشاء تعاونية فلاحية بدون هذا الطريق البري الذي يسمح لنا بالوصول إلى الأسواق”.

حتى عام 2023، سيغير برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي بكل تأكيد وجه القرى المغربية من جعل الوصول إليها سهلا وهو ما سيجعلها أكثر إنتاجية. إن برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي هو في حقيقة الأمر نهاية لهذا المغرب الذي قيل إنه يسير بسرعتين، والذي يجد الآن طريقه ونموذجه للتنمية الشاملة والمندمجة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس