أفريقيا برس – المغرب. في الموازاة مع استعداد حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المعارض في المغرب لعقد مؤتمره الوطني أيام 28 و29 و30 كانون الثاني/ يناير، التقت “القدس العربي” جواد شفيق، أحد قيادييه البارزين وعضو مكتبه السياسي، وأجرت معه الحوار التالي:
■ بأي صيغة تطمحون إلى أن يفرز المؤتمر المقبل لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية “اتحاداً جديداً”؟
نحن لا نطمح إلى أن يفرز المؤتمر “اتحاداً جديداً”، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سيظل هو هو، على مستوى مرجعية ومبادئ التأسيس، وسيظل حزباً وطنياً، تحررياً، اشتراكياً ديمقراطياً، يهدف إلى إرساء دعائم نظام سياسي، ديمقراطي، عادل، منفتح على العصر، كما يهدف إلى قيام دولة ومؤسسات قوية وعادلة ومجتمع متضامن.
مبادئ ومرجعية التأسيس هذه لن ننزاح عنها أبداً، وإلا لن نصير الاتحاد الاشتراكي الذي عرفه الشعب المغربي وتعلّق به واحترمه، حتى إنه صار مكوناً أساسياً من الذاكرة السياسية الوطنية منذ تأسيسه سنة 1959.
■ حسناً، وما هي الرهانات المنتظرة من هذه المحطة التنظيمية؟
ما هو مطروح على المؤتمر الوطني الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هو فهم تحولات المجتمع والدولة المغربيين، سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً، ديمغرافياً، اقتصادياً، قيمياً، وكذلك تكييف الخط السياسي والمشروع التنظيمي للحزب مع هذه التحولات حتى يستمر الحزب فاعلاً وجذاباً ومؤثراً.
لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسور خلال الستين سنة من عمر الاتحاد الاشتراكي، وقعت فيها تحولات كبرى، على مستوى قطرنا الوطني، كما على المستوى الكوني. ولعل أكبر التحولات الكونية التي تُسائل كل فاعل، بعد انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، هي هذه العولمة المفترسة ومتسارعة الوتيرة، وهذه الثورة الإعلامية والتكنولوجية والإلكترونية المتصاعدة، وهذه الديناميات الاجتماعية المتزايدة.
وإذا أضفنا إلى هذه التحولات الكونية تحولاتنا الداخلية (يكفي أن نشير هنا إلى أنه لأول مرة في تاريخ المغرب أصبحت الغلبة الديموغرافية حضرية بعدما ظلت قروية لعدة قرون، كما أصبحت الغلبة السكانية نسائية بعدما ظلت ذكورية…) إذا أخذنا في الاعتبار هذه التحولات وغيرها كثير، فلا شك أن الاتحاد الاشتراكي، كحزب عصري اشتراكي ديمقراطي مديني، كان دائماً سابقاً على زمانه. ومن ثم، فهو مطالب بأن يحيّن ويجدد ويصقل وينقح مشروعه المجتمعي وخطه السياسي ونموذجه التنظيمي، حتى يظل كما كان حزب الحاضر والمستقبل، دون أدنى تنكر للماضي.
■ وهل في الإمكان أن تسهم المحطة المقبلة في توحيد كل الاتحاديين وتذويب الخلافات بينهم؟
لقد اشتغلت القيادة الحالية دون أدنى هوادة على تحقيق هذه الغاية النبيلة، أي فسح المجال لعودة كل المناضلين والمناضلات إلى حضن حزبهم.
وقبل أن يطلق الأخ الكاتب الأول (الأمين العام) نداء المصالحة والانفتاح، يجدر بنا التذكير بأنه قد وقع قبل ذلك حدث عظيم في التاريخ الاتحادي، يتجلى في قرار حزبين يساريين بحل أنفسهما والاندماج الكلي داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهما الحزب الاشتراكي الذي كان يقوده الدكتور عبد المجيد بوزوبع رحمه الله، والحزب العمالي الذي كان يتزعمه الأخ عبد الكريم بنعتيق.
بماذا يمكن توصيف هذا الحدث التاريخي الذي سعت وراءه القيادة الحالية للاتحاد؟ أليست رغبة وإرادة صادقة في تجميع الشتات الاتحادي، بل واليساري كله؟ هل هناك سابقة مثيلة غير هذه وتلك الأخرى التي كان الاتحاد الاشتراكي نفسه مسرحاً لها، عندما حل الحزب الاشتراكي الديمقراطي نفسه واندمج هو أيضاً في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟
إن التوحيد والتجميع ورأب التصدعات ليست شعارات بالنسبة لقيادة الاتحاد الاشتراكي، بل هي أفعال ومبادرات. ولا بد هنا من التذكير بالندوة الوطنية الكبرى التي سبق للاتحاد الاشتراكي أن نظمها حول “أي أفق لليسار المغربي؟” وحضرها كل زعماء الأحزاب اليسارية المغربية باستثناء ة نبيلة منيب التي وافقت على المشاركة، ووضعنا صورتها وصفتها على ملصق الندوة، وفي صباح الندوة حضر الجميع، من النهج الديمقراطي إلى التقدم والاشتراكية، باستثناء الأستاذة منيب التي لم تعتذر، بل وأغلقت هاتفها. ومع ذلك، فقد عرفت الندوة حضوراً ونقاشاً وإشعاعاً كبيراً.
بعد ذلك، وعلى المستوى الداخلي، وبمناسبة تخليد الذكرى الستين لميلاد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أطلق الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر نداء المصالحة والانفتاح، لتعقب ذلك زيارات إلى كل القيادات التاريخية للحزب، وتوجيه دعوات لكل من سبق له أن تحمل مسؤولية تنظيمية أو تمثيلية… وكانت الاحتفالية الكبرى في مسرح محمد الخامس الذي حج إليه مئات الاتحاديين من كل أجيال المناضلين ومن كل ربوع الوطن، تعبيراً عن تجاوبهم التلقائي مع إرادة المصالحة والانفتاح، وتعبيراً منهم عن أن الاتحاد الاشتراكي هو الرسالة وليس الأشخاص.
طبعاً هناك من لم يحضر، بل وهناك من شكك حتى في نوايا المبادرة، ولكن الاحتفالية كانت باذخة، وقد أعطت ثماراً طيبة جداً، انعكست إيجاباً على أجواء التحضير لانتخابات 8 سبتمبر 2021 التي حسّن فيها الحزب موقعه وأرقامه بشكل معتبر. بطبيعة الحال، لا بد من التنصيص هنا على أن “المصالحة والانفتاح” هو فعل دائم بالنسبة للاتحاد، سواء في مؤتمره هذا أو فيما بعده، على أن قطار الاتحاد الاشتراكي لا يمكنه نهائياً أن يتوقف عن مسيره نحو المستقبل، حتى يركبه هذا أو تلك.
■ أثار ترشح إدريس لشكر لولاية ثالثة على رأس الحزب الكثير من الجدل، لا سيما بعد مصادقة المجلس الوطني على التعديلات المطروحة في هذا الصدد. كيف تنظرون إلى المسألة؟ وما تقييمكم للتنافس الانتخابي بين عدة مرشحين على الكتابة الأولى؟
الأستاذ إدريس لشكر لم يترشح بعد، لأنه يحترم قوانين الحزب التي لا تسمح له بالترشح إلى حين نظر المؤتمر في قبول أو رفض تعديل مواد القانون الأساسي بما يتيح له حق الترشح أو يمنعه من ذلك.
والحقيقة أن موضوع ترشح الكاتب الأول الحالي للحزب للتنافس مع باقي المرشحين على قيادة الحزب هو موضوع سياسي وليس إجرائياً، ويشكل الآن مطلباً شبه جماعي لمختلف التنظيمات والمؤسسات والفعاليات الاتحادية، لاعتبارات شتى، لعل أهمها أن إدريس لشكر هو من قاد الحزب نحو فوزه الانتخابي، بعدما تنبأ كثيرون بأن الاتحاد سيموت على يديه، وهو من أطلق وقاد مبادرة الانفتاح والمصالحة التي أعطت نتائجها الطيبة، وهو الرجل الذي طيلة عشر سنوات وهو متفرغ بشكل كلي ويومي للحزب، يتابع ويرعى كل تفاصيله وتنظيماته وقطاعاته… أضف إلى ذلك أن منافسيه، في حال ترشحه، تعوزهم هذه الخصائص، ومنهم من انقطع عن الحياة الحزبية لسنوات.
ومع ذلك، فقد حرص هو شخصياً ومعه قيادة الحزب على ضمان كل شروط التعدد والتنافس الشفاف، وأملنا كبير في أن يحترم جميع من سيتنافس رأي وصوت واختيار الاتحاديين ومؤتمرهم.
■ التحالفات التي تلت الانتخابات الأخيرة قادت الاتحاد الاشتراكي إلى المعارضة، فهل وجود الحزب في هذا الموقع يمكن أن يشكل قيمة مضافة له وللحياة السياسية المغربية ككل؟
تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو تاريخ المعارضة الاتحادية الوطنية الديمقراطية المسؤولة، المؤسساتية والمجتمعية.
وكما خبرنا المعارضة في الزمن السياسي المغربي الصعب، يوم لم يكن أحد يجرؤ قول أنا معارض، فها نحن نمارسها بأريحية في زمننا السياسي الرخو هذا، وقد اخترنا ذلك طواعية، وليس لأن آخرين تحالفوا وفرضوا علينا ذلك.
إن ماهية وهوية وغاية الاتحاد الاشتراكي منذ تأسيسه هي خدمة الوطن والمواطنين أياً كان الموقع. لقد ظللنا كذلك حتى لما كانت المخافر والمعتقلات السرية والعلنية مليئة بمناضلينا، وهو ما شكل رصيدنا ورأسمالنا الرمزي الذي منحنا وسام الشرف النضالي، وجعلنا في أي موقع كنّا قيمة مضافة حقيقية لبلادنا وتطورها السياسي والمؤسساتي والحقوقي والديمقراطي والثقافي.
واليوم، لا شك في أن موقعنا في المعارضة سيربط ماضينا بحاضرنا، ولو أن كل السياقات قد تغيرت كلياً، فلا مغرب اليوم هو مغرب ال، ولا دولة اليوم هي دولة ال (وقد طرحنا في مشروع المقرر السياسي فكرة محورية الدولة بما هي تكثيف عميق وبليغ على تغير السياقات)، ولا مجتمع اليوم هو مجتمع ال.
ولذلك، تبدو لي معارضة اليوم سهلة نوعاً ما، لأنها بدرجة أولى معارضة مؤسساتية، ومعارضة لاختيارات حكومية وليست لاختيارات استراتيجية للدولة، لأننا نجد أنفسنا فيها كلياً، ولأنها معارضة لكائنات حكومية (في مكونيها الأساسيين) لا هي بالحزبية ولا بالسياسية، كائنات اعتدت على الديمقراطية بتغولها البشع وبأرقامها الانتخابية التي وُظفت فيها أموال خيالية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب اليوم عبر موقع أفريقيا برس