مهمة أوديسيوس.. لماذا يهرع العالم للعودة إلى القمر؟

2
مهمة أوديسيوس.. لماذا يهرع العالم للعودة إلى القمر؟
مهمة أوديسيوس.. لماذا يهرع العالم للعودة إلى القمر؟

أفريقيا برس – السودان. اليوم ولأول مرة منذ نصف قرن عادت الولايات المتحدة إلى القمر، ولأول مرة في تاريخ البشرية قادت شركة تجارية الرحلة إلى هناك. يا له من انتصار، لقد وصلت أوديسيوس إلى القمر”. بهذه الكلمات أعلن مدير وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” بيل نيلسون نجاح هبوط مركبة فضائية أميركية على سطح القمر لأول مرة منذ مهمة “أبولو 17” في عام 1972.

لكن رحلة “أوديسيوس” إلى سطح القمر، والتي بدأت على متن صاروخ صنعته شركة “سبيس إكس” المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك؛ كانت أكثر أهمية لسببين آخرين:

الأول أنها كانت المرة الأولى التي تتمكن فيها مركبة فضائية بنتها شركة “أنتيوتف ماشينز” الخاصة -وليس برنامج فضاء حكومي- من الهبوط التجاري الناجح على سطح القمر في أحدث سلسلة محاولات الهبوط التي تقوم بها البلدان والمؤسسات الخاصة التي تتطلع إلى استكشاف القمر والاستفادة منه إن أمكن.

الثاني أن هذه هي المرة الأولى أيضا التي تزور فيها مركبة فضائية مكانا حتى الآن في جنوب القمر، وهو الموقع الذي تتسابق دول مختلفة لاستكشافه لوجود مياه جليدية على سطحه، وقد يكون هذا الموقع أحد أكثر موارد القمر قيمة، وهذا من شأنه أن يمثل بداية حقبة جديدة في استكشاف أقرب جيران الأرض.

العودة إلى القمر.. لماذا الآن؟

في ذروة الحرب الباردة، كانت المنافسة بين وكالتي الفضاء الأميركية والسوفياتية شرسة، فقد احتشد البلدان للحصول على فرصة صناعة التاريخ من خلال الوصول إلى القمر أولا.

وفي عام 1959، تغلب الاتحاد السوفياتي على الولايات المتحدة ليصبح أول دولة تصل إلى سطح القمر بمركبتها الفضائية “لونا 2′′، لكن الولايات المتحدة كانت أول دولة تضع إنسانا على سطح القمر في عام 1969.

وحتى يومنا هذا لا تزال الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي أوصلت رواد الفضاء الذين ساروا على سطح القمر، فقد حصل 12 إنسانا فقط ـجميعهم أميركيونـ على هذا الامتياز، ومنذ أكثر من 50 عاما لم يتغير عددهم، ولكن هذا العدد سيتزايد قريبا.

وعلى الرغم من نجاح بعثات أبولو الأميركية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي في الهبوط في المقام الأول قرب خط استواء القمر، فإنه حتى الآن لم تتمكن سوى 5 دول فقط -وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان والهند- من تحقيق هبوط سلس ناجح على سطح القمر.

لكن في مثل هذا المجال الذي يزيد ازدحاما يوما بعد آخر، يُطرح السؤال الكبير عمّن سيصبح اللاعب العالمي الرئيسي التالي في المرحلة القادمة من استكشاف القمر؟ ولن يكون بعد الآن حكرًا على وكالات الفضاء الوطنية، فالشركات التجارية تريد أيضا جزءا من العمل القمري.

وبعد مرور 5 عقود على آخر بعثات أبولو أصبح القمر مرة أخرى هدفا لاستكشاف الفضاء، لكن وكالة ناسا لم تعد لديها القدرة على استكشاف القمر بنفسها. وكما أصبح معتادا؛ تعمل مع عدد من الشركاء التجاريين -مثل لوكهيد مارتن وبوينغ وإيروغيت روكيتيدين وسبيس إكس وكولينز إيروسبيس- لبناء البنية التحتية ببرنامج أرتميس.

وتسعى الآن العديد من الحكومات والشركات التجارية من أوروبا والشرق الأوسط إلى جنوب المحيط الهادي لإطلاق مهمات إلى مدار حول القمر أو الهبوط على سطحه، مدعومة بالأدلة على وجود المياه والموارد الطبيعية الأخرى، ويمكن لأي شخص قادر على إثبات وجود كبير على القمر أولا أن يكون له آثار كبيرة على الأرض وكذلك على الكون.

ومنذ أواخر الستينيات كان هناك أكثر من 20 هبوطا سلسا ناجحا على سطح القمر، 6 منها كانت بعثات أبولو المأهولة التابعة لوكالة ناسا. ومن المتوقع على مستوى العالم أن تجري أكثر من 100 مهمة قمرية -سواء من قبل الشركات الخاصة أو الحكومات- بحلول عام 2030، وفقا لوكالة الفضاء الأوروبية.

وفي السنوات القليلة الماضية، أرسلت اليابان وكوريا الجنوبية والإمارات وروسيا والهند والعديد من الدول الأعضاء في وكالة الفضاء الأوروبية مركبات فضائية آلية في مدار القمر بدرجات متفاوتة من النجاح.

وفي أغسطس/آب الماضي، حققت الهند إنجازا آخر لتصبح الدولة الرابعة التي تهبط على سطح القمر، وأول دولة تنجح في الهبوط الناعم بمركبة “تشاندريان 3” غير المأهولة على بعد نحو 370 ميلا (600 كيلومتر) من القطب الجنوبي للقمر، وهو أقرب من أي مركبة فضائية إلى هذا الموقع الذي يعتقد العلماء أنه على الأرجح يحتوي على احتياطات كبيرة من الماء.

وحدث ذلك عقب محاولة روسية فاشلة في وقت سابق من ذلك الشهر، وهي المحاولة الأولى منذ 47 عاما، أي منذ الحقبة السوفياتية، وقادتها مركبة الفضاء الروسية “لونا 25” التي كان من المقرر أن تهبط في المنطقة نفسها، لكن الاتصال انقطع معها بعد اصطدامها بسطح القمر، وخرجت عن نطاق السيطرة وتحطمت.

وعقب هبوط “تشاندريان 3” الهندية الناجح في المشهد القطبي القمري المتجمد المليء بالحفر العام الماضي، أعلن رئيس منظمة أبحاث الفضاء الهندية أيضا أن بلاده تخطط لإرسال رائد فضاء إلى القمر بحلول عام 2040، وأعربت روسيا عن رغبتها في إرسال رواد فضاء إلى القمر بين عامي 2031 و2040، بحسب وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة.

وفي السنوات الأخيرة، شهدت الهند أيضا طفرة في الشركات الناشئة بمجال الفضاء مثل بيكسل وغرو إكس فينتشرز وبيلاتريكس إيروسبيس وسكاي روبوت، التي أطلقت أول صاروخ هندي خاص في عام 2022، وهذه خطوة من المرجح أن تعزز جهود شركات القطاع الخاص لاستكشاف الفضاء.

وفي الآونة الأخيرة أصبحت اليابان الدولة الخامسة التي تقوم بالهبوط السلس بمركبة فضائية على سطح القمر، لتنضم بذلك إلى عدد قليل من الدول المختارة في إنجاز هذا العمل الفذ، لكن من المرجح أن يصبح الهبوط على سطح القمر أكثر شيوعا خلال السنوات القليلة المقبلة.

ليست هذه المهمات الوحيدة التي تستهدف القطب الجنوبي للقمر، فستتوجه إلى هناك أيضا مهمة هندية مخططة لإعادة عينة من القمر بالشراكة مع اليابان، وهي المهمة الرابعة في برنامج “تشاندريان”، في حين أشارت الصين إلى نيتها الهبوط في هذه المنطقة، ولدى روسيا مهمة أخرى مخطط لها في هذا الجزء الغامض من سطح القمر، والذي سيشهد في نهاية المطاف وصول البشر إلى هناك في وقت لاحق من هذا العقد.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت شركة أسترالية خاصة تدعى “هيكس 20′′، عن تعاون مع شركة “سكاي روبوت” الهندية وشركة “آي سبيس” اليابانية، وستحاول القيام بثاني هبوط آلي على سطح القمر في نهاية هذا العام، ويهدف التعاون إلى تحفيز الطلب على مهمات الأقمار الصناعية القمرية بأسعار معقولة.

وفي 2026، تخطط وكالة ناسا لإعادة البشر إلى القمر على متن مركبة الهبوط “سبيس إكس” لأول مرة منذ نصف قرن كجزء من مهمة “أرتميس 3′′، وذلك في موقع غير محدد حاليا في القطب الجنوبي لاستكشاف الجليد مباشرة لأول مرة، كما تقترب منظمة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا) من نهاية المفاوضات لإرسال رائد فضاء ياباني إلى القمر كجزء من برنامج أرتميس.

قبل وصول البشر، تخطط كل قوة فضائية لإرسال عدة بعثات روبوتية أصغر أولاً للقيام بعمليات مسح القمر قبل وصول رواد الفضاء، فعلى سبيل المثال، حملت مركبة الهبوط “أستروبوتيك” 6 شحنات خاصة و6 أدوات علمية تابعة لوكالة ناسا وعدة أعمال تجارية مثل منحوتات للفنان المعاصر جيف كونز تصور أطوار القمر، إضافة إلى نظام كاميرا يساعد على التقاط لحظة هبوط المركبة.

وتركز الأدوات والنماذج التابعة لناسا على فحص سطح القمر وجمع البيانات الخاصة بتفاعلات الطقس في الفضاء مع سطح القمر وعلم الفلك اللاسلكي وجوانب أخرى من البيئة القمرية لمركبات الهبوط المستقبلية وخطط ناسا لإرسال رواد الفضاء مجددا.

السباق إلى القطب الجنوبي للقمر

هناك العديد من الأسباب -من المعرفة العلمية والتقدم التكنولوجي إلى احتمال الوصول إلى الموارد القمرية- التي تفسر السبب الذي تتوق من أجله كل هذه الدول للعودة إلى القمر، فهو أرض اختبار، وتحتاج البشرية إلى الوصول إليه لتتعلم كيفية العيش في الفضاء والاستفادة من موارده، وهذا هو في الواقع نقطة الانطلاق لجميع الثروات الهائلة في الكون.

أحد الأسباب الرئيسية لهذا الاهتمام المتجدد بالعودة إلى القمر هو العثور على دليل ملموس على وجود مورد طبيعي قيّم وهو الماء، حيث يتوق العلماء إلى حل أصل المياه على القمر، والتي ربما تكون قد ثارت بسبب البراكين القمرية القديمة منذ مليارات السنين، أو نقلتها الكويكبات أو المذنبات، أو حتى حملتها الرياح الشمسية.

في وقت مبكر من الستينيات قبل هبوط أبولو الأول، تكهن العلماء بإمكانية وجود الماء على القمر، وبدا للعلماء أن العينات التي أعادتها أطقم أبولو للتحليل في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كانت جافة.

لسنوات بعد بعثات أبولو رأى العلماء أدلة على وجود الماء على القمر، ففي عام 2008 قام باحثون من جامعة براون بإعادة النظر في تلك العينات القمرية باستخدام تقنية جديدة، ووجدوا الهيدروجين داخل حبات صغيرة من الزجاج البركاني.

وكان أفضل دليل توصل إليه العلماء يأتي من تجربة ناسا في أكتوبر/تشرين الأول 2009 عندما أطلقت عمدا صاروخ “سينتور” الذي يزن طنين ليرتطم بفوهة مليئة بالمياه المتجمدة قرب القطب الجنوبي، وهو ما مكن العلماء من التحقق من توقعاتهم بشأن لمياه المتجمدة.

لكن لم يكن الأمر كذلك حتى مهمة “تشاندريان 1” الهندية التي أرسلت مركبة غير مأهولة إلى القمر عام 2008، حيث أصبح الباحثون واثقين من وجود جزيئات الماء على سطح القمر الجاف، على عكس ما كانوا يعتقدون في الأصل.

وبالإضافة إلى ذلك عثرت المركبة الفضائية الصينية “تشانغ إي 4” على دليل على وجود حفرة واسعة مدفونة قرب القطب الجنوبي للقمر ناتجة عن اصطدام عنيف في وقت مبكر من حياتها، والتي يتوق العلماء لمعرفة المزيد عنها.

وبصرف النظر عن كونه حاسما لبقاء الإنسان على قيد الحياة، يقود الجليد المائي الاهتمام المشترك بين الدول المتنافسة، فإذا كان موجودا بكثرة ويمكن الوصول إليه، فقد يكون موردا قيّما للمستوطنات البشرية على القمر واستكشاف النظام الشمسي.

وتستخدم ناسا هذا النوع من الوقود في صاروخها الجديد “إس إل إس” الذي سيعيد رواد الفضاء إلى القمر، وإذا أمكن نزع الجليد من تربة القمر فسيمكن تقسيم مكوناته إلى هيدروجين للوقود وأكسجين للتنفس، ويمكن للقمر أن يصيح يوما ما مصدرا محتملا لمياه الشرب وتبريد المعدات وتوفير الأكسجين للمستوطنات البشرية.

وتَعتبر وكالات الفضاء والشركات الخاصة المياه المتجمدة على القمر أمرا بالغ الأهمية للتزود بالوقود للصواريخ، والاكتشافات العلمية المستقبلية، وإنشاء مستعمرة على القمر، والتعدين على سطح القمر، والبعثات المحتملة إلى المريخ، كما يمكن أن توفر جيوب الجليد المائي القديم سجلا للبراكين القمرية، والمواد التي حملتها المذنبات والكويكبات إلى الأرض، وأصل المحيطات.

واعتمادًا على طبيعة الجليد الذي اكتشفته المهمات السابقة في القطب الجنوبي، فمن المرجح أن يحمل رواد الفضاء أدوات لجمع بعض منه وإعادته إلى الأرض، وقد تتطلع بعثات “أرتميس” المستقبلية بعد ذلك إلى الاستفادة من هذا بشكل أكبر كمورد.

وتحرص الشركات الخاصة والبلدان أيضا على استخراج المعادن التي يحتمل أن تكون صالحة للاستخدام على سطح القمر واستخدامها من قبل رواد الفضاء لبناء بنية تحتية سيحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة هناك.

يمكن أيضا استخراج المعادن الأرضية النادرة، فهناك أدلة على وجود “الهيليوم 3′′، وهو رغم ندرته على الأرض فإنه متوفر بكثرة على القمر ويمكن استخدامه نظريا لتشغيل مفاعلات الاندماج النووي، بل يمكن أن يزود الأرض بأكملها بالطاقة لعدة قرون.

وسبق أن أشارت معدات التحليل الكيميائي الموجودة على متن المركبة الهندية الجوالة “براغيان” -وهي بحجم حقيبة السفر فعلا- خلال مهمة “تشاندريان 3′′، إلى وجود الكبريت والألمنيوم وحديد الكالسيوم والتيتانيوم والمنجنيز والكروم والأكسجين في التربة القمرية، وحفزت هذه الاكتشافات الاهتمام المتجدد باستكشاف القمر، وعلى وجه الخصوص القطب الجنوبي.

سباق اللاعبين الكبار

حفَّز وجود الماء على القمر بشكل خاص والحصول على مواده الأخرى عددا من الدول والشركات التجارية على استكشافه، لكن المنافسة الأكبر تدور بشكل خاص بين الولايات المتحدة والصين، اللتان تضعان أنظارهما على القطب الجنوبي للقمر، ويأملان -من بين دول أخرى منافسة- أن يحققا في بعض أسرار القمر الأكثر إثارة للاهتمام وربما حتى استغلال ما يجدونه.

وعلى الرغم من أن الصين أطلقت أول مهمة تجارية إلى القمر في عام 2014، فإن مهمة “مانفريد” القمرية الممولة من القطاع الخاص كانت عبارة عن قمر صناعي صغير للتحليق قرب القمر الذي بنته شركة “لاكس سبايس” في لوكسمبورغ.

ومع ذلك، كانت أول مهمة تجارية أميركية مخطط لها إلى القمر أكثر طموحا، ففي يناير/كانون الأول من هذا العام، أطلقت شركة “أستروبوتيك تكنولوجي” مهمة “بيريغرين 1” القمرية، لكنها فشلت في تحقيق هدف الهبوط التجاري الأول على القمر بسبب تعرضها لتسرب وقود بعد وقت قصير من الإطلاق، واحترقت في الغلاف الجوي للأرض فوق جزء بعيد من جنوب المحيط الهادي.

وكادت المركبة الفضائية “أوديسيوس” (التي طُورت مقابل 118 مليار دولار) -وهي المرحلة الأصعب من مهمة “آي إم 1” التابعة لبرنامج الخدمات التجارية للحمولة القمرية التابع لوكالة ناسا- تواجه نفس المصير، حيث واجهتها مشكلات عدة، وتعثرت أثناء محاولتها الهبوط، وسقطت على أحد جوانبها بدل الهبوط عمويا، ولم تتمكن من أداء مهمتها في البحث عن المياه القمرية، ليؤكد بعدها الرئيس التنفيذي لشركة “أنتيوتف ماشينز” ستيف ألتيموس أن المسبار بات موجودا على سطح القمر، وبعد انتظار وترقب أرسل المسبار صوره الأولى من أقاصى جنوبي القمر؛ صورتان إحداهما لهبوط مركبة فضائية، والثانية بعد 35 ثانية من انقلابها على جانب واحد.

توضح انتكاسات الولايات المتحدة في السباق إلى القمر مع الصين الصعوبات التي تواجهها الدولة الوحيدة التي وطئت قدمها القمر، وتختبر خطط ناسا للمراهنة على إستراتيجية جديدة تعتمد بشكل كبير على الشركات الخاصة.

وكانت آخر الرحلات المأهولة إلى القمر هي بعثات أبولو الأميركية، عندما كانت وكالة ناسا تمتلك جميع المركبات الفضائية المعنية، لكنها تعتمد اليوم بشكل كبير على شركات أخرى مثل “سبيس إكس” التابعة لشركة يملكها إيلون ماسك (والتي ستدفع لها مقابل استخدام مركبة الهبوط الفضائية على سطح القمر “ستارشيب”) لخفض كلفة مهماتها القمرية.

وليس من المستغرب أن التأخير الجديد المعلن مؤخرًا لمهمة “أرتميس 2” -والذي أجَّل خطط هبوط 4 رواد فضاء على سطح القمر التي كان مقررا إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 إلى سبتمبر/ أيلول 2026 على أقرب تقدير- أنتج عبارة “سباق القمر” بين الولايات المتحدة والصين.

ومقارنةً بالولايات المتحدة، تعد الصين وافدا جديدا نسبيا إلى سباق الفضاء، لكنها من أكثر الدول طموحا، حيث يقع القمر نصب أعينها، وبعد مهمتين مداريتين ناجحتين في عامي 2007 و2010، هبطت بمركبة “تشانغ إي 3” غير المأهولة في عام 2013، وبعد 6 سنوات أصبحت “تشانغ إي 4” أول مهمة تهبط على الجانب البعيد من القمر.

أعادت المركبة الآلية “تشانغ إي 4” عينات قمرية إلى الأرض في عام 2020، وستعيد “تشانغ إي 6” -التي سيجري إطلاقها في مايو/ أيار من هذا العام- العينات الأولى من الجانب البعيد للقمر.

لم تقم الصين بأي رحلة فضائية مأهولة منذ 2003، لكنها حققت منذ ذلك الحين تقدما هائلا، فقد قامت ببناء محطة مدارية خاصة بها بعد أن حظر الكونغرس الأميركي كل أشكال التعاون العلمي بين وكالة ناسا والصين في عام 2011، مما يعني أن الصين فقدت إمكانية الوصول إلى محطة الفضاء الدولية.

ولا تتوقف طموحات الصين عند هذا الحد، فهي تهدف علنا إلى إرسال اثنين من رواد الفضاء إلى القمر قبل عام 2030، وهناك تقدم واضح في عدد من المجالات اللازمة لتنفيذ مثل هذه المهمة، بما في ذلك تطوير مركبة إطلاق جديدة مخصصة للبشر، ومركبة فضائية مأهولة من الجيل الجديد، ومركبة هبوط على سطح القمر، وتوسيع المحطات الأرضية.

وإلى جانب عدد من الشركاء، بما في ذلك روسيا وفنزويلا وباكستان، أعلنت الصين أيضا عن خطط لبناء محطة أبحاث خاصة بها بحلول عام 2030 تقريبا. وأعربت الولايات المتحدة عن مخاوفها بشأن طموحات الصين نحو القمر، خاصة إذا كانت البلاد ستقيم وجودا على القمر قبل الولايات المتحدة.

هذه المخاوف عبر عنها رئيس وكالة الفضاء الأميركية بيل نيلسون بقوله: “أعتقد أن الصين لديها خطة عدوانية للغاية، أعتقد أنهم يرغبون في الهبوط قبلنا، لأن ذلك قد يمنحهم بعض النجاح في العلاقات العامة، لكن الحقيقة هي أنني لا أعتقد أنهم سيفعلون ذلك”.

مع كل هذه المنافسة المحمومة بين الدولتين وغيرهما من القوى الفضائية الأخرى، ليس واضحا من الذي يمكنه المطالبة بامتلاك الموارد المرغوبة، فعادة ما يُنظر إلى معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، والتي توضح بالتفصيل القواعد التي تحكم الاستكشاف والاستخدام السلمي للفضاء، على أنها حجر الزاوية في قانون الفضاء الدولي.

ونصت المعاهدة الملزمة قانونا لأطرافها الذين يتجاوزون 100 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين، على أنه “لا يمكن لأحد أن يطالب بملكية كوكب أو قمر أو أي شيء من هذا القبيل”، وتحظر نشر أسلحة الدمار الشامل في الفضاء، لكن أجزاء من المعاهدة يمكن أن تكون غامضة ومتروكة للتفسير، ليس أقلها أنه لا يوجد أي حكم من شأنه أن يوقف العمليات التجارية.

بالإضافة إلى معاهدة الفضاء الخارجي، توصلت تحالفات من الدول المختلفة إلى مجموعات من القواعد الخاصة بها. وفي عام 2020 قدمت الولايات المتحدة مجموعة من المبادئ لاستكشاف القمر واستخدام موارده عُرفت باسم “اتفاقيات أرتميس”، وهي إطار متعدد الأطراف غير ملزم بين الولايات المتحدة وأكثر من 30 دولة أخرى، لكن الصين ورسيا لم تكن من بين الدول الموقعة على الاتفاقية.

ولكن حتى لو اتفق الجميع على الأرض على مجموعة من القوانين المتعلقة بالفضاء الخارجي، فإن تنفيذها الآن سيكون قضية أخرى، فقبل أن تتمكن أي دولة من إثبات وجودها على القمر أو المطالبة بثرواتها، يتعين عليها التغلب على بعض التحديات الصعبة التي تحول دون تلبية حتى أبسط متطلبات الحياة البشرية خارج نطاق طاقم المحطة الفضائية، وهذا يجعل استعمار الفضاء أبعد حتى من الخيال العلمي الذي نشاهده في أفلام هوليود.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here