أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. في تحول مفاجئ، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى سبع شركات إماراتية تدعم قوات الدعم السريع بالسلاح.
وقد فرضت العقوبات بموجب الأمر التنفيذي رقم 14098، الذي يعاقب “أشخاصاً معينين يزعزعون استقرار السودان ويقوضون هدف الانتقال الديمقراطي”.
وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فإنه منذ ما يقرب من عامين، “انخرطت قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي في صراع مسلح وحشي مع القوات المسلحة السودانية للسيطرة على السودان، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف، وتشريد 12 مليون سوداني، وإحداث مجاعة واسعة النطاق”.
وأوضحت الوزارة أن قيادة حميدتي انخرطت في “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي على نطاق واسع، وإعدام المدنيين العزل والمقاتلين الذين لا يحملون أسلحة”.
وتشير الخارجية الأمريكية إلى أن قوات الدعم السريع تعمدت حرمان الشعب السوداني من الإغاثة الإنسانية، معتبرة ذلك سلاح حرب يُستخدم ضد المدنيين.
كذلك، تضمنت العقوبات شركة “كابيتال تاب”، ومقرها الإمارات، متهمةً إياها بتقديم الأموال والمعدات العسكرية لقوات الدعم السريع، تحت قيادة المواطن السوداني أبو ذر عبد النبي حبيب الله أحمد.
شعارات براقة
وقلل المحلل السياسي مجدي عبدالقيوم “كنب” من جدوى العقوبات الأمريكية على حميدتي، مشيراً إلى أنها مجرد شعارات أمريكية براقة ولا تخرج عن السياق البراغماتي الذي تنتهجه الولايات المتحدة.
وقال مجدي لموقع “أفريقيا برس” إن العقوبات سلاح تستخدمه أمريكا لتحقيق أغراض سياسية أكثر من أي أهداف أخرى، وبالتالي فإن تطبيقها على أرض الواقع مرتبط بمواقف محددة.
وأضاف: “العقوبات على حميدتي لا تخرج عن هذا السياق، وتجربة أمريكا مع الجولاني لا تعطي لهذه العقوبات أي مصداقية. ومع ذلك، فإنها في الحالة السودانية تتضمن جزئية متصلة بعدد من الشركات المملوكة للدعم السريع والمسجلة في الإمارات، باعتبار أن عوائدها تُستخدم في تمويل الحرب، وربما تكون هذه الجزئية هي الأكثر تأثيراً في القرار الأمريكي مقارنة بالعقوبات الشخصية”.
ويرى مجدي أن قرار العقوبات تأخر كثيراً، ولم تكن أمريكا بحاجة إلى كل هذا الوقت لاتخاذ مثل هذا القرار. وتابع قائلاً: “القرار لا يعدو كونه جزءاً من المنهج البراغماتي الذي تنتهجه أمريكا في سياستها الخارجية، فهي دولة تتعاطى السياسة بعيداً عن المصداقية، وترتكز على دعاوى زائفة وشعارات براقة لا أكثر، وهي التي تقف وراء كثير من الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية على مستوى العالم”.
قرار متأخر
عضو مبادرة القضارف للخلاص، جعفر خضر، لديه رؤية مغايرة عن “كنب”، إذ يرى في حديثه لموقع “أفريقيا برس” أن تسمية أمريكا لجرائم حميدتي بالإبادة الجماعية من شأنها أن تفسح المجال للمنظمات الدولية والغربية لاتخاذ النهج الأمريكي نفسه وفرض العقوبات.
وقال جعفر: “لأول مرة في هذه الحرب، جهة غربية تتهم الدعم السريع بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. ولا شك أن تسمية الإدارة الأمريكية لجرائم الجنجويد بالإبادة الجماعية سيفسح المجال للمنظمات الدولية والدول الغربية الأخرى لتأكيد ذات الاتهام”.
وأضاف أن الهزائم الدبلوماسية التي مُنيت بها مليشيا الدعم السريع كانت أحد أسبابها تحول ميزان القوى على أرض المعركة لمصلحة الجيش، بجانب أن الجرائم الكبرى التي ارتكبتها المليشيا تضع كل من يدافع عنها في معضلة أخلاقية لا يمكن تجميلها.
ويرى جعفر أن ارتفاع سقف العقوبات الأمريكية لتطال قائد المليشيا محمد حمدان دقلو نفسه، بجانب الشركات التابعة لمليشيا الدعم السريع، تأخر كثيراً، مما يشير إلى أن موقف الإدارة الأمريكية ليس مبدئياً. كما قال جعفر إن الإدارة الأمريكية “طعنت في الظل وتركت الفيل”، إذ إن مليشيا الدعم السريع تعمل لمصلحة دولة الإمارات، التي لا تزال الولايات المتحدة تتجنب توجيه اتهامات واضحة لها بسبب المصالح الاقتصادية، فقد باعت الولايات المتحدة للإمارات أسلحة بأكثر من مليار دولار في الأيام الماضية.
ويبدو أن الإدارة الأمريكية، بحسب جعفر، أصبحت ترى أن مصلحتها غير المشروعة لن تتحقق عبر مليشيا الدعم السريع، وأن هذا الموقف هو بداية التحول للاستثمار في قيادة الجيش بدلاً من المليشيا، مما يؤدي إلى استبعاد روسيا، التي لها مطامع في السودان وترغب في إنشاء قاعدة عسكرية لها في البحر الأحمر.
وقال جعفر إن التحول في الموقف الأمريكي يمكن أن يمثل عاملاً مساعداً لهزيمة المليشيا الإماراتية، مستدركاً بأن العامل الرئيسي يظل توحد الجبهة الداخلية، شعباً وجيشاً، لهزيمة مليشيا الدعم السريع وحلها تماماً، تحقيقاً جزئياً لشعار ثورة ديسمبر الذي ينادي بـ “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”.
قرار صائب
بينما يرى المحلل السياسي عبد الباقي عبد المنعم أن العقوبات الأمريكية من شأنها أن تؤثر على تحركات الدعم السريع، وتضعف قوته نظراً لتوقف الإمداد الخارجي عنه، خصوصاً من الدول الأقرب إلى الإدارة الأمريكية.
ويعتقد عبد المنعم، في حديثه لموقع “أفريقيا برس”، أن القرار الأمريكي يمثل انتصاراً لكل السودانيين الذين قُتلوا وشُردوا، مشيراً إلى أنه يعني أن العدالة والقصاص سيكونان قريباً.
ودعا عبد الباقي المنظمات الحقوقية والدولية إلى ضرورة اتخاذ قرارات مماثلة، مؤكداً أن القرار الأمريكي مهم وصائب، رغم أنه جاء متأخراً.
وقال عبد المنعم إن القرار يوضح بجلاء أن أمريكا تقف مع الشعب السوداني وشعارات الحرية والكرامة والإنسانية، داعياً في الوقت نفسه الإدارة الأمريكية إلى إصدار قرارات مشابهة ضد عدد من الدول التي يرى عبد المنعم أنها متورطة في انتهاكات الدعم السريع عبر تقديم الدعم والمساندة له.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس