أحمد جبارة
أفريقيا برس – السودان. تدور المعارك بين الجيش والدعم السريع غربًا في دارفور وكردفان، وتلوح في الأفق بوادر سلام بين الأطراف المتحاربة. فقد تحدّث سفير دولة عربية، مقرّب من ملف المفاوضات بين أطراف النزاع في السودان، وفقًا لما نقلته “سودان تربيون”، عن وجود مقترح من دولة غربية معنية بالشأن السوداني، يقضي بعودة التفاوض بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لوقف الحرب.
وأكد السفير أن من بين عناصر المقترح إمكانية منح إقليم دارفور حكمًا ذاتيًا، في محاولة لإنهاء المعاناة المستمرة لسكان الإقليم منذ اثنين وعشرين عامًا. فهل يمكن أن يُنهي منح دارفور حكمًا ذاتيًا الصراع؟ وكيف ينظر الخبراء إلى هذا المقترح؟ وما هي مآلات تطبيق هذا النموذج في السودان؟
فرضية القبول
يرى المحلل السياسي الفاتح محجوب أن اتفاقية جوبا للسلام منحت إقليم دارفور حكمًا ذاتيًا، مستدركًا أن ما تعرضه الوساطة العربية حاليًا هو منح قوات الدعم السريع حكمًا ذاتيًا في الإقليم، وهو أمر بحسب الفاتح لا يمكن للحكومة السودانية قبوله، لأن الشعب السوداني لن يقبل أي اتفاق يمنح الدعم السريع “قبلة الحياة”، ولن يقبل بعودتها إلى الحياة العامة.
وأضاف الفاتح لموقع “أفريقيا برس” أنه يمكن العفو عن الضباط والجنود، وقد يُدمج بعضهم في القوات النظامية، لكن من المستحيل قبول الدعم السريع كمؤسسة من جديد، أو القبول بأبناء دقلو في الحياة السياسية أو العسكرية، بعد ما ارتكبوه من جرائم إبادة جماعية ضد شعب المساليت في غرب دارفور، ومجازر ضد أبناء ولاية الجزيرة، وكذلك جرائم الإبادة في قرية شق النوم ومحيط مدينة بارا.
وخَلُص الفاتح إلى أن “الحرب ستتوقف قريبًا، لكن من دون أي اتفاق يُبقي على قوات الدعم السريع كمؤسسة”.
دسّ السّم
في سياق مختلف، حذّر القيادي السابق بحركة “حق” مجدي عبد القيوم “كنب” من مقترح الوساطة العربية بشأن منح دارفور حكمًا ذاتيًا، إذ قال لموقع “أفريقيا برس” إن المقترح يُعد بمثابة “دسّ السّم في الدسم”، وخطوة في اتجاه فصل دارفور.
وتابع: تجربة الحكم الذاتي في جنوب السودان فشلت بسبب التنصل من اتفاقية أديس أبابا، مما أدى إلى اندلاع الحرب مجددًا آنذاك، رغم أن فكرة الحكم الذاتي في جوهرها أفضل من صيغة الفيدرالية المشوهة التي طُبّقت في السودان. واستدرك: لكن الخوف مما هو تحت الطاولة، ففي ظل الظروف الراهنة لا يمكن الوثوق بالوسطاء.
ووضع مجدي شروطًا لنجاح المقترح، إذ قال: في حال تراضى السودانيون على تلك الصيغة، وعكفوا على نصوص واضحة لا تفتح الباب لتفسيرات متضاربة، فلا شك أن ذلك أمر جيد. وأضاف: أما إن تُرك الأمر لمن يبيع ويشتري، فإن دارفور ذاهبة لا محالة.
فكرة عقلانية
يرى القيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق أن فكرة الحكم الذاتي يمكن أن تكون أداة عقلانية ضمن تسوية شاملة، إذا ما قُدّمت بوصفها حلقة في مشروع وطني متكامل لإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة من المواطنة المتساوية والتوزيع العادل للسلطة والثروة.
ويؤكد الصادق أن الحكم الذاتي ليس مجرد صفقة سياسية لتهدئة بقعة جغرافية مشتعلة، مستدلًا بتجارب السودان السابقة، حيث يقول إن الوثائق والتحليلات وتجارب السلام المجهضة تُظهر بجلاء أن أي معالجة جزئية للأزمات الجهوية، دون إصلاح عميق في بنية الحكم ومنظومة العدالة ومفاهيم الانتماء الوطني، سرعان ما تتحول إلى وقود جديد لصراعات أوسع.
ويضيف أن دارفور ليست مجرد إقليم مهمش، بل تمثل مرآة مكبرة لأزمة السودان في انعدام التوازن السياسي، وانكشاف العدالة الاجتماعية، وتفكك الدولة على أسس الولاء الإثني والديني والحزبي، وهي مربوطة بوشائج عضوية وجيوسياسية بكردفان، ولها حضور قوي في كل مدن السودان.
ويؤكد الصادق أن الحكم الذاتي لدارفور لن يكون حلاً قابلًا للاستدامة إلا إذا اندرج في عملية سياسية شاملة يتشارك فيها السودانيون – بمختلف مناطقهم وهوياتهم – في إعادة تعريف الدولة السودانية من حيث وظائفها وموقع المواطن فيها.
وشدّد على ضرورة أن يكون مقترح الحكم الذاتي مسنودًا بحوار دستوري جامع داخلي من السودانيين، لا أن يكون معلبًا من الخارج، على أن يضمن التعددية، ويقر بالتنوع الثقافي والإثني بوصفه ثروة وطنية، لا تهديدًا للوحدة.
كما أكد ضرورة تضمين التزامات واضحة بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، وتعويض الضحايا، وتهيئة الظروف الآمنة لعودة النازحين واللاجئين، وإعادة هيكلة مؤسسات الحكم على أسس الكفاءة والتمثيل العادل، إلى جانب التعاون الدولي في ما يخص الإقليم جنائيًا ودبلوماسيًا وتنمويًا.
وقال الصادق لموقع “أفريقيا برس” إن نجاح أي صيغة للحكم الذاتي مرهون بوجود ضمانات إقليمية ودولية جادة، تضمن تنفيذ الالتزامات، وتوفر التمويل اللازم لإعادة الإعمار، وتحمي التجربة من النكوص أو الاستغلال السياسي.
وأضاف أن التجربة السودانية أثبتت أن الاتفاقات المنفصلة والموسمية، غير المؤسسة على مشاركة حقيقية ومساءلة شفافة، لا تلبث أن تتآكل وتفقد أثرها، مشيرًا إلى أن الخطأ يكمن في التعامل مع مقترح الحكم الذاتي كحل تقني أو إداري، بينما يجب النظر إليه كجزء من عملية إعادة تأسيس السودان ذاته على قواعد جديدة.
واختتم بالقول: ما تحتاجه البلاد اليوم ليس مجرد معالجة موضعية لحريق هنا أو هناك، بل مشروع وطني جامع يعيد تعريف العلاقة بين المركز والهامش، وبين الدولة والمجتمع، وبين الإثنيات المتنوعة التي تشكل فسيفساء السودان. ويرى الصادق أن الحكم الذاتي لدارفور يمكن أن يكون بوابة نحو هذا المشروع، إذا اقترن بالإرادة السياسية، والحوار الشامل، والرؤية العادلة، والشجاعة في مواجهة الحقائق، لا الهروب منها. عندها فقط يمكن القول إن دارفور لم تعد نارًا في الهامش، بل أصبحت مفتاحًا للسلام العادل والمستدام في قلب السودان.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس