“أزمة الشرق”.. من المُستفيد من إغلاق الطرق والموانئ؟

90

بقلم: خالد الفكى

أفريقيا برسالسودان. تدخل أزمة شرق السودان في شهرها الثاني، ولم تراوح مكانها بعد. لا حلول في الأفق، تداعيات انسحبت على الأوضاع الاقتصادية لتشكل هاجساً للمواطن بسبب انعدام وشح سلع استراتيجية، كما أن العقدة السياسية تزيد تعقيداً مع مخاوف بتفجر الوضع أمنياً لتطاول عدم حل ملف الشرق في ظل صمت حكومي وتحركات دولية ومحلية لطي الخلاف الناشب بين الأطراف المتناحرة.

ولاءات أجنبية

دون شك بأن إغلاق الطرق والموانئ أثّر سلباً على حركة التجارة والاقتصاد بشكل مباشر، وقاد لشح في كميات المواد الاستراتيجية المتعلقة بمعاش المواطن وذلك وفقاً لخبراء في الاقتصاد.

الدكتور عبدالله الرمادي، أستاذ العلوم الاقتصادية بالجامعات السودانية

ويرى الخبير الاقتصادي وأستاذ الدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالله الرمادي، لـ’’أفريقيا برس’’، إن الأزمة السياسية هي السبب الرئيس في ما يجري في الشرق. ونوه الرمادي للتأثيرات السلبية للإغلاق؛ تشمل تصاعد ارتفاع معدلات سعر الصرف مقابل الجنيه السوداني، إضافة إلى مخاوف التردي الأمني والاجتماعي. وشدد بأن الوضع الماثل يهدد الأمن القومي الاستراتيجي بإهدار الموارد الوطنية مثل الذهب، لافتاً أن السودان مصنف من  الدول التي تنقذ العالم من كارثة المجاعة.

ولجأ مجلس تنسيق قبائل البجا لإغلاق الموانئ الرئيسية على ساحل البحر الأحمر والطريق الرابط بين الميناء ومدن البلاد الأخرى للضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبه.

واتهم الرمادي قوى دولية بالوقوف خلف أحداث الشرق، لاجباره على القبول بمعونات من القمح والسيطرة على اقتصاده بتدفق منتجات جديدة على السوق السوداني. وأبدى أسفه لعدم وجود انتماء للوطن وهرولة الكثيرين للتجارة من وراء بيع الولاء بثمن بخس دون النظر لأوضاع المواطن ومعاناته المتعلقة بالمعاش اليومي.

وتعاني العاصمة التي تحتضن أكثر من ربع أعداد السودانيين من أزمة في توفير الدقيق للمخابز جراء؛ إغلاق الشرق.
وتوقع الخبير الاقتصادي دخول البلاد في مرحلة الانسداد الاقتصادي بارتفاع غير مسبوق للسلع والعملات الأجنبية، محذراً من مسالك الساسيين الضارة بوحدة الوطن. هذا وأعلنت وزارة التجارة والتموين؛ وصول 10 آلاف طن قمح من الولاية الشمالية إلى الخرطوم لحل مشكلة نقص وشح الخبز.

الدكتور محمد عباس – رئيس شعبة مصدري الحبوب الزيتية

في المقابل رئيس شعبة مصدري الحبوب الزيتية، محمد عباس، يوضح أن الإغلاق عطل تصدير محاصيل جاهزة بالمخازن والغرابيل في بورتسودان متعاقد عليها مع زبائن للسلع الزراعية.

وأفاد عباس وهو أيضا عضو المكتب التنفيذي للغرفة القومية للمصدرين خلال حوار مع ’’أفريقيا برس’’، أفاد عن “مخاوف فقدان ثقة العملاء وكبار المشترين لسلعنا”. و أضاف: ” فقد الثقة هي أكبر خسارة تحصل في تاريخ صادرات السودان”.
وأشار لتراكم الديون بالمليارات على المصدرين لحجز ارضيات لبضائع معدة للتصدير، مضيفاً: ” هذا دمار وخسائر كبيرة للمصدر”. ونوه أن الاغلاق يفقد الخزينة العامة نحو 4 مليار دولار عائدات لصادرات القطن والفول والسمسم، ويفتح باب التهريب والسماسرة.

تحركات مخابراتية

محمد علي فزاري – كاتب صحفي ومحلل سياسي

بالنظر للوضع من زاوية سياسية، ومن المستفيد من تدهور الوضع في الشرق، يعتقد الصحفي والمحلل السياسي محمد علي فزاري أن قوى داخلية وخارجية مستفيدة من ما يجري. وقال فزاري لـ’’أفريقيا برس’’، أن استمرار تأجيج الصراع في الشرق يفيد دولاً بالجوار والإقليم، ومناصري النظام البائد الذين لا يرغبون في استكمال فترة الانتقال. وأضاف” تعقيدات في كافة المسارات بالشرق تخدم قوى خارجية ربما هي التي تخطط لها”.

ويصطف العشرات أمام المخابز للحصول على الخبز، كما تقف سيارات في صفوف طويلة في مدينة بورتسودان للحصول على الوقود في ظل ندرة شديدة خاصة في مادة البنزين.

عثمان حيدر – خبير في اقتصاد النقل في القاهرة

من جهته أكد الخبير في اقتصاد النقل في القاهرة، عثمان حيدر؛ “بعدم خسارة الشرق ولا بورتسودان ميزتها التفضيلية مقارنة بموانئ مصر”. ويُشير حيدر لـ’’أفريقيا برس’’، بأن استخدام الموانئ المصرية تتطلب نقلاً بريً عالي التكاليف لأن أسعار المحروقات بعد رفع الدعم قلبت الموازين.

ولفت حيدر إلى أن عملية التفريغ والتفتيش وإعادة الشحن في المعبر يستهلك زمناً وتكاليفاً عالية لمحدودية العمالة والمعدات. وأضاف” لذلك سيظل لميناء بورتسودان الميزة التفضيلية والتنافسية ليس للسودان فقط، وإنما لدول العمق الأفريقي وجنوب السودان وإثيوبيا أيضاً”. ودعا حيدر لفتح قاعة التفاوض والتوافق بين الفرقاء لأجل مصلحة السودان.

ويشدد بأن موقع موانئ البحر الأحمر ليس للسودان فقط وإنما لكل دول الجوار الغربي والجنوبي والعمق الأفريقي لانبساط الأرض وسهولة الطرق وخلوها من التضاريس الوعرة. وأوضح أن موقع الميناء له مواصفات يتضمن خلوه من الشعب المرجانية وهي المنتشرة على طول ساحل البحر الأحمر عدا هذا الموقع. و أضاف: “وما يليه العين السخنة شرقي القاهرة على مسافة بعيدة تتجاوز الألف كيلومتر”.

وقال حيدر بأنه عبر تحويل حركة التجارة السودانية (صادرات وواردات) للموانئ المصرية ستكون جميع المعلومات الاقتصادية والاجتماعية والغذائية وسلوكيات المجتمع متاحة لأجهزة المخابرات المصرية. وأردف: “من الطبيعي أن يعرف من يعمل في موانئ دبي العالمية بالأرقام كل صادرات السمسم والجهات المصدرة والكميات والمواصفات”. وأكد لـ’’أفريقيا برس’’، أن 90% من السمسم السوداني يستهلك في الصين لذات الجهات المستوردة من الصين سنوياً، مضيفاً: “من باب الأمن القومي يجب أن تكون لبلادنا موانئها الخاصة بعيداً عن سيطرة أي دولة أخرى”.

تجاذبات سياسية

تبعات سياسية وأمنية واقتصادية خلفها إغلاق الموانئ والطريق، في الشرق ووفقاً لمراقبين فإن المستفيد الأول – الموانئ المصرية- التي باتت البديل لموانئ السودان المتوقفة. وتُشير معلومات بأن مخزون القمح بالشمالية يقدر بحوالي 30 ألف طن، فيما يكفي المخزون الموجود في موانئ بورتسودان حالياً لمدة 70 يوماً.

الدكتور عبدالقادر الجاز – صحفي ومهتم في شؤون شرق السودان

في المقابل يٌبين الصحفي والمهتم بشؤون شرق السودان، الدكتور عبدالقادر الجاز، بأن الأحداث في شرق السودان تصحبها جملة من التقاطعات. وأشار الجاز خلال حديثه لـ’’أفريقيا برس’’، إلى التجاذبات السياسية الحادة التي قادت إلى تعطيل وشل التنمية بمحاورها المختلفة. وتابع: “بعيداً عن الرؤية الاستراتيجية الوطنية التي تحتم على الأطراف الرافضة للمسار لوضع في الاعتبار أن أي خلاف زاد أمده سيتطور إلى مطالب”.

هذا وشرعت التجارة الداخلية، ومباحث التموين، وحماية المستهلك والأمن الاقتصادي؛ في تنفيذ مراجعات لمخازن السكر. ويعتقد الجاز بأن تلك المطالب تخصم من الرصيد الوطني وإتاحة الفرصة للمحاور للاستفادة من الهشاشة الأمنية إلى تحقيق مبتغاهم بكل سهولة ويسر. وأشار بأن هذا في النهاية الطعم يرجع لكل الأطراف بغض النظر عن المؤيد أو الرافض باعتبار أن السودان حالياً لديه نزاع مع أثيوبيا وإريتريا ليست ببعيدة عن هذا الملف.

وانتقد خبراء ومحللون اقتصاديون، ما وصفوه بتباطؤ الدولة في إيجاد مخرج للأزمات الاقتصادية، مؤكدين أن الأحوال تزداد سوءً والدولة بعيدة عن هموم المواطن. كما نوه الخبير في شؤون شرق السودان، “للذين ينظرون لمنطقة الفشقة ليلاً ونهاراً بأنها هي الملاذ الآمن لبلوغ الأمن الغذائي في المستقبل لهم، هل هؤلاء سيقفون مكتفي الأيدي”. وأردف: “على الشعب السوداني أن يضع في الاعتبار مهما اختلفنا يبقى الوطن خطا أحمرا”.

واضطرت وزارة التربية والتعليم لتقليص عدد ساعات الدراسة بمعدل (4) ساعات يومياً، بسبب عجز الطلاب عن الحصول على حصتهم من الخبز لوجبة الفطور. واتفق خبراء على أن ما يحدث في شرق السودان له خسائر اقتصادية فادحة، تمثلت في توقف حركة الصادر والوارد، وما نتج عنها من أضرار بالغة على المستوردين والمصدرين.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here