مظاهرات النيجر المُطالبة برحيل القوات الأمريكية من البلاد: الدوافع والمآلات

4
مظاهرات النيجر المُطالبة برحيل القوات الأمريكية من البلاد: الدوافع والمآلات
مظاهرات النيجر المُطالبة برحيل القوات الأمريكية من البلاد: الدوافع والمآلات

منة صلاح، باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

أفريقيا برس – السودان. شهدت عاصمة النيجر “نيامي” في 13 أبريل الجاري مظاهرات حاشدة احتجاجًا على تواجد قوات أجنبية في البلاد، إذ طالب المتظاهرون برحيل القوات العسكرية الأمريكية المتواجدة في شمال البلاد دون قيود أو شروط، وجاء ذلك بعد تغيير المجلس العسكري استراتيجيته وسعيه لإلغاء الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية واستقبال مدربين عسكريين روس، بهدف بسط الأمن في البلاد، وهو ما يشير إلى التعاون الوطيد مع روسيا التي تسعي إلى تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية.

نبذة عن المظاهرات وأبرز المشاركين فيها

خرج مئات الأفراد إلى شوارع العاصمة “نيامي” للمطالبة برحيل القوات الأمريكية، ولوحوا بأعلام النيجر في مسيرة تشبه المظاهرات المناهضة لفرنسا والتي أدت إلى انسحاب القوات الفرنسية من البلاد عام 2023م، ورحبوا بقرار المجلس العسكري الحاكم المُعلن في منتصف مارس الماضي والذي يقضي بإنهاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة، والذي يسمح لحوالي ألف جندي أمريكي بالعمل على الأراضي النيجرية من خلال قاعدتين.

وتقود المظاهرات مجموعة “سينرجي” المكونة من حوالي عشر جمعيات داعمة للنظام الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب 26 يوليو 2023م، وشارك فيها العديد من الطلاب للمطالبة بسقوط الإمبريالية الأمريكية وتأييد تحالف دول الساحل “بوركينا فاسو، مالي”، كما حضرها عدد من شخصيات النظام العسكري مثل المتحدث الرسمي العقيد “أمادو عبد الرحمن” والعقيد “أمادو إبرو” وقائد القوات البرية العقيد “مامان ساني كياو” ورئيس الأركان التابع لرئيس النظام العسكري الجنرال “عبد الرحمن تيابي”.

دوافع اندلاع المظاهرات في عاصمة النيجر “نيامي”
انسحاب القوات الفرنسية عام 2023م:

أكملت القوات الفرنسية انسحابها من النيجر في أواخر عام 2023م لإنهاء وجود عسكري امتد حوالي 10 أعوام، والذي كان مخصص لمكافحة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل الأفريقي، إذ كانت النيجر أحد آخر حلفاء فرنسا قبل انقلاب يوليو، ومنذ ذلك الحين قطع جنرالات النيجر علاقاتها مع عدد من الشركاء الغربيين واقتربوا من الروس، وهو ما يمثل نهاية عملية فك ارتباط القوات الفرنسية في منطقة الساحل، وجاء ذلك بعد توتر العلاقات مع السلطات العسكرية المنبثقة عن الانقلاب والتي ألغت عدد من اتفاقيات التعاون العسكري مع باريس، وحينها كان لا يزال هناك وحدات أمريكية في النيجر وبدرجة أقل الوحدات الألمانية والإيطالية.

إلغاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية:

يعتبر قرار النظام العسكري الحاكم في النيجر بإلغاء التعاون العسكري المُبرم في عام 2012م مع الولايات المتحدة، من أبرز دوافع المظاهرات في النيجر، وذلك على اعتبار أنه غير شرعي ويتعارض مع مصالح البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى طرد القوات الأمريكية من البلاد على غرار القوات الفرنسية، إذ كان يقضي بوجود أعداد من العناصر العسكرية والمدنية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية في عدة مواقع، ووصل عدد القوات الأمريكية إلى أكثر من ألف عنصر في عدة قواعد تقع أهمها في منطقة أغادير، والتي تعد قاعدة الانطلاق لهجمات المسيرات الأمريكية على التنظيمات الإرهابية في الساحل الأفريقي.

الدعم العسكري الروسي:

منذ انقلاب 26 يوليو تقربت النيجر من بوركينا فاسو ومالي، وسعت الدول الثلاث إلى إنهاء الاتفاقات العسكرية مع الحلفاء الغربيين والانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” وتعزيز العلاقات مع روسيا، وهو ما ظهر في اتفاق النيجر وروسيا على التعاون العسكري/الأمني في يناير 2024م بهدف تحقيق الاستقرار الإقليمي في المنطقة، والذي بموجبه ستكون القوات الروسية البديل الجاهز والسريع لشغل الفراغ الذي خلفته القوات الفرنسية بعد انسحابهم والقوات الأمريكية الذين طُلب منهم المغادرة، ففي مقابل إلغاء التعاون مع الولايات المتحدة استضافت النيجر حوالي مائة مدرب عسكري روسي، والذين قد يؤدوا دورًا هامًا في تثبيت نظام دفاع مضاد للطائرات وتقديم تدريبات عالية الجودة للجنود النيجريين بهدف استخدامه بكفاءة وفعالية، وتلقت النيجر أيضًا أول دفعة من العتاد العسكري الروسي، وهو ما يدل على التعاون الوطيد مع روسيا ولاسيما في المجال العسكري/الأمني.

التواجد العسكري الأمريكي في النيجر

تطورت العلاقات بين النيجر والولايات المتحدة في المجال الأمني خلال العقد الماضي وتم توقيع اتفاقية عسكرية فيما بينهما في عام 2012م، وبموجبه أنشات الولايات المتحدة قاعدة جوية في أغادير بتكلفة تصل إلى حوالي 100 مليون دولار وتم افتتاحها في عام 2016م باسم “قاعدة النيجر الجوية 201′′، ويتم استخدامها منذ عام 2018م لاستهداف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة دعم الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة في منطقة الساحل، هذا بالإضافة إلى “القاعدة الجوية 101” والتي تقع في مطار نيامي والتي كانت تدعم العمليات الاستخباراتية وتراقب الجماعات المسلحة.

عوامل تدهور الأوضاع بين النيجر والولايات المتحدة

تدهورت العلاقات بين النيجر والولايات المتحدة بعد انقلاب يوليو 2023م الذي أطاح الرئيس محمد بازوم، إذ أدانت الولايات المتحدة الانقلاب للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، وزادت الأوضاع سوءًا جراء إلغاء حكومة النيجر الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة نظرًا لتعارضها مع الأعراف الدستورية والتي تستلزم موافقة الشعب عبر ممثليه المنتخبين لاستضافة قوات أجنبية، وبالإضافة إلى ذلك لم تفرض تلك الاتفاقية التزامات على القوات الأمريكية في دعمها للنيجر في مكافحة الإرهاب، كما فرضت الاتفاقية أعباء مالية على النيجر إذ تحملت تكاليف ضريبية على الطائرات العسكرية الأمريكية، وقد تكون تلك المظاهرات جاءت نتيجة للضغوط الأمريكية على النيجر لاختيار جانب في الصراع مع روسيا، وقد لا تؤدي إلى إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية في النيجر فقط بل قد يتم منح امتيازات التنقيب روسيا أيضًا.

وفي الختام يمكن القول: بأن مظاهرات النيجر جاءت بعد انسحاب القوات الفرنسية عام 2023م وإلغاء الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة ووصول المعدات والمدربين العسكريين الروس إلى النيجر، وأنه تم تقليص النفوذ الأمريكي في الساحل وغرب أفريقيا لحساب صعود الدور الروسي، فتسعي النيجر إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا وسط ما تشهده المنطقة من تقلبات بما يعزز أمنها القومي، وبشكل عام ترفض الثقافة النيجرية وجود قواعد أجنبية في البلاد حتى إذا كانت روسية ولكن تقبل بالتعاون الأمني معها، ونظرًا لما تمثله النيجر من أهمية بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في منطقة الساحل فقد يؤدي إغلاق قاعدتها في منطقة أغادير إلى فقدان قدرتها على المراقبة بما يؤثر على حماية أراضيها بشكل مباشر، ومن المرجح التنافس بين القوى الكبرى في منطقة غرب أفريقيا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here