أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. خلافات حادة تعصف داخل حزب الأمة القومي، أحد أبرز الأحزاب السياسية في السودان، بسبب الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. فقد اصطف رئيس الحزب المكلّف فضل الله برمة ناصر إلى جانب قوات الدعم السريع، بينما اتخذت مجموعة موقف الحياد وانضمت إلى تحالف القوى المدنية الديمقراطية “صمود”، وتضم هذه المجموعة مريم الصادق نائبة رئيس الحزب، وصديق الصادق المهدي، والأمين العام للحزب الواثق البرير. في المقابل، برز تيار ثالث داعم للجيش يقوده الفريق معاش عبد الرحمن الصادق المهدي وشقيقته رباح، إضافة إلى نواب الحزب وهم الفريق صديق والدكتور إبراهيم الأمين.
وكان برمة ناصر قد أصدر في السابع من أغسطس الجاري قرارًا بإعفاء عدد من كبار قادة الحزب، بينهم مساعده وثلاثة من نوابه ومستشارون، مبررًا خطوته بأنها تهدف إلى “إعادة الاعتبار لهيبة الحزب وتأسيس مرحلة جديدة من الفاعلية والانضباط”. وأكد أن القرار جاء لقطع الطريق أمام “محاولات تحويل المواقع القيادية إلى منصات شخصية أو فضاءات رمادية خارجة عن الالتزام المؤسسي”. وتزامنت هذه التطورات مع وصول عبد الرحمن الصادق إلى دار الحزب بالخرطوم، وهو ما أثار غضب مجموعة البرير التي اعتبرت وجوده استفزازًا، لكونه من أبرز الداعمين للجيش ورافضي وقف الحرب.
لافتات مضللة
يرى القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، أن الصراع داخل الحزب ليس خلافًا تنظيميًا عابرًا، بل محاولة مكشوفة لجر الحزب إلى محرقة الحرب تحت لافتات سياسية مضللة. وأوضح أن الفريق عبد الرحمن الصادق يتحرك من منصة ممالأة السلطوية العسكرية، وهو سجل سبق أن اعترف هو نفسه بعِبئه حين قدّم اعتذارًا علنيًا عن شراكته لنظام البشير بعد أن شغل موقع “مساعد الرئيس” في ذلك النظام، لينتهي به الأمر بيدقًا في سلطة البرهان ومعولًا من معاول حرب أبريل 2023.
وأشار الصادق إلى أن حزب الأمة، منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، تمسّك بخط واضح يقوم على وقف الحرب وتغليب السلام والانحياز للتحول الديمقراطي الكامل. غير أن بعض قيادات الحزب انحازت لدعم استمرار الحرب ومساندة الجيش، وهو ما ينطبق على عبد الرحمن ومن حوله في تسويق خطاب التعبئة للحرب، ومحاولة وصم مؤسسات الحزب وقياداته بباطل الاتهامات. وقد برز ذلك في بياناته الأخيرة وهجومه على اللواء فضل الله برمة ناصر والواثق البرير، رغم علمه بأن برمة هو أول من خاطب القيادة السعودية للتدخل العاجل، وهو ما أثمر منصة جدة التي ظل حلفاء عبد الرحمن من التنظيم المحلول والحركة الإخوانية يجهضونها.
وأضاف الصادق أن ما يجري في الحزب ليس معزولًا عن مشهد أوسع، إذ توجد شبكات عسكرية وسياسية مرتبطة بسلطة الأمر الواقع، إضافة إلى فلول النظام المحلول التي تدفع نحو عسكرة المجال السياسي وتخوين كل صوت يرفض الحرب ويدعو للسلام. وأكد أن استهداف مؤسسات الحزب وقياداته يجري لأنها صلبة في موقفها، متمسكة بشرعية المؤسسية والإرث السياسي للإمام الصادق المهدي، وهو إرث يسعى عبد الرحمن ومن حوله لهدمه عبر أجسام رديفة تفتقر إلى الشرعية وتخدم أجندة الشمولية.
وبشأن السيناريو المتوقع، قال الصادق إن التصعيد الدعائي ومحاولات شق الصف عبر أجسام موازية لا شرعية لها سيستمر، مستدركًا بأن وزن المؤسسية وقاعدة الأنصار سيردّ هذا المسعى، ومع تراكم الكارثة الإنسانية وضغط الداخل والخارج سيزداد الطلب على مسار تفاوضي جاد، وسينكشف عقم خيار الحسم العسكري.
وفي المقابل، أوضح الصادق أن مؤسسات الحزب ستعمل على إحكام آلياتها لحماية وحدة الحزب، والفصل بين الاجتهاد السياسي المشروع وتوظيف الحزب في مشروع الحرب. وأضاف أن موقفهم حاسم كشباب وكوادر وقيادات، رافعين شعار: “لا اصطفاف مع الحرب ولا حياد بين الضحية والرصاصة”.
وجزم بأن حزب الأمة القومي لن يُساق إلى مشروع الحرب تحت أي لافتة، منبّهًا إلى أن المؤسسية فوق الأفراد والتيارات، وأن الاختلاف يُدار داخل الأطر. وتابع: أما إقامة أجسام موازية أو صناعة شرعيات وهمية فهو أمر مرفوض وسيواجه سياسيًا وقانونيًا.
وأردف: لن نسمح بتجييش شباب الأنصار لمعارك عبثية، فالحزب ليس حطبًا لحروب الآخرين. وطالب بانتقال ديمقراطي كامل داخل الحزب، مضيفًا: من أراد جر الحزب إلى خندق الحرب فسيجد حزبًا موحدًا وجماهير يقظة وذاكرة لا تنسى.
مؤسسة راسخة
في هذا الصدد، لا يرى إسماعيل كتر عبد الكريم، مساعد رئيس حزب الأمة للشؤون القانونية والدستورية، وجود صراع داخل الحزب، مؤكداً أن الحزب حزب مؤسسات راسخة يضبطه دستور متاح للجميع وينظم عمل مؤسساته. واستدرك قائلاً إن الحزب في حالة اختراق من قِبل الدعم السريع لبعض قياداته بوسائل مختلفة كسائر مؤسسات الدولة حين غفلة من الجميع، مشيراً إلى أن مؤسسات الحزب الآن فاعلة وتعمل بوسائل الضبط التنظيمي، مستشهداً بفصل فضل الله برمة وجعله خارج أطر الحزب المؤسسية على اعتبار أنه انضم إلى مؤسسات الدعم السريع، وهو أمر ـ بحسب كتر ـ لا يمكّنه من الانتماء إلى أي منظومة مدنية ناهيك عن رئاسة الحزب.
وأضاف لموقع “أفريقيا برس”: أما الواثق ومجموعته فقد فارقهم برمة بصريح انتمائه للدعم السريع، وهم بقوا في “صمود” وبهذا فقدوا الغطاء الذي كانوا يحتمون به، مما أفقدهم التوازن. كما أزعجهم النشاط المحموم للحزب في الداخل لإعادة دوره الطبيعي في قيادة وريادة العمل السياسي، وأيضاً ظهور الأمير الفريق عبد الرحمن الصادق المهدي الذي استأنف نشاطه الحزبي والدعوي بقوة بعد أن تقاعد من المؤسسة العسكرية. وأكد أن كل هذه الأمور جعلت مجموعة البرير ومن وراءهم يفقدون الصواب، مما أوقعهم في كثير من الموبقات والدخول في المهاترات غير مراعين أبسط قواعد الزمالة والأسرة الممتدة.
صراع محتدم
في السياق، يقول المحلل السياسي الفاتح عثمان محجوب لموقع “أفريقيا برس” إن الصراع على خلافة السيد الصادق المهدي في رئاسة الحزب وإمامة الأنصار كان محتدماً والإمام حي يرزق، مشيراً إلى أن الصادق المهدي وضع خطة لتدبير خلافته في الحزب بشكل مؤقت لتجنب الاشتعال المبكر لحرب الخلافة، حيث قام بتعيين الفريق عبد الرحمن الصادق المهدي نائباً لرئيس لجنة الحل والعقد في كيان الأنصار تمهيداً لإعطائه دوراً أكبر في الحزب وفي إمامة الأنصار.
واستدرك الفاتح أن ما لم يتحسب له الإمام الصادق المهدي هو تمسك أصهاره وأبنائه بمكاسبهم وإصرارهم على عزل الفريق عبد الرحمن الصادق المهدي عن أي دور في الحزب، وزاد الطين بلة انضمام الرئيس المكلف بحزب الأمة العميد برمة ناصر إلى الدعم السريع، وهو ما أدى ـ بحسب الفاتح ـ إلى قيام مؤسسة الرئاسة في الحزب بعزله وتعيين محمد الدومة رئيساً مكلفاً، وقيام العميد برمة ناصر بعزل كل أعضاء مؤسسة الرئاسة مستغلاً تماهي مؤسسة الأمانة العامة بقيادة الواثق البرير مع الدعم السريع.
وبذلك ازداد الشقاق في الحزب حيث ـ يقول محجوب ـ انقسموا إلى فريقين: أحدهما داعم للجيش بقيادة الرئيس المكلف الدومة غير المعترف به من الأمانة العامة والمدعوم من الفريق عبد الرحمن الصادق المهدي، والفريق الآخر بقيادة العميد برمة ناصر والواثق البرير والمدعومين من الصديق الصادق المهدي وبعض شقيقاته.
ويرى الفاتح، ووفقاً للتطورات أعلاه، أن الخلافات أشعلت معركة الخلافة بشكل أكبر مما خطط له الصادق المهدي الذي أراد تأجيل المعركة إلى حين انعقاد مؤتمر الحزب لتحسم بالانتخابات، مستدركاً أن صبر الأبناء والأصهار قد نفد، وأن الموقف من معركة الكرامة له أيضاً دور لا يمكن إغفاله.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس