الباحثة المغربية مارية الشرقاوي لـ «القدس العربي»: تعديلات قانون الأسرة لم تأت لمناصرة المرأة دوناً عن الرجل

5
الباحثة المغربية مارية الشرقاوي لـ «القدس العربي»: تعديلات قانون الأسرة لم تأت لمناصرة المرأة دوناً عن الرجل
الباحثة المغربية مارية الشرقاوي لـ «القدس العربي»: تعديلات قانون الأسرة لم تأت لمناصرة المرأة دوناً عن الرجل

أفريقيا برس – المغرب. يختتم المغرب سنة 2024 بنفس حقوقي توجته التعديلات التي فاقت الـ 100 على بنود مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية)، إذ اعتبر محللون أن تلك التعديلات “ثورة ثانية على صعيد قانون الأسرة، بعد ثورة أولى قادها المغرب في 2004، تاريخ سن المدونة في صيغتها المعدلة، والذي اعتبر في حينه سبقاً حقوقياً في مجال حماية الأسرة وسن قوانين تنصف المرأة (الزوجة) بشكل كبير”.

العشرون عاماً التي مرت تحولت فيها ملامح المجتمع المغربي، وهو ما تطلب الاجتهاد في سن قانون متجددة يتماشى مع متطلبات الحياة الحديثة، وتحقيق المزيد من التوازن للحياة الزوجية وتحصين الأسرة المغربية.

التعديلات الجديدة التي تنتظر خطوات أخرى تشريعية، تتمثل في عرضها على البرلمان المغربي بمجلسيه للمصادقة عليها، حملت نسائم تغيير اعتُبر جذرياً، خاصة في مسائل جوهرية تهم وضعية المرأة القانونية والاعتبارية داخل الأسرة، وهي استكمال “لانخراط المغرب منذ ما يفوق ثلاثة عقود في مسلسل إصلاحات تهم المجال القانوني والقضائي قصد إرساء مجتمع ديمقراطي حداثي تصان فيه كرامة الإنسان، المرأة والرجل والطفل”، تقول الكاتبة والباحثة في قضايا النوع مارية الشرقاوي.

واعتبرت الحقوقية المغربية متحدثة لـ “القدس العربي” أن “المشروع الجديد لمدونة الأسرة (قانون الأسرة)، “ثورة اصلاحية ومبادرة فريدة من نوعها على مستوى العالم الإسلامي والعربي، واستحقاقاً تاريخياً ناضلت من أجله منظمات وجمعيات نسائية في مرحلة يعرف فيها المغرب انتعاشاً كبيراً في قضايا المرأة”.

وتوضح الشرقاوي قائلة إن “هذا المشروع ينتظره مسار طويل ليخرج إلى النور، بحيث تقتضي المسطرة عرضه على الأمانة العامة للحكومة وبعدها على البرلمان لمناقشته ومن ثم المصادقة عليه”.

اعتماد التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة والاستعداد لتمريرها إلى البرلمان للتصويت عليها، اعتبر بمثابة الوصول الى محطة استراحة من طريق طويل فيما يخص بعض البنود التي كانت محط جدل دائم. وعن ذلك تقول إن “الاستراحة من النضال الحقوقي غير واردة، النضال مستمر وسيستمر مادام المجتمع يتغير ويتطور موازاة مع تطور المجتمع الدولي، إذ من البديهي أن تتغير متطلباته، فلكل وقت آذانه.

أضف إلى ذلك، أننا ننتظر تفعيل المدونة الجديدة بمحاكم قضاء الأسرة لنعرف مدى نجاعة النص القانوني، فالمشرّع مهما اجتهد في وضع نص قانوني لتأطير موضوع معين لن تثبت نجاعته من عدمها إلا حين تنزيله وتفعيله على أرض الواقع”.

سؤال النجاعة والتفعيل يقابله سؤال إنصاف المرأة، وهل أثلجت هذه التعديلات صدرها وحققت المأمول فيما يتعلق بحقوق النساء خاصة داخل بيت الزوجية، وهو ما ردت عليه الباحثة بالإشارة أولاً إلى أن “مدونة الأسرة والتعديلات المقترحة لم تأت لمناصرة المرأة دوناً عن الرجل، بل هي من أجل أسرة متوازنة تصان حقوقها امرأة ورجلاً وطفلاً، وإن كان المتداول والمواد التي أخذت حصة الأسد من النقاش تهم فقط تلك التي تحمي المرأة والطفل فقط، وأذكر هنا مثلاً النيابة القانونية للأم المطلقة الحاضنة على أولادها واستمرار حق الحضانة لها حتى بعد زواجها”.

ولم تخف مارية الشرقاوي “كأم وكزوجة” ترحيبها بالتعديلات التي تنصف المرأة، “خاصة تلك التي وافق عليها المجلس العلمي الأعلى كتأطير تدبير الأموال المكتسبة أثناء فترة الزوجية مع تثمين عمل الزوجة داخل بيت الزوجية واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية”.

وتضيف الباحثة قولها: “أكيد، إن مشروع مدونة الأسرة (قانون) تدارك مجموعة من الاختلالات والثغرات والعيوب التي شابت مدونة 2004، بحيث جرى اعتماد إصلاحات جوهرية تصان من خلالها حقوق المرأة والرجل وتراعى فيها المصلحة الفضلى للطفل، إذ استجاب لمجموعة من المطالب ناضلنا من أجلها طويلاً كإخراج بيت الزوجية من الإرث، الولاية للمرأة فيما يهم الإجراءات القانونية الخاصة بأطفالها وحق الأم المطلقة في حضانة أطفالها حتى عند زواجها، إلى غير ذلك”.

وتوقفت الشرقاوي عند مسألة إخراج بيت الزوجية من الإرث، واعتبرت اجتهاد المجلس العلمي الأعلى في هذا الموضوع “اجتهاداً ممتازاً”، خاصة أننا نعلم أن الإرث بالتعصيب “إشكالية كبيرة عانى منها الآباء والأمهات الذين لم يرزقهم المولى عز وجل بذكر بل فقط بنات، فكانت فكرة الممات تقض مضجعهم كون الإرث بالتعصيب يمنح الحق للعم أو أبناء العمومة في التركة والتي قد تكون أحياناً فقط البيت الذي يؤوي البنات وأمهن، ما قد يجعل مآلهم الشارع”، لذلك فقد عملت هذه التعديلات “على حل هذه المعضلة التي عانت منها بعض الأسر ردحاً من الزمن، أضف الى ذلك مسألة الهبة دون شرط الحيازة الذي سيفك شفرة أثقلت كاهل الأسر التي ليس لديها الولد”.

وفيما يخص مسألة شائكة تتمثل في زواج القاصرات، قالت مارية الشرقاوي إنه موضوع “غاية في الأهمية، وكان من بين المواضيع التي استحوذت على حيز كبير من النضال قصد الفصل نهائياً في تزويج القاصرات وجعل الزواج محدداً في ثماني عشرة سنة شمسية كاملة. لكن حسب رأيي، لم يرق التعديل الى سقف مطلبنا واحتفظ بالاستثناء، بحيث جاء في التعديل: يحدد سن الزواج في ثماني عشرة سنة ويمكن استثناء الزواج في سن السابعة عشرة”.

أما عن الطلاق، فقد أكدت الباحثة في قضايا النوع أن التقليص من أنواع الطلاق والتطليق “حقيقة، كان تعديلاً صائباً. واقع الحال وحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل، نجد التطليق للشقاق يتقدم جل أنواع التطليق الأخرى، وتسلكه شريحة واسعة من الأزواج والزوجات الراغبين في إنهاء العلاقة الزوجية، نظراً لبساطته، بحيث يعفي طالب التطليق للشقاق من تقديم المبررات وراء طلبه، كما أنه يتم إصدار الحكم بالتطليق للشقاق في مدة لا تتجاوز ستة أشهر، عكس الأنواع الأخرى، وأستثني هنا الطلاق الاتفاقي الذي لا يتجاوز إصدار الحكم حوله شهراً واحداً”. وأشارت الشرقاوي هنا “الى مسألة مهمة جاءت بها التعديلات، وهي تخويل مسطرة الصلح لمؤسسات الوساطة في قضايا الطلاق والتطليق باستثناء الطلاق الاتفاقي، وهذا مطلب ناضلنا كثيراً من أجله في ظل فشل محاكم قضاء الأسرة في مسطرة الصلح لأسباب عديدة، من أهمها تراكم الملفات على قاضي الصلح، ما يجعله لا يمنح حيزاً زمنياً كافياً للقيام بإصلاح ذات البين، وبالتالي فتكليف مؤسسات خارج قضاء محاكم الأسرة تقوم بدور الوساطة كان حلاً ناجعاً لإصلاح ذات البين”.

أما بخصوص مسألة التعدد في الزواج بالنسبة للرجل، فقالت مارية الشرقاوي إن “التعديل بخصوصه كان صريحاً ومحدداً، بالنسبة لحالتين تجيزان للزوج التعدد، وهما حالة عقم الزوجة وحالة مرضها وعدم قدرتها على المعاشرة الزوجية، لكن تمت إضافة جملة فتحت أمامي تساؤلات وتخوفاً من استغلالها بشكل سلبي، وهي (حالات أخرى يقدرها القاضي وفق معايير محددة)”.

وختمت المتحدثة حوارها مع “القدس العربي” جازمة بأنها لا يمكنها “الحكم الآن على مدى نجاعة هذه التعديلات من عدمها، فما توصلنا به الآن ليس سوى مشروع، وأمامه مسار آخر، بداية بالأمانة العامة للحكومة ووصولاً إلى قبة البرلمان الذي سيعمل على مناقشته وبعدها المصادقة، أضف إلى ذلك، تبقى آليات التنفيذ والتفعيل لدى محاكم قضاء الأسرة هي الفيصل، فالمشرع مهما اجتهد في وضع نص قانوني يؤطر من خلاله موضوعاً معيناً، لن تثبت نجاعته من عدمها إلا حين تفعيله على أرض الواقع”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس