النور أحمد النور ومحمد المنشاوي
أفريقيا برس – السودان. الخرطوم، واشنطن- اعتبر مراقبون أن إستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه أفريقيا وإقرار الكونغرس خطة استخبارية بشأن السودان تعد تطورا يعكس اهتماما متأخرا من واشنطن بالأزمة السودانية، وسعيها لمنع تمدد النفوذ الروسي والصيني وتأمين الحصول على المعادن الحيوية النادرة للصناعات الأميركية.
فبعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية قبل نحو عام، لا تزال الأجهزة والمؤسسات الأميركية المعنية بصياغة السياسة الخارجية والأمن تجاه أفريقيا شاغرة، سواء في الخارجية أو غيرها، كما خفض ترامب حجم المساعدات التي كانت تقدم عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
غير أن تمدد النفوذ الروسي والصيني في القارة السمراء، وتدهور الأوضاع الأمنية في مواقع لديها أهميتها الجيوسياسية مثل السودان، أيقظ واشنطن، إذ باتت تخشى من تحول الشريط الممتد من القرن الأفريقي شرقا إلى الساحل الأفريقي غربا إلى ساحة للتطرف والإرهاب، وتهديد الأمن في البحر الأحمر، واستهداف مصالحها في المنطقة.
مرتكزات الإستراتيجية
تعكس قيادة الولايات المتحدة للمجموعة الرباعية -التي تضمها إلى جانب السعودية ومصر والإمارات- عودة السودان إلى دائرة الاهتمام، إذ أقرت إدارة ترامب مؤخرا إستراتيجيتها للأمن القومي والتي تستند على فلسفة “أميركا أولا” وتضع السيادة والمصلحة الوطنية والواقعية البراغماتية فوق ما تصفه بـ”العولمة الفاشلة” والتوسع المفرط للإدارات السابقة.
وتحدد الإستراتيجية حزمة من المبادئ التي توضح نهجها، وأبرزها مبدأ “السلام من خلال القوة” باعتباره أساس الدبلوماسية الفعالة، وتستشهد الوثيقة بدور ترامب كـ”رئيس السلام”، مدعية الفضل في إنهاء 8 نزاعات خلال 8 أشهر.
وفي ما يخص أفريقيا، نصت الوثيقة على:
الانتقال من علاقة تستند على المساعدات والأيديولوجيا إلى علاقة ترتكز على التجارة والاستثمار.
الشراكة مع دول مختارة وقادرة، وإعطاء الأولوية للاستثمار الأميركي في قطاعات الطاقة وتطوير المعادن النادرة.
المساعدة في حل النزاعات دبلوماسيا وتجنب الالتزامات العسكرية طويلة الأمد.
الاهتمام بالسودان
وتزامنا مع عرض إستراتيجية الأمن القومي، أقر الكونغرس الأميركي ضمن مشروع قانون الدفاع السنوي بندا خاصا بالسودان تحت عنوان “خطة لتعزيز دعم الاستخبارات لمواجهة النفوذ الأجنبي الذي يهدف إلى استمرار أو توسيع النزاع في السودان”، في خطوة تعكس تنامي القلق الأميركي من تعقيدات الأزمة السودانية وتداعياتها الإقليمية.
وبحسب القانون يُلزم الكونغرس مدير وكالة المخابرات الأميركية وبالتنسيق مع بقية الأجهزة الاستخبارية بوضع خطة متكاملة خلال 90 يوما من دخول القانون حيّز التنفيذ، تهدف إلى رصد ومواجهة التدخلات الأجنبية التي تسعى لإطالة أمد الحرب في السودان أو توسيع نطاقها.
وترتكز الخطة على محورين رئيسيين:
مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الحلفاء الإقليميين والشركاء الدوليين بشأن أي جهود أجنبية لتغذية الصراع، بما في ذلك خفض أو رفع السرية عن معلومات محددة، لتعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي.
جمع وتحليل معلومات إضافية تمكّن الحكومة الأميركية من إحباط محاولات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار السودان والمنطقة، في إطار حماية الأمن القومي الأميركي والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
ويعتقد الباحث والمحلل السياسي خالد سعد أن السودان لم يكن غائبا عن الحسابات الأميركية، وإنما ظل حاضرا في عقلها الإستراتيجي ضمن رؤى متباينة نحو أفريقيا، وبات أكثر وضوحا في الإستراتيجية الأميركية للأمن القومي في ولاية ترامب الحالية.
ودل على ذلك -حسب قوله- تخصيص حيز معتبر للقارة الأفريقية، بوصفها ساحة مركزية في التنافس الدولي، إذ يقع السودان في قلبها من ناحية الموقع والموارد والدور المحتمل.
ويوضح الباحث في حديث للجزيرة نت إن “الإستراتيجية الأميركية تظهر أن السودان لا يمكن تجاهله في لعبة المعادن الحيوية الأفريقية، لكنه بحاجة إلى إستراتيجيات وطنية قوية تضمن تطوير الصناعة المحلية، والقدرة على حماية مصالح طويلة المدى، ومفاوضات متوازنة مع الشركاء الدوليين”.
وحسب الباحث فإن “غياب التوافق الوطني حول أولويات التنمية، يجعل أي شراكة خارجية خصوصا في الموارد الحيوية مرشحة لإعادة إنتاج النزاعات بدل إخمادها، عبر تغذية اقتصاد الحرب، وتكريس شبكات مصالح ضيقة، وتعميق الشعور بالتهميش الجهوي والاجتماعي”.
أولويات
يرى الأستاذ الجامعي المهتم بالشؤون الأفريقية إسماعيل الأمين أن “التجاهل الدولي للمأساة السودانية خلال الفترة السابقة لم يكن خللا استثنائيا، بل نتيجة مباشرة لموقع السودان خارج دوائر الأمن الحيوي للقوى الكبرى”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن “غياب تهديد مباشر لتوازن القوى جعل الأزمة السودانية لا تنال الاهتمام الأميركي والغربي عموما، مهما بلغت كلفتها الإنسانية، بينما تتحوّل أوكرانيا إلى أولوية أمنية قصوى لكونها تمسّ أمن أوروبا وحلف الناتو”.
ووفقا للباحث الجامعي فإن “إستراتيجية واشنطن تجاه أفريقيا والسودان تستهدف إخماد الحرائق حتى لا تتضرر مصالحها في المنطقة، وإدارة النزاعات لا حلها لإبقاء خيوط اللعبة في يدها، وتأمين الحصول على المعادن النادرة لصناعاتها، والتدخل عبر شركائها في المنطقة”.
أما كاميرون هدسون، المسؤول السابق بمجلس الأمن القومي المختص بأفريقيا، والخبير في مركز السياسات الدولية والإستراتيجية بواشنطن، فيعتقد أن إدارة ترامب لا تملك رؤية لإنهاء الحرب في السودان، على الرغم من أنها حددت أهدافا واسعة بشأن تحقيق وقف إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية.
واستبعد هدسون في حديثه للجزيرة نت أن ينطلق ترامب بعيدا لتحقيق أهدافه العامة، التي قد تتسبب في إزعاج العلاقات الأكثر أهمية التي تربطه بالدول الإقليمية، وبرأيه “لم يكترث ترامب بالسودان حتى جاءت قمة البيت الأبيض التي جمعته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”.
وكانت الولايات المتحدة قد شاركت في التحركات المتعلقة بالسودان كعضو في المجموعة الرباعية، لكن ترامب لم يمارس نفوذا مباشرا على الأطراف الداعمة للصراع بالمال والسلاح، وفقا لهدسون.





