أفريقيا برس – المغرب. بدأت الساحة السياسية المغربية تشهد بوادر صراع بين الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف الحكومي: التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال. وعلى الرغم من محاولات قيادات هذه الأحزاب الحفاظ على وحدة الصف والترويج لصورة منسجمة للعمل الحكومي، فإن تصريحاتهم الأخيرة وبياناتهم تكشف عن خلافات متصاعدة. هذا الصراع الخفي يبدو مدفوعًا بتطلعات انتخابية مبكرة، حيث تتجه الأنظار نحو انتخابات 2026 التي قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية في البلاد. وهو ما دفع بعض أحزاب المعارضة إلى التحذير من تداعيات الانخراط في «التدافع الانتخابي» على قضايا «الوطن والمواطن.
خلال لقاء حزبي في مدينة العرائش (شمال البلاد)، صرح نزار بركة، الأمين العام لحزب «الاستقلال»، قائلاً: «الالتزام داخل التحالف الحكومي لا يعفينا من الاصطفاف مع المواطنين والترافع عن قضاياهم، ومهمتنا كحزب وطني أن نكون صوت الشعب في هذه الحكومة». هذا التصريح جاء في سياق إعلان بركة عن طموح حزبه لتصدر الانتخابات المقبلة، وهي خطوة اعتبرها البعض رسالة ضمنية لشركائه في الحكومة، مفادها أن حزب «الاستقلال» لا يكتفي بدوره الحالي، بل يطمح للعودة إلى قيادة المشهد السياسي. اختيار مدينة العرائش للإعلان عن هذا الطموح يحمل دلالات رمزية مهمة، إذ إنها الدائرة الانتخابية التي ترشح فيها بركة وفاز بمقعدها البرلماني في انتخابات 2021.
ولم يتأخر حزب «الأصالة والمعاصرة»، بدوره، في التعبير عن تطلعاتها السياسية، فقد صرح محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل وعضو القيادة الجماعية للحزب، قائلاً: «لدينا رؤية واضحة لمستقبل المغرب، وحزبنا مؤهل لقيادة الحكومة المقبلة. تحالفنا الحالي يظل خيارًا استراتيجيًا، لكنه لا يمنعنا من التفكير في تعزيز مكانتنا السياسية». كما أن زميلته في الحزب، فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، لم تخفِ أيضًا تطلعات حزبها عندما قالت: «نحن نعمل على مشاريع كبرى ستغير وجه التنمية في المغرب، وأهدافنا تتجاوز المرحلة الحالية إلى رؤية أوسع للمستقبل السياسي».
لكن بنسعيد، القيادي في الحزب نفسه، كشف عن بعض النقط الخلافية مع حليفه «التجمع الوطني للأحرار»، منها تصريحات محمد أوجار المنتمي إلى حزب رئيس الحكومة وعضو مكتبه التنفيذي، حين انتقد سياسة التعمير التي ترأس قطاعها الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري عن «الأصالة والمعاصرة»، والأمر نفسه بالنسبة لسياسة التشغيل (التوظيف) وهي حقيبة وزارية يتحمل مسؤوليتها يونس السكوري، المنتمي لحزب أخنوش نفسه. المثير أكثر أن محمد أوجار أطلق تعهداً بانضمام حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» إلى التشكيلة الحكومية لما بعد انتخابات 2026. من جهته، لا يخفي عزيز أخنوش رئيس حزب «التجمع الوطني للأحرار» في خطبه وتصريحاته ثقته الكبيرة في تصدر الانتخابات المقبلة مرة أخرى، وبالتالي ولاية ثانية متتالية لحزبه على رأس التحالف المقبل.
وتصاعد هذه الخلافات دفع حزب «الأصالة والمعاصرة» إلى إصدار بيان حذر فيه من غياب التنسيق بين مكونات الحكومة، مشددًا على «أهمية الالتزام بالمسؤولية الجماعية في اتخاذ القرارات».
انتقاد التدافع الانتخابي المبكر
و لم يتردد حزب «التقدم والاشتراكية» المعارض في انتقاد «التدافع الانتخابي المبكر» بين مكونات الحكومة. وفي بيان صادر عن مكتبه السياسي، لاحظ أن
«الأغلبية بدأت في التحضير للانتخابات المقبلة عوض التركيز على الاستجابة الفعلية لانتظارات المواطنين». وأضاف: «هناك مؤشرات على اندلاع تطاحن داخلي حول من سيتصدر نتائج الانتخابات المقبلة، وهو أمر يثير القلق بشأن مستقبل القضايا الوطنية».
ويبرز هذا البيان المخاوف من أن تؤدي الخلافات داخل التحالف الحكومي إلى تعطيل العمل الحكومي وإهمال القضايا الملحة التي تؤرق المواطنين، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، والبطالة، وتدهور الخدمات الاجتماعية.
ويتصاعد التوتر داخل التحالف الحكومي حول عدد من الملفات الحساسة، أبرزها: إصلاح صندوق المقاصة، فحزب «التجمع الوطني للأحرار» الذي يرأس الحكومة عبر عزيز أخنوش، يدفع نحو تسريع تنفيذ إصلاحات صندوق المقاصة، معتبرًا أن هذا الإصلاح ضرورة لتحديث الاقتصاد. في المقابل، يشدد حزب الاستقلال على ضرورة مراعاة التوازنات الاجتماعية، محذرًا من التداعيات المحتملة لأي قرارات غير مدروسة. وعلى مستوى التنمية الجهوية، تظهر تناقضات واضحة في الأولويات، إذ يسعى كل حزب لتقديم نفسه كفاعل رئيسي في هذا الملف، ما انعكس على توزيع الموارد المخصصة للمشاريع الجهوية.
ويرى بعض المراقبين أن مسألة التطاحن التي أشار إليها حزب «التقدم والاشتراكية» في بيانه، تبدو جلية من خلال تصريحات لقادة الأغلبية، والحرص على تأكيد تصدر الانتخابات ورئاسة الحكومة، وهو ما يفيد بوجود صراع قوي خلف الصورة الوردية التي تلتقط للزعماء عقب كل لقاء مشترك، وعكس لغة التحالف والتكاثف التي تحبل بها البيانات الصادرة عنهم.
غير أنه ليس كل المحللين يميلون إلى اعتبار المسألة سلبية، فقد أكد عبد الله أبو عوض، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة عبد المالك السعدي في تطوان (شمال البلاد)، أن «التدافع الانتخابي أو مؤشرات بداية التنافس الانتخابي، هو من المسلمات في العملية السياسية كلما بدأ العد التنازلي للانتخابات التشريعية خاصة المعنية بتدبير الشأن الحكومي، وخاصة بين أحزاب الأغلبية».
ويوضح في تصريح لـ «القدس العربي»، أنه «ليس تنافساً ولا تدافعاً، بل محاولة لفتح النقاش العمومي والنخبوي خاصة حول العملية السياسية، لأن ميثاق الأغلبية يفرض أخلاقيات لا يمكن تجاوزها، وما ستعرفه الساحة السياسية بين الأغلبية يرتكز على مبدأين أساسيين، الأول في تنظيم وسد ثغرات البيت الداخلي للحزب بين المناضلين، والثاني المساهمة في فتح الاستقطاب السياسي المنظم والمتوافق مع البرنامج السياسي والانتخابي لكل حزب».
ويقول الأكاديمي المغربي: «يبقى أي مستوى ترقى به العملية السياسية بين أحزاب الأغلبية أو أحزاب المعارضة، هو نشر التوعية بالمشاركة السياسية داخل الشأن العام». أما عن انتقاد المعارضة لتوظيف بعض البرامج الاجتماعية من طرف الحكومة في حملتها الانتخابية السابقة لأوانها من أجل استمالة أصوات الناخبين، قال حزب «التقدم والاشتراكية» في بيانه، كما أفاد أبو عوض، بأنه «الشيء الوحيد للمعارضة الذي يمكنها استثماره في المرحلة الراهنة والقادمة؛ لأن المعارضة بدل من أن يكون دورها تقويم مسار العمل الحكومي بالنقد البناء وبيان التحديات المطروحة وتوجيه الحكومة للعمل عليها، نراها تعتمد البحث عن مكامن الخلل في تطبيق البرنامج الحكومي والترويج له. وبلغة أخرى، ينبغي أن تحيا وظيفة المعارضة بما يتوافق وتطلعات الشعب المغربي».
في حين يؤكد عبد الحكيم قرمان، المنسق الوطني للهيئة التأسيسية لحزب «البديل الاجتماعي الديمقراطي المغربي»، أن «هذا التدافع الذي يتخذ أشكالاً متعددة من التصريحات الإعلامية إلى إطلاق مبادرات يُشتبه في كونها ذات طابع انتخابي، يثير تساؤلات حول تداعيات هذا السباق السياسي المبكر على الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومدى التزام الأحزاب بضوابط العمل المؤسسي وأخلاقيات الممارسة السياسية».
وحسب قرمان متحدثاً لـ «القدس العربي»، فإن «التدافع الانتخابي المبكر وسط الأغلبية الحكومية ليس مجرد ظاهرة سياسية عابرة، بل هو مؤشر على أزمة أعمق في الثقافة السياسية والعمل الحزبي بالمغرب»، مبرزاً أن «استمرار هذه السلوكيات يُهدد بتفاقم العزوف الشعبي عن السياسة»، وبالتالي فإن المواطن «يراقب هذه السلوكيات السياسية غير السوية بعين النقد».
عزوف الشباب عن السياسة
وتطرق المتحدث إلى «عزوف الشباب عن السياسة»، موضحاً أن الملاحظة تسري على مختلف الفئات وخاصة المهمشة. وأضاف أن «سلوكيات التدافع الانتخابي المبكر ترسّخ قناعة بعدم جدوى السياسة والسياسيين، كما أن استمرارها «يهدد بنزع المصداقية عن العملية الديمقراطية برمتها، حيث ينظر إلى السياسة على أنها ميدان للريع والمحسوبية وليس منصة لخدمة الوطن والمواطنين».
وأشار إلى أن «التدافع الانتخابي المبكر مرآة للتناقضات الداخلية وصراع المصالح في صفوف الأغلبية الحكومية»، لذلك فإنه «ليس مجرد تنافس سياسي، بل هو مؤشر على عمق الخلافات الداخلية وضعف الالتزام بمبادئ العمل التحالفي».
وأعرب عن اعتقاده بأنه «إذا استمرت هذه الظاهرة دون معالجة، فإنها قد تؤدي إلى تصدعات تهدد استقرار الحكومة، وتفاقم أزمة الثقة في السياسة والسياسيين»، في رأيه، «يبقى الحل في العودة إلى الالتزام بالمسؤولية الجماعية وتوحيد الجهود لخدمة مصالح الوطن والمواطنين».
ووصف محاولة الحكومة تحسين الأوضاع الاجتماعية بـ «الفشل»، وهو ما يعرضها لـ «انتقادات شديدة»، بسبب «استمرار ارتفاع معدلات البطالة، وغلاء المعيشة وتدهور الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم». ومن وجهة نظر المتحدث، فإن «هذه الإخفاقات (كما وصفها) تزيد من الضغوط على الأحزاب المكونة للتحالف، وتدفعها للدخول في سباق انتخابي مبكر لتجنب تحمل مسؤولية الفشل».
وشدد قرمان في حديثه لـ «القدس العربي» على أن «التدافع السياسي الذي نشهده حالياً قد يكون ظاهرة ظرفية، لكنه يكشف عن أزمة هيكلية تعاني منها المنظومة السياسية والحزبية في المغرب»، ويوضح أن «هذه الأزمة تهدد بتعميق فجوة الثقة بين المواطن والمؤسسات، ما يستدعي تحركاً عاجلاً لإصلاح العمل السياسي وتأطيره ضمن رؤية تعيد للمشهد السياسي مصداقيته وفعاليته»، خالصاً إلى القول إنه «من خلال إصلاح شامل وعقلاني فقط، يمكن تجاوز هذه المعضلة وإعادة بناء الثقة في السياسة كأداة للتغيير الإيجابي».
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس