المعارضة المغربية تطلق مبادرة لتقصي الحقائق ضد أخنوش

8
المعارضة المغربية تطلق مبادرة لتقصي الحقائق ضد أخنوش
المعارضة المغربية تطلق مبادرة لتقصي الحقائق ضد أخنوش

أفريقيا برس – المغرب. قررت أحزاب المعارضة في مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، إطلاق «مبادرة لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول الوقائع المتعلقة بمختلف أشكال الدعم الحكومي الموجه لاستيراد المواشي ولقطاع تربية المواشي بصفة عامة». وتأتي مبادرة كل من الفريق النيابي لـ»الحركة الشعبية» و»التقدم والاشتراكية» والمجموعة النيابية لـ»العدالة والتنمية» والتي انضم إليها الفريق النيابي لـ»الاتحاد الاشتراكي»، تتويجاً للجدل الساخن الذي ما يزال يحيط بتفاصيل وحيثيات الدعم الحكومي في قطاع المواشي، والذي كان موضوع تصريحات متناقضة حتى من داخل البيت الحكومي حول المبلغ الذي خصص لمستوردي الأغنام التي كانت موجهة لعيد الأضحى العام المنصرم وسعر البيع أيضاً.

واستندت فرق المعارضة، في بيان تلقت «القدس العربي» نسخة منه، في إطلاق لجنة التقصي هذه، على «ما أثير من جدل واسع في أوساط المجتمع بخصوص مختلف أشكال الدعم والإعفاءات التي تقدمها الحكومة منذ نهاية 2022 وإلى الآن لمستوردي المواشي، والمتمثلة أساساً في الإعفاء من الرسوم الجمركية وتحمل ميزانية الدولة للضريبة على القيمة المضافة عند استيراد المواشي، وكذا في شكل دعم مباشر بالنسبة لاستيراد الأغنام الموجهة للذبح في عيد الأضحى برسم سنتي 2023 و2024، وهو دعم وإعفاءات تقدر تكلفتها الإجمالية بملايير الدراهم».

وأبرزت المعارضة البرلمانية أن الجدل ينصب تحديداً حول حيثيات هذه القرارات الحكومية وجدواها، وحول مدى تحقق الأهداف والآثار المعلنة من ورائها، وكذا حول المبالغ الحقيقية والكاملة التي تكبدتها المالية العمومية من جرائها، وحول عدد وطبيعة المستوردين المستفيدين من هذه التدابير ومدى مراقبة الحكومة لمدى تقيدهم بالمعايير والشروط والغايات والتحملات ذات الصلة، وكذا بخصوص شفافية المعلومة والمساواة وتكافؤ الفرص، ارتباطاً بهذه الإجراءات.

ووفق بيان الفرق والمجموعة النيابية، فإنه على هذه الأسس، تأتي المبادرة من أجل الوصول إلى استجلاء الحقيقة كاملة، وتنويراً للرأي العام بخصوص هذه القضية، ومن أجل معرفة مدى تحقق النتائج المعلنة بشكل فعلي، والتأكد من أن توجيه هذا الدعم متعدد الأشكال يخدم المصلحة العامة وليس مصالح فئة محدودة.

وبعد أن ذكرت بأن إطلاق المبادرة يأتي طبقاً للدستور وللنظام الداخلي لمجلس النواب، وأنها تسعى من خلالها إلى أنْ يُشكل مجلس النواب لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول الوقائع المتعلقة بالدعم الحكومي لاستيراد المواشي منذ نهايات 2022 إلى الآن ولقطاع تربية المواشي بصفة عامة، أعربت مكونات المعارضة البرلمانية عن الإرادة الصادقة في أن تلتف جميع مكونات مجلس النواب، أغلبية ومعارضة، حول هذه المبادرة التي هدفها استجلاء الحقيقة الكاملة، والإسهام في مراقبة وتقييم السياسات العمومية، وتجويد القرار والتدبير العموميين، وتوفير الشروط لضمان الأثر الإيجابي للقرارات العمومية، واضطلاع نائبات ونواب الأمة بأدوارهم الرقابية، بشكل تام وناجع، تفعيلاً للمقتضيات الدستورية ذات الصلة.

امتحان نية الأغلبية البرلمانية

وعن التفاف جميع مكونات مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، حول هذه المبادرة، قال محمد أوزين، الأمين العام لحزب «الحركة الشعبية» (معارضة)، إنها فرصة لحزب «الاستقلال» المشارك في الحكومة «للتوقيع على عريضة اللجنة حتى يكون خطابه منسجماً مع مبادراته».

وفي هذا السياق، ذكر أوزين في تصريح لـ «القدس العربي»، بأنه «لا ننسى أن وزيرين من حزب الاستقلال أدانا وبشدة وعلانية وعبر وسائل إعلامية رسمية افتراس الوسطاء لجيوب المغاربة». وفي رأي المتحدث، فإن المبادرة تتيح «لهم فرصة للإفصاح عن نيتهم الصادقة، هل هي تصريحات تروم تصحيح الوضع، أم فقط فرقعات لدغدغة العواطف، والانسلال من المسؤولية».

وأشار القيادي المعارض إلى أنه «منذ 2010 لم يشهد البرلمان أي لجنة تقصي الحقائق، والواقع أنها آلية رقابية يتيحها الدستور». لذلك، يؤكد أوزين: «اليوم نحن كمعارضة أخذنا المبادرة، لامتحان نية الأغلبية البرلمانية، وهل هم نواب الأمة أم نواب الحكومة، هل يهمهم الشعب الذي صوت عليهم أم مصالح اللوبيات التي سيسعون لحمايتها؟».

وأوضح كريم تاج، عضو المكتب السياسي لحزب «التقدم والاشتراكية»، أن الدعم المخصص لمستوردي الماشية الذي انطلق منذ 2022 وتواصل إلى غاية 2024، سواء تعلق الأمر بالإعفاءات الجمركية أو تحمل الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، أو الدعم المباشر الموجه لاستيراد الأغنام المخصصة لعيد الأضحى، فقد كلف ميزانية الدولة مبالغ مالية جداً مهمة، واتضح فيما بعد أن هذه الإجراءات كلها لم يكن لها أي أثر مباشر ولم تحقق الغايات من ورائها، سواء تعلق الأمر باستمرار ارتفاع أسعار اللحوم أو ارتفاع أثمنة المواشي في عيد الأضحى.

وحسب القيادي في حزب «التقدم والاشتراكية» متحدثاً لـ»القدس العربي»، فإن هذا الأمر جرى في غياب الوضوح والشفافية، وبوجود تضارب كبير حتى بين المسؤولين داخل الحكومة، فيما يخص الأرقام الإجمالية لهذا الدعم، ومن استفاد منه؟ ومن هم هؤلاء المستوردون؟ والأهم من كل ذلك غياب أي تتبع ومراقبة لضمان انعكاس هذا الدعم المقدم من المال العام على الأسعار، وأن يحقق الهدف الذي من أجله تم اتخاذ هذه الإجراءات المتعلقة بالدعم العمومي الموجه إلى قطاعات مختلفة، وأن تضمن فعلاً أن ما يقدم من المال العام ينعكس على الأسعار في الأسواق ويوفر العرض المطلوب».

وفي رأي كريم تاج: «كل هذا لم يتحقق في هذه الحالة، لذلك فإن المبادرة التي أقدمت عليها الفرق والمجموعة النيابية للمعارضة في مجلس النواب لا يجب أن يعارضها أي نائب من نواب الأمة، سواء في الأغلبية أو المعارضة، لأن الأمر يتعلق بتفعيل مقتضى دستوري يسمح لنواب الأمة بتشكيل هذه اللجنة من أجل تقصي الحقائق وتوفرها على المعطيات الكاملة التي تنور الرأي العام وتقدم المعلومات بالشفافية المطلوبة للمواطنين».

وزاد المتحدث موضحاً أن ذلك ضروري «خصوصاً أننا تابعنا تصريحات مضادة ومتعارضة حتى من داخل الأغلبية الحكومية»، لذلك يشدد كريم تاج على أن «المصلحة الوطنية تقتضي أن يتم التجاوب بالإيجاب مع هذه المبادرة التي تخدم الصالح العام في نهاية المطاف»، وعبّر عن أمله في أن تذهب إلى نهايتها ويتم التعامل معها بجدية، وأن تقوم الحكومة بتقديم ما تتوفر عليه من معطيات بخصوص هذا الموضوع، و»إلا سنظل دائماً أمام حكومة غارقة في تضارب المصالح ومغيبة تماماً للشفافية في تدبير الشأن العام».

واستطرد المتحدث قائلاً إن هذه المبادرة «ما هي إلا واحدة من مبادرات أخرى التي سيتم العمل عليها وإطلاقها حتى تكف هذه الحكومة عن الهجوم على جيوب المواطنين وقدرتهم الشرائية ويتم إعادة الأمور إلى نصابها».

وتمنى الأكاديمي عبد الله أبو عوض، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة عبد المالك السعدي في مدينة تطوان، أن تكون مبادرة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق من قبل المعارضة حول موضوع دعم مستوردي الأغنام، «جادة على مستوى تفعيلها من حيث البحث عن المعلومات والتأكد من الحقائق المرتبطة بالموضوع، وألا تكون مزايدة سياسية، أو أن تجد حقائق ويتم ركنها في رفوف البرلمان».

«الفرقشية».. تهكم سياسي

وتابع أبو عوض موضحاً في حديثه لـ «القدس العربي»، أن «هذا الموضوع أثار بشكل كبير الرأي العام المغربي، بل كان سبباً في توليد مصطلح في التهكم السياسي تحت مسمى (الفراقشية) (تعني بالدارجة لصوص الماشية) ما يعني أنه وصمة في مسار العمل السياسي المغربي في ظل رئيس حكومة هو بالأساس المعني بنتائج المخطط الأخضر».

ونبّه إلى أنه لا يجب أن «ننسى أنه إن ثبت ما يروج في الأوساط العامة بخصوص هذا الريع، فسيكون من مهددات الأمن والاستقرار الاجتماعي، يخوض حربه مجموعة من المرتزقة تحت رعاية سياسية، ووجب التعامل معه بحزم، وإن كان مزايدات سياسية فينبغي محاسبة كل من استخدم هذه الورقة، للتلاعب على الرأي العام».

وكان نزار بركة، الأمين العام لحزب «الاستقلال» والحليف الثالث في الائتلاف الحكومي، قد بدأ الجدل حين أكد أن بعض المستوردين استغلوا الدعم لتحقيق أرباح مضاعفة، عوض توفير الأضاحي بأسعار معقولة، مشيراً إلى أن الأغنام المستوردة بسعر 2000 درهم مغربي (حوالي 200 دولار) للرأس جرى بيعها بأكثر من 4000 درهم (400 دولار)، وهو أمر «غير أخلاقي وغير مقبول»، في رأي وزير التجهيز والماء. وتصاعدت حدة التناقضات عندما نفى رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، وهو قيادي في حزب رئيس الحكومة «التجمع الوطني للأحرار»، تلك الاتهامات خلال لقاء إعلامي، بقوله إن «الحكومة كانت تستهدف بيع الخراف بسعر يتراوح بين 4000 و4500 درهم» (ما بين 400 و450 دولاراً)، وهو الهدف الذي تم تحقيقه، مبرزاً أن الدعم الذي قدمته الحكومة لم يكن مفتوحاً، بل شمل 100 مستورد فقط، بمبلغ إجمالي قدره 300 مليون درهم (حوالي 30 مليون دولار).

الغضب الشعبي الذي فجرته هذه التصريحات المتضاربة والمتناقضة لقياديين في أحزاب التحالف الحكومي، حاولت وزارة الفلاحة التخفيف منها ببيان كشفت من خلاله عن التكلفة الحقيقية لدعم مستوردي الأغنام، سواء تلك الموجهة للذبح في عيد الأضحى العام الماضي، أو تلك المخصصة لسد الخصاص في اللحوم الحمراء وعودة أسعارها إلى الانخفاض بعد أن ارتفعت بشكل غير مسبوق.

ورغم ذلك، ما زال الرأي العام يخوض في الموضوع وجرى تداول مصطلح «الفراقشية» (لصوص الماشية بالدارجة المغربية)، الذي اعتبر وصمة في حق مستوردي الأغنام، كما وجهت انتقادات حادة ولاذعة للحكومة، إذ جرى اتهامها بتقديم تسهيلات مالية وضريبية للمستوردين، دون أن ينعكس ذلك على أسعار السوق والقدرة الشرائية للمواطنين. ويبقى السؤال المطروح من طرف المعارضة بعد إطلاقها لهذه المبادرة المتعلقة بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، هل ستوقع عليها أحزاب الأغلبية الحكومية من خلال فرقها النيابية، خاصة أن الفصل 67 من الدستور والقانون التنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق، يقضي بأن لجان تقصي الحقائق تمثل هيكلاً مؤقتاً للجان النيابية في مجلس النواب، ويجوز أن تشكل بمبادرة من الملك، أو بطلب من أغلبية أعضاء مجلس النواب.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس