أفريقيا برس – المغرب. في شهر غشت الجاري، شرع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت في مشاورات مع الأحزاب السياسية استعدادًا لتنظيم الانتخابات التشريعية لسنة 2026، استجابةً للتوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش يوم 29 يوليوز الماضي. وقد شدد الملك محمد السادس، في الخطاب نفسه، على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، واعتماد قانون انتخابي خاص بمجلس النواب قبل نهاية السنة الجارية. أما مسألة مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج، فهي نادرًا ما تحظى بموقع متقدم على جدول أعمال الأحزاب الممثلة في البرلمان.
وقبيل انطلاق هذه المشاورات، ذكّر لفتيت، خلال جلسة أمام مجلس المستشارين، بأن للمغاربة المقيمين بالخارج الحقوق نفسها التي يتمتع بها مواطنوهم داخل البلاد. وكما أكد سنة 2024، أوضح أن النظام الانتخابي الحالي يمنح المغاربة بالخارج “حق التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة، وحق التصويت والترشح في جميع الانتخابات المنظمة على التراب الوطني”، مضيفًا أن المشرّع “وسّع بشكل خاص إمكانيات التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة”، مع إمكانية التصويت المباشر داخل المغرب أو عبر التوكيل من بلد الإقامة.
وخلال انتخابات 2021، وُضع شرط على الأحزاب السياسية لتسهيل وصول المغاربة بالخارج إلى مجلس النواب، يقضي بتقديم مرشح مقيم بالخارج على رأس قائمة إقليمية واحدة على الأقل، تحت طائلة حرمانها من التمويل العمومي. وفي هذا الإطار، أكد الوزير أن الحكومة تظل “منفتحة على أي اقتراح بنّاء لتعزيز المشاركة الانتخابية للمغاربة المقيمين بالخارج، في إطار ما ينص عليه الدستور”.
لكن هذا الملف، وفق عدد من فاعلي المجتمع المدني بالخارج، لا يزال متعثرًا. ومن هؤلاء، سالم فكري، رئيس ومؤسس جمعية “كاب سود لمغاربة العالم”، الذي عبّر في تصريح لموقع يابلادي عن أسفه لغياب التقدم في هذه الورشة، رغم الدعوات المتكررة الموجهة إلى الأحزاب السياسية. فبعد اعتماد دستور 2011، وقّعت الجمعية اتفاقيات التزام مع أربعة أحزاب كبرى، اثنان من الأغلبية واثنان من المعارضة، وهي: حزب التقدم والاشتراكية، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال.
بعد مرور عقد من الزمن، رفض البرلمان في مارس 2021 مشروع قانون تقدم به حزب الاستقلال يتيح المشاركة السياسية المباشرة للمغاربة بالخارج في البرلمان، وذلك قبل أشهر من استحقاقات 8 شتنبر من العام نفسه.
ماذا عن الإجراءات؟
ترتكز أبرز مقترحات “كاب سود لمغاربة العالم” التي قُدمت للأحزاب الموقعة “من أجل دفاع أفضل عن مصالح المغاربة المقيمين بالخارج” على تفعيل الفصول 16 و17 و18 و163 من الدستور، من خلال إنشاء هيئة خاصة بالمغاربة المقيمين بالخارج داخل مجلس المستشارين، “أو إحداث دائرة انتخابية جديدة تمثل القارات الخمس، بحيث يتناسب عدد ممثليها – قدر الإمكان – مع عدد المغاربة المقيمين في كل منطقة”. لكن ما بين انتخابات 2021 وعام 2025، لم يُنفذ أي من الخيارين ولم يدرج الموضوع على جدول النقاش العام.
وفي تصريح للموقع، اعتبر سالم فكري أنه “من المؤسف أن تصبح مسألة المشاركة في الانتخابات وإنشاء دائرة بالخارج ورقة تفاوضية بين الأحزاب السياسية خلال المشاورات، وهو ما قد يفسر سنوات الرفض السابقة”. وأضاف “بعيدًا عن الاعتبارات السياسية التي تمثلها مشاركتنا، فإنها قضية أساسية للحفاظ على الصلة بين الأجيال الثالثة والرابعة والوطن الأم”.
وأشار فكري إلى أن “السؤال اليوم يتجاوز مجرد التذكير بالمساواة في الحقوق الانتخابية بين جميع المغاربة، إلى ما إذا كانت الأحزاب الممثلة في البرلمان والحكومة ستسمح بإنشاء دوائر بالخارج، على غرار ما تقوم به دول مثل السنغال وفرنسا وإيطاليا، وبما يتناسب مع حجم الجالية المغربية”.
وأكد أن “تمثيلية دوائر المغاربة بالخارج آلية تشريعية وسياسية قادرة على الاقتراب من مشاكل الجالية، خاصة وأن جلالة الملك دعا إلى مشاركة كاملة وشاملة”.
وتابع: “لا يتعلق الأمر بانتقاص التمثيلية المحلية للدوائر الوطنية، بل بإضافة مقاعد برلمانية – في حدود 15% تقريبًا – لتمكين المغاربة في العالم من التواجد في البرلمان أسوةً بزملائهم داخل الوطن، والمشاركة في اللجان البرلمانية والمؤسسات الدستورية”.
“يجب طرح السؤال على الحكومة والأحزاب السياسية”
تزداد حيرة أولئك الذين نجحوا في تحقيق مشاركة سياسية فاعلة في بلدان إقامتهم، لكنهم لم يتمكنوا من تجاوز عتبة التمثيل في بلدهم الأم. محمد شايب أخديم، النائب الاشتراكي السابق في برلمان كتالونيا (PSC) والنائب الأسبق في الكونغرس الإسباني (PSOE)، كان أول منتخب من أصل مغربي يجلس تحت قبة البرلمان الإسباني، رغم الانتقادات الشديدة التي وُجِّهت إليه من اليمين. ويشغل اليوم في برشلونة رئاسة مؤسسة ابن بطوطة، مواصلًا نشاطه كفاعل رئيسي في الحياة العامة على جانبي المتوسط.
وقال شايب لموقع يابلادي: “ينبغي طرح مسألة مشاركة المغاربة المقيمين في الخارج وتمثيلهم عبر الانتخابات على الحكومة، ومعرفة موقف رئيس السلطة التنفيذية والوزراء، وكذلك الأحزاب السياسية الأخرى والنواب”. وأضاف: “بصفتي الرئيس السابق للجنة المواطنة والمشاركة السياسية في مجلس الجالية المغربية بالخارج (CCME)، أحتفظ بذاكرة حية للعديد من الوثائق التي أنجزناها بشأن مشاركة المغاربة المقيمين في الخارج في الانتخابات ووصولهم إلى المؤسسات. لكن يبقى السؤال: هل لدى الحكومة إرادة حقيقية لتمكين المغاربة بالخارج من المشاركة النشيطة في العملية الانتخابية أم لا؟”.
وتساءل شايب عن جدوى الوثائق والرؤى التي أُنتجت حول هذا الملف، داعيًا إلى جعلها “أكثر انسجامًا مع التوجيهات التي قدّمها الملك محمد السادس في هذا الصدد”. وأعرب عن استغرابه من “الترويج لفكرة أن المغرب لم يحن بعد مستعدًا لمشاركة مواطنيه بالخارج، كلما اقترب موعد استحقاق انتخابي جديد”.
ويرى النائب السابق أن “أفضل صيغة لتمثيل المغاربة المقيمين في الخارج هي تنظيم الانتخابات عبر القنصليات، كما تفعل عدة دول في دوائرها القنصلية بالخارج، ومنها إسبانيا”. ويضيف: “بهذه الطريقة يمكن معالجة ونقل مشاكل المغاربة في العالم بشكل أكثر فعالية. إنه خيار جدير بالدراسة، شريطة توافر إرادة سياسية حقيقية لإشراك المواطنين المقيمين في الخارج في العملية الانتخابية، سواء لدى الحكومة أو على مستوى أحزاب الأغلبية والمعارضة”.
ويؤكد شايب أن “القنصليات المغربية في الخارج مؤهلة تمامًا لضمان حسن سير العملية الانتخابية، فالوسائل اللوجستية متوفرة، ومواردنا البشرية في هذه التمثيليات من بين الأكثر كفاءة لضمان نجاح هذه التعبئة”.
وبحسب رئيس مؤسسة ابن بطوطة، فإن الأمر يتجاوز مجرد تحقيق تمثيلية عددية أو فعّالة، إذ يشكّل على المدى المتوسط والبعيد “وسيلة لرفع الوعي السياسي لدى المغاربة المقيمين بالخارج بشأن القضايا الوطنية، وفي مقدمتها القضية الوطنية التي تستحق أن تُحمل داخل المؤسسات من قِبل قوة سياسية وازنة، عبر نواب منتخبين وبطريقة مؤسسية”.
“من المبدأ الدستوري إلى الفعل التشريعي”
من جانبه، يرى الأستاذ الجامعي والباحث في قضايا الهجرة، عبد الكريم بلقندوز، أن مسألة المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج عبر التمثيل الانتخابي “لا تزال مطروحة بقوة” منذ إقرار دستور 2011. وقال لموقع يابلادي: “عندما يُشترط الترشح في دائرة انتخابية داخل التراب الوطني، فإن هذه الصيغة لا تراعي خصوصية المغاربة في العالم”.
ويشدد بلقندوز على أن “المبدأ الدستوري يضع الأساس، لكن تفاصيله يجب أن تُحدد في القوانين التنظيمية والقوانين الإطارية، وهو ما لم يتحقق بعد”. ويضيف: “على الصعيد العملي، أثبت نظام التصويت بالوكالة محدوديته في إشراك المغاربة المقيمين بالخارج بشكل فعّال في العمليات الانتخابية، إذ تشير تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH) إلى أن الإقبال على هذا الخيار لا يزال ضعيفًا للغاية”.
ويؤكد الباحث أن “خطاب الملك في 20 غشت 2022 قدّم توجيهًا واضحًا لصالح إدماج المغاربة المقيمين بالخارج في الحقل السياسي، لكن يبقى السؤال: هل أخذت التشريعات منذ ذلك الحين بعين الاعتبار خصوصياتهم؟”. وأضاف: “لم تكتف الحكومة بعدم التفاعل مع هذا النداء الملكي، بل انتظرنا حتى خطاب 6 نونبر 2024 لتجديد التأكيد على هذا التوجه، ومع ذلك لم يترجم بعد إلى خطوات عملية من جانب الفاعلين السياسيين”.
ويختم بلقندوز بالقول: “مع الخطاب الأخير للملك بمناسبة عيد العرش، يسعدنا بدء المشاورات مع الأحزاب للتحضير للانتخابات، لأن هذه المرة لم تعد مبررات المعارضين للمشاركة – من قبيل ضيق الوقت للتحضير أو التعقيدات اللوجستية أو نقص الموارد البشرية – مقبولة. الكرة الآن في ملعب الأحزاب السياسية”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس