كأس الأمم الأفريقية 2022: عودة على أبرز المحطات الرياضية والتنظيمية بين إخفاقات متكررة ومأساة منسية

11
كأس الأمم الأفريقية 2022: عودة على أبرز المحطات الرياضية والتنظيمية بين إخفاقات متكررة ومأساة منسية
كأس الأمم الأفريقية 2022: عودة على أبرز المحطات الرياضية والتنظيمية بين إخفاقات متكررة ومأساة منسية

أفريقيا برس – الصحراء الغربية. يُسدل الستار على النسخة الثالثة والثلاثين من كأس الأمم الأفريقية المقامة بالكاميرون منذ 9 كانون الثاني/يناير، الأحد بمباراة الدور النهائي بين منتخب السنغال ومصر بملعب “أوليمبي” في العاصمة ياوندي. وعانت هذه البطولة الأمرين بسبب محاولات الفيفا إرجاءها، قبل أن يؤكد الأفارقة إقامتها بالموعد المحدد لتجري على وقع إخفاقات تنظيمية متكررة ومأساة إنسانية وصفتها السلطات بأنها مجرد “حادثة”. فهل من نهاية سعيدة للبطولة القارية؟

“إن المستحيل ليس كاميرونيا”. ينتشر هذا الشعار في مختلف أرجاء الكاميرون، البلد المضيف لكأس الأمم الأفريقية 2022 لكرة القدم التي تشارف على طي آخر صفحاتها مع النهائي المرتقب بين منتخبي مصر والسنغال الأحد في ياوندي. ينتشر وينتقل على ألسنة الناس للتأكيد والتشديد على أمرين مختلفين لكنهما متصلان، الأول يتعلق بصمود السلطات السياسية والهيئات الرياضية المحلية أمام المحاولات الخارجية لإرجاء البطولة القارية والثاني بقدرة منتخب “الأسود غير المروضة” على إحراز اللقب أمام جمهوره.

تحقق الأمر الأول بعد أن فرضت الكاميرون و”الكاف”، الاتحاد الأفريقي للعبة، إقامة النسخة الثالثة والثلاثين في موعدها رغم تدخل الفيفا الصارخ في شؤون المنظومة القارية، لكن تعذر الثاني إثر خروج زملاء فانسان أبوبكر على يد “الفراعنة” في نصف النهائي.

نجاح “دبلوماسي” وإخفاق رياضي

وبين النجاح “الدبلوماسي” (للكاميرون والقارة الأفريقية) والإخفاق الرياضي (لـ “الأسود غير المروضة”)، شهدت كأس الأمم الأفريقية 2022 أحداثا عديدة ومحطات متنوعة بعضها غريبة عجيبة أو مضحكة، وبعضها الآخر درامية مأساوية. فالملاعب غير جاهزة تماما لاستضافة المباريات والجماهير، والفوضى كبيرة في نظام فحوصات الكشف عن الإصابة بفيروس كورونا.

وحكم يعلن عن نهاية مباراة قبل أوانها، ومنتخب ينتقد أرضية ملعب غير صالحة للمنافسة، وفريق يخوض مباراة إقصائية من دون حارس مرمى أساسي.. ومواجهات في ربع ونصف النهائي مقررة في دوالا قبل نقلها إلى ياوندي، وتصريحات حربية لـ “صاحب السعادة” المشرف على تنظيم المنافسة.. ومأساة بشرية أضحت مجرد “حادثة”، ثم تقديم موعد تحديد المركز الثالث من الأحد إلى السبت، وإشاعات عن تقديم ساعة المباراة النهاية من الثامنة إلى الخامسة..

لكن الدورة الثالثة والثلاثين هي أيضا حفل افتتاح بهيج مزين بألوان الكاميرون وأفريقيا. وفيها امرأة تدير مباراة في كأس الأمم القارية للرجال للمرة الأولى في تاريخ البطولة، وبلاد تعيش “دورتها” القارية وكأنها كأس العام، كما قال الأسطورة روجيه ميلا لفرانس24.

رحلة الشتاء والصيف

واضح أن الكاميرونيين فخورون باستضافة بلدهم القارة الأفريقية حول أسمى منافساتها، إذ ترى الشوارع كلها مزينة بألوان الوطن الأخضر والأحمر والأصفر، وكل حديث تقريبا يدور حول الحدث الرياضي البارز، والملصقات المنتشرة في المدن دائما تذكر الزائر بأن ثمة مناسبة استثنائية في البلاد، وما من موقع إلا وصور الملاعب المزينة للجدران تلمع وتشيد بـ “إنجازات” الرئيس بول بيا، وما من مضيف إلا وذكر مضيفه بكرم أهل الكاميرون ومكارم أخلاقهم.

بدأت قصة الدورة الثالثة والثلاثين رسميا في 15 كانون الثاني/يناير 2021 بإعلان الاتحاد الكاميروني للعبة إقامتها في الشتاء بدلا من الصيف بسبب “الظروف المناخية غير المناسبة”، بعد أن تأجلت عاما كاملا بسبب ظهور فيروس كورونا في نهاية 2019. واستمرت بانتشار إشاعات عن إرجائها مرة ثانية وربما نقلها لمكان آخر، إلى أن وقف “الكاف” جازما على تنظيمها بالكاميرون من 9 كانون الثاني/يناير لغاية 6 فبراير/شباط من العام الجاري.

تساءل كثيرون عن جهوزية الكاميرون للتنظيم نظرا لتأخر أعمال تشييد بعض المنشآت وترميم بعضها الأخرى، علما أن الكاميرون كانت ستستضيف نسخة العام 2019 قبل نقلها إلى مصر على خلفية مخاوف أمنية وتأخر في إنجاز أعمال بناء الملاعب وتجهيزات البنى التحتية.

ولأن “المستحيل ليس كاميرونيا”، تراصت الصفوف وتظافرت الجهود وسارت الأشغال، فانطلقت المنافسة في 9 كانون الثاني/يناير بحفل افتتاح بهيج وكلمة ترحيب من الرئيس بول بيا الذي يرأس البلاد منذ نحو أربعين عاما. وقال رئيس الاتحاد الأفريقي الجديد باتريس موتسيبي لصديقه الإيطالي-السويسري جياني إنفانتينو زعيم الفيفا إن مشروعه إقامة بطولة “كان” كل أربعة أعوام ليس على الطاولة، ويعني الأفارقة دون غيرهم.

أمعقول أن تجري المنافسة في غياب صلاح ومحرز وماني أو حكيمي والخزري؟!

وقال الأفارقة لرابطة الأندية الأوروبية، لاسيما الإنكليزية منها -والتي هددت في رسالة موجهة إلى الفيفا بعدم تسريح لاعبيها من أجل المشاركة في المسابقة بسبب البروتوكولات المتعلقة بفيروس كورونا- إن البطولة ستجري بمشاركة نجوم القارة، أمعقول أن تجري في غياب محمد صلاح وساديو ماني ورياض محرز أو أشرف حكيمي ووهبي الخزري؟!

وفيما أصر هؤلاء “الزعماء” على خوض المنافسة لأجل الدفاع عن الألوان الوطنية، تحدثت الرابطة بعد تفشي متحور أوميكرون عن خطر غياب اللاعبين الدوليين عن فرقهم لفترة أطول مما كان متوقعا سابقا، نتيجة لـ “الحجر الصحي وقيود السفر”.

هذه هي الظروف المتشابكة التي سبقت انطلاق العرس الأفريقي بياوندي في التاسع من كانون الثاني/يناير وسط سماء صافية وشمس ساطعة. فتزينت القارة السمراء بأحسن ثوبها، واجتمعت الأسرة بمختلف أطرافها، ودعت إليها خيرة ضيوفها، فقدمت للعالم أفضل معالمها وأبرز عروضها، واجتمعت الحشود بأجمل ملاعبها، فتنوعت التظاهرات على أرضية “أوليمبي” وتناوبت المجموعات الثقافية والفرق البهلوانية لتضيء شمعة الأمل والتنافس والتصافح إيذانا ببداية النسخة الثالثة والثلاثين من كأس الأمم التي عادت للكاميرون 50 عاما بعد أول نسخة أقيمت على أرضها. واكتملت فرحة الجمهور المحلي بعد فوز “الأسود غير المروضة” بمباراة الافتتاح على بوركينا فاسو.

بوركينا فاسو تشكك في اختبارات الكشف عن فيروس كورونا

كان الاحتفال كبيرا بالنسبة للجنة المنظمة، إلا أن جدلا مرتبطا مباشرة بالمنافسة برز عشية المواجهة بين زملاء توكو إيكامبي و”الخيول” بعدما شككت بعثة بوركينا فاسو في حقيقة اختبارات الكشف عن فيروس كورونا التي خضع لها لاعبوها، والتي أظهرت إصابة ما لا يقل عن “أربعة إلى خمسة لاعبين” إضافة إلى المدرب كامو مالو. وأكدت أنها ليست اختبارات “بي سي آر” التي يجب إجراؤها قبل 48 ساعة من المباراة، مطالبة بوجهة نظر ثانية حيال الموضوع.

وقالت البعثة إن أحد اللاعبين المصابين “لم يخضع أصلا للفحص”، وأن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم أخبرتها “لم يرسل إليها” الفريق الطبي الذي أجرى الفحوص. وأجابت اللجنة المنظمة والكاف إن الفحوصات تقوم بها هيئات مستقلة تقوم بعملها باستقلالية تامة.

وأعلنت السلطات الكاميرونية أن كأس الأمم الأفريقية فرصة لحث الناس على التلقيح ضد كوفيد-19، مشيرة أن عدد المقبلين على التطعيم قد ارتفع إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف الملقحين. واعتبر اللاعب السابق بارتان إيبولي أن الكاميرون بإمكانه توظيف كرة القدم لحل العديد من المشاكل” وأن البطولة “تساعد البلاد على التخلص من الجائحة”.

جاني سيكازوي يصنع الحدث

أما على أرض الملعب، فقد شهدت المنافسة أول لقطة “طريفة” جلبت لأفريقيا سخرية أعدائها وأثارت استياء أبنائها. وحدثت في 12 كانون الثاني/يناير خلال المباراة بين منتخبي تونس ومالي بمنافسات المجموعة السادسة في مدينة ليمبي (جنوب غرب) عندما أعلن الحكم الزامبي جاني سيكازوي نهاية اللقاء قبل الأوان، مرة أولى في الدقيقة 85 ومرة ثانية قبل اكتمال الدقيقة 90 من الوقت الأصلي. وأمام المشهد الغريب، أُصيبت البعثة التونسية بالذهول فانطلق المدرب منذر الكبير تجاه الحكم للاحتجاج إلا أن القرار كان نهائيا، لكن…

لكن بعد مرور نحو نصف الساعة على عودة اللاعبين لغرف الملابس، دعا سيكازوي الفريقين لدخول أرض الملعب مجددا لأجل إكمال المباراة، إلا أن “نسور قرطاج” رفضت، فخسرت المواجهة فيما خسرت كأس الأمم الأفريقية شيئا من سمعتها الهشة.

من جهته، احتج منتخب الجزائر على رداءة أرضية ملعب “جابوما” في دوالا حيث واجه سيراليون بمستهل حملة الدفاع عن لقبه في المجموعة السادسة التي ضمت أيضا ساحل العاج وغينيا الاستوائية، ما تسبب في غضب اللجنة المنظمة. وأكد عديد المتابعين للبطولة أن سوء الأرضية يعيق تسيير الكرة كما يرام، وبالتالي يؤثر في نتائج المواجهات. فقد اشتكت ساحل العاج من أرضية “جابوما” بعد مباراتها أمام سيراليون أيضا وتعادل معه 2-2. وقد أظهرت لقطة “طريفة” كيف وقع الحارس سانغاري أرضا ورأسه في التراب لتفلت الكرة من يديه وتتهيأ للمنافس فسجل منها هدف التعادل.

تدافع أمام ملعب “أوليمبي” يخلف قتلى وجرحى

وبعد خروج الجزائر من المنافسة إثر خسارتها أمام غينيا الاستوائية صفر-1 ثم أمام ساحل العاج 1-3، هاجم الحارس الكاميروني السابق جوزيف أنطوان بال لاعبي المدرب جمال بلماضي وقال إنهم جاؤوا للكاميرون فقط لتقديم الشكاوى وليس لأجل اللعب. لكن هذا لم يمنع “كاف” من نقل إحدى مباريات ربع النهائي (بين السنغال وغينيا الاستوائية) ونصف النهائي الأول (بين السنغال وبروكينا فاسو) من ذات الملعب إلى “أحمد أهيجو” في العاصمة. وهو الأمر الذي فند تصريحات الحارس السابق وأكد صحة شكاوى الجزائر رغم أن ذلك لا يفسر أو يبرر خروج زملاء رياض محرز من البطولة مبكرا.

وقرر الاتحاد الأفريقي للعبة لاحقا إغلاق ملعب “أوليمبي” الجديد حتى إشعار آخر، لا لأسباب رياضية ولا تنظيمية ولا انضباطية، لكن إنسانية درامية. فقد لقي ثمانية أشخاص على الأقل مصرعهم وجرح 50 آخرون في تدافع حصل قبل انطلاق المواجهة بين الكاميرون وجزر القمر في ربع النهائي، يوم 25 كانون الثاني/يناير، عند أحد مداخل الملعب.

لكن، ورغم المأساة، تحدث الخطاب الرسمي في الكاميرون عن مجرد “حادثة”، مترحما على أرواح الضحايا. وحتى الأسطورة روجيه ميلا قال لفرانس 24 إن ما حدث “مؤسف للغاية، لكن الكاميرون ليست مسؤولة” عنه. فرد الشارع على الخطاب، وكأن النفس البشرية في أفريقيا لا قيمة لها، واستدل كثيرون بأن ما حصل يحصل في أماكن وبلدان أخرى عبر العالم، مستغربين من “شدة الانتقادات” ضد بلدهم، ومحتجين على “سوء معاملة” الغرب لكل ما هو كاميروني.

وانتهى التحقيق الرسمي في المأساة لقرار “متهور” من قوات الأمن بفتح البوابة، حسب ما أكد وزير الرياضة الكاميروني، مقرا بأن عدد أفراد القوات الأمنية “غير كاف”.

جزر القمر تصمد بعشرة لاعبين أمام الكاميرون

وإذا كان ما حدث خارج الملعب محزنا، فإن ما وقع على أرض الملعب مضحكا. فقد خاضت جزر القمر مباراتها التاريخية بتشكيلة منهكة بالغيابات جراء إصابة عدة لاعبيها بفيروس كورونا بين فيهم كل حراسها. وكان في حراسة المرمى المدافع شاكر الهدهور الذي أدى مباراة بطولية، واقفا في وجه المهاجمين الكاميرونيين لمنعهم من هز الشباك. وازدادت محنة القمريين مع إشهار الحكم الإثيوبي باملاك تيسيما البطاقة الحمراء في وجه نجيم عبدو في الدقيقة السابعة، ليجدوا أنفسهم بعشرة لاعبين أمام 11 “أسدا” مدعوما من جمهوره.

خسرت جزر القمر في النهاية 2-1، لكنها خرجت من المنافسة تحت الأضواء والتصفيقات وانتزعت احترام عالم كرة القدم في أفريقيا وخارجها.

تصريحات حربية

لم تتوقف الأحداث الطريفة المبكية أو المضحكة عند هذا الحد. فقد صنع رئيس الاتحاد الكاميروني للعبة، اللاعب الدولي السابق صامويل إيتو، الحدث قبل المواجهة الساخنة بين منتخب بلده ومصر في الدور نصف النهائي. وقال للاعبين: “جهزوا أنفسكم يا شباب، إنها الحرب! نعم، يجب التعامل مع هذه المباراة كأنها حرب.. لا تتركوا هذه الفرصة تمر من دون رؤية النور”.

فرد عليه مدرب مصر، البرتغالي كارلوس كيروش، بكلام أخلاقي مهذب، قائلا إن “كرة القدم عرس وفرحة وسعادة”، و”ليست الحرب”. والغريب أن الكاميرونيين لم يعلقوا على تصريحات إيتو، ولا أحد دان تصريح لاعب برشلونة السابق، وكأن الحكم بمقياسين، حسب المصلحة. أما النتيجة، فكانت لفائدة “الفراعنة” حيث تأهلوا للنهائي بفوزهم في ركلات الترجيح 3-1 بعد أن انتهى الوقتان الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي. فكانت الفرحة مصرية على أرض الملعب و.. الحزن كاميرونيا بالمدرجات.

سليمة كاسانغانا، الأولى على الإطلاق

نختم هذه الحوصلة بخير خاتمة، للحديث عن امرأة صنعت التاريخ في كأس الأمم الأفريقية، وهي الرواندية سليمة كاسانغانا (35 عاما) التي أصبحت في 18 كانون الثاني/يناير أول امرأة تدير مباراة في البطولة عندما أشرفت على المواجهة بين غينيا وزيمبابوي على ملعب “أحمد أهيجو” في دور المجموعات. وساعدتها في مهمتها المغربية بشرى كربوبي التي تتولى مسؤولية تقنية الفيديو المساعد.

فهل تحظى النسخة 33 من كأس الأمم الأفريقية بنهاية سارة؟ أم أنها ستحمل مفاجأة أخيرة تتفجر بمناسبة مباراة النهائي الواعدة والمثيرة بين منتخب مصر والسنغال؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الصحراء الغربية اليوم عبر موقع أفريقيا برس