الجنائية الدولية.. الملاحقات قد تجلب حاكمين في الفترة الانتقالية

29
فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية

بقلم : خالد الفكي

أفريقيا برسالسودان. المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا لم تُهدر الكثير من الوقت عقب وصولها إلى العاصمة السودانية الخرطوم للمرة الثانية في أقل من نصف العام، حيث طارت مباشرة إلى الفاشر في دارفور لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين المحليين والاستماع إلى ضحايا النزاع الذي نشب في الإقليم العام 2003 واستمر لنحو عقد من الزمان ولا يزال وميض ناره مشتعلاً. بنسودا قالت في دارفور إن مثول المتهم علي كوشيب أمام المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته في الجرائم التي ارتكبت في دارفور لاعتبار أنه الشخص الأول مثولاً أمام المحاكمة، ولكنه لن يكون الأخير.

تسليم المطلوبين

بنسودا أكدت في الاجتماع الذي عقدته مع والي شمال دارفور محمد حسن عربي في مستهل برنامج زيارتها إلى ولايات دارفور التي تستمر ليومين، أكدت أن المحكمة الجنائية الدولية ستستمر في مطالبة حكومة السودان بتسليم جميع من صدرت في حقهم أوامر قبض بشأن الجرائم التي ارتكبت في دارفور.

وأقرت بنسودا بوجود تعاون جيد بين المحكمة الجنائية الدولية وحكومة السودان التي جاءت بعد التغيير السياسي، مؤكدة عزم المحكمة على استمرار ذلك التعاون من أجل تحقيق العدالة. وتطرقت إلى ما وصفته بالصعوبات التي واجهت المحكمة في سبيل سعيها لتحقيق العدالة لأسر الضحايا بدارفور، والتي قالت إنها وصلت ببعض الجهات في بعض الأحيان إلى التوصية بترك الأمر برمته، مشيرة إلى أن ذلك الموقف قد انعكس في عدم حصول المحكمة على الدعم اللازم لمتابعة قضية العدالة في دارفور.

وقالت بنسودا: “ولكنني والفريق العامل معي كنا على إيمان قوي بأن العدالة ستتحقق يوماً، وكان لدينا الإصرار لتحقيق ذلك بأن ينال الذين ارتكبوا تلك الجرائم جزاءهم العادل”. وأضافت: “وصولي إلى دارفور يعد بمثابة الحلم الذي تحقق، خاصة أنها جاءت بعد مضي ١٦ عاماً من إحالة مجلس الأمن الدولي قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية”.

مخيمات اللاجئين في إقليم دارفور بغرب السودان

وتوجهت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بالشكر لذوي الضحايا الذين أولوا المحكمة دعمهم وثقتهم التي قالت إنه لولاهم لما تم الوصول بالقضية إلى هذه المراحل. وكشفت بنسودا أن مهمتها بصفتها مدعيةً عامةً للمحكمة الجنائية الدولية ستنتهي في النصف الثاني من شهر يونيو القادم، مطالبة كافة الجهات ذات الصلة بمواصلة تقديم الدعم والثقة للمحكمة؛ حتى تتمكن من إنجاز مهمتها في دارفور.

بالمقابل قال الأمين العام لهيئة محاميي دارفور الصادق حسن، بشأن هل ستحقق الزيارة غرضها، قال لـ “أفريقيا برس” : “نعم هذا بناءً موضوعات الزيارة، حيث أن المدعية أعلنت أنها قبل أن تقدم بيانها الأخير لمجلس الأمن الدولي. وقبل مغادرتها لمنصبها كمدعية للمحكمة الجنائية بإكمال دورتين بأنها ترغب في زيارة دارفور ومسارح الجرائم المرتكبة والالتقاء بسكان المناطق المتأثرة بالجرائم المرتكبة، وهذه صارت ممكنة ولا قيود عليها ولا على زيارتها المتوقعة.

وبشأن وجود أي تحديات ربما تعطل تحقيق العدالة والاقتصاص من المطلوبين وعلى رأسهم البشير، أوضح حسن أن التحديات لم تعد كما كانت في السابق، مضيفاً “بل هناك تعاون مع السلطة القائمة، كما وهناك أيضاً معلومات قد تكون صحيحة عن زيارة غير معلنة لفاتو في الأسابيع الماضية”. ولفت إلى أنه قد تتقاعس الحكومة لتقديرات لا علاقة لها بالقضية أو الضغوط الاجتماعية عليها، ولكن هذه قد لا تحول دون إكمال إجراءات التسليم ومثول المطلوبين لدى الجنائية.

وحول رؤية البعض أن ملف الجنائية تحول إلى ملف سياسي لابتزاز قادة الفترة الانتقالية، نفى الأمين العام لهيئة محامي دارفور هذا الأمر. وتابع” ليس صحيحاً”. وقال “ولكن إذا كانت هناك بينات في مواجهة من يجلسون في السلطة الآن فإن القانون يحدد كيفية التعامل معهم وفي إطار البينة المتوفرة، المطالبة بتسليم البشير لغرض المحاكمة قد تدفع البعض من ذوي المصلحة للاصطياد في الماء العكر”.

وأضاف: “مثل محامي البشير الذي لوّح بالقول مثول البشير أمام محكمة الجنايات الدولية قد يأتي بآخرين، هذا ابتزار يخالف أخلاقيات مهنة المحاماة، كان المفيد لمحامي البشير محمد حسن الأمين أن يسدي لموكله النصح، ويطلب منه أن يسلم نفسه طواعية للمحكمة بدلاً من إرسال الرسائل الابتزازية المعيقة لتسليم الحكومة للمطلوبين”.

ضغط سياسي

المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي

هذا ويرى مراقبون أن المحكمة الجنائية قد سيست قضية دارفور، حيث تحول الملف تاريخياً إلى محاكمة للشعب السوداني وفرض الحصار عليه طوال عقود، كما يعتقد البعض أن ملف الجنائية حالياً يمثل ابتزازاً لقيادات المرحلة الانتقالية، كما أن محاكمة البشير عبر الجنائية ستفتح الطريق إلى جلب أشخاص آخرين ممن هم حالياً في السلطة.

الصحفى والمحلل السياسيى مجاهد عبدالله يعتقد خلال حديثه لـ “أفريقيا برس”، أن المحكمة الجنائية هي أصلاً أنشأتها الدول الغربية لتمارس بها الضغط السياسي على الأنظمة في دول العالم الثالث لتنفيذ أجندتها، وهي نوع من أنواع الاستعمار الجديد لكن في نفس الوقت لا تستطيع تلك الدول الغربية استخدامها إلا بوجود تجاوزات للأنظمة الحاكمة، مُبيناً أنه لا يمكن أن تستخدم في حالة أن يكون النظام السياسي عادلاً وراشداً، وبالتالي فإن الدول الغربية لا تتحرك إلا في حال وجود تغرة محددة وأقرب مثال استخدامها في حالة السودان.

وأشار عبدالله إلى أن نظام البشير قام فعلا بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور، ولذلك وجدت الدول الغربية هذه الثغرة لتمارس عليه ضغوط شديدة لتنفيذ أجندتها التي تمثلت في انفصال جنوب السودان ولا تزال تستخدمها إلى يومنا هذا، إلى جانب ذلك كله فإن العالم الغربي يتحرك في حال عجز القضاء في دول الثالث من محاكمة مرتكبي هذه الجرائم، فالشاهد أن نظام البشير كون وقتها لجنة وطنية للتحقيق في جرائم دارفور وهذه اللجنة التي كان على رأسها المرحوم مولانا دفع الله الحاج يوسف كانت مهنية جداً، ووصلت إلى نتائج تؤكد بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور، ولكن نظام البشير رفض اعتماد ذلك التحقيق لأنه في النهاية سيؤدي إلى محاكمة الرئيس نفسه، ومن هنا تدخلت المحكمة الجنائية الدولية.

وأفاد الصحفي والمحلل السياسي مجاهد عبدالله بأن المحكمة الجنائية لا تحاكم الشعب السوداني وإنما تحاكم من ارتكبوا جرائم في حق الشعب السوداني. في وجهة نظري تقصير الأنظمة السياسية في إرساء العدالة هو من أدى إلى تدخل الجنائية في الشأن السوداني. وتابع بالقول “وهي الآن أيضاً تضغط على النظام الحالي لأنه على قمته أشخاص مشتبه بهم في مجازر دافور في العام 2003”.

ولم يستبعد خضوع ووقوع النظام الحالي تحت قبضة الجنائية، وقال: “ما يعني أن نظامنا السياسي الحالي هو أيضاً عرضة لابتزاز المحكمة الجنائية إذا لم تكن المؤسسة القضائية نزيهة وتقوم بمهامها”، مُضيفاً: “وإذا لم يتم تقديم أي مجرم ارتكب جرماً في حق الشعب السوداني ليُحاكم محاكمة عادلة، ثم أن الابتزاز دائماً يكون للمجرمين الذين يحاولون الإفلات من العقاب فهم عرضة للضغوط لتنفيذ أجندة الخارج واختطاف الدول”.

ويعتقد عبدالله بأن صعود أي شخص مشتبه به في جرائم حرب وإبادة جماعية إلى قيادة الدولة العليا سيجعل السودان دولة ضعيفة فاقدة للإرادة الوطنية مختطفة من قبل شرذمة لفرض أجندة ضارة ليس للشعب السوداني أي علاقة بها بل وقد تؤدي الى تمزق السودان إلى دويلات.

رسالة بنسودا

فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية

القيادي بالتحالف السوداني والجبهة الثورية والناطق الرسمي لحركة جيش تحرير السودان قيادة خميس عبد الله أبكر، أحمد عيسى، قال لـ “أفريقيا برس”، تعليقاً على لقاء مدعية الجنائية الدولية بحاكم دارفور مني أركو مناوي، دون شك ترتكز على رسالة واحدة فقط تتمثل في “العدالة أولاً”، مشيراً إلى أن العدالة أولاً إنصاف لأرواح ضحايا الإبادة الجماعية في إقليم دارفور من ثم المصالحات القبلية لكي لا تتكرر جريمة الإبادة الجماعية وهي جريمة دولية.

ويرى عيسى أن العدالة أولاً التي تبدأ بمثول مجرمي الحرب المطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية أما المحكمة الجنائية حسب ما جاء في إتفاقية جوبا لسلام السودان والتزامات الحكومة الانتقالية ممثلة في مجلس السيادة ومجلس الوزراء ومطلب العدالة هو المطلب الثالث لثورة ديسمبر المجيدة التي قدمت من أجله أرتالاً من الشهداء والمفقودين والجرحي لتحقيق “الحرية والسلام والعدالة”.

وشدد القيادي في تحالف الجبهة الثورية المشارك في الحكومة الانتقالية بأن موقف القادة العسكريين الميدانيين لمسار دارفور في كل الحركات تحديداً الجبهة الثورية و التحالف السوداني، يتمحور بشكل رئيس على الأمن والعدالة بجانب المصالحات بدون المؤتمر الوطني مركز الإرهاب العالمي، بالإضافة إلى تحقيق التنمية والإعمار، وعودة النازحين واللاجئين لقراهم بدارفور.

كما أفاد عيسى بأن الأمن أولاً يبدأ بتنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاقية جوبا لسلام السودان وتكوين القوة الوطنية لحماية المدنيين لأن القتل والتشريد مستمر حتى الآن وبحضور وشهادة مدعي عام محكمة الجنايات الدولية تحديداً ما يحدث الآن في “فور برنقا” بغرب دارفور و كبكابية بولاية شمال دارفور والتكينة وقريضة بولاية جنوب دارفور أما مدنية الجنينة و مستري براكين تلفظ الحمم رأس كل ساعة قابلة للانفجار الكبير والشامل والذي يمكن أن ينسف اتفاقية جوبا لسلام السودان في لمح البصر. لذا يجب الإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاقية جوبا لسلام السودان وتكوين القوة الوطنية لحماية المدنيين في دارفور قبل فوات الأوان.

وكانت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة وصلت الخرطوم السبت في زيارة للسودان تستغرق أسبوعاً تعقد خلالها عدداً من اللقاءات مع كبار المسئولين بالبلاد، كما تقوم خلالها بزيارة ولايات دارفور.

وفجّر الرئيس المعزول عمر البشير معلومات جديدة عما يتردد حول تسليمه للمحكمة الجنائية، وقال إنه لا يخشاها. وتابع “الجنائية أحسن لينا من الظروف الحالية”. بالمقابل شدد حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، على ضرورة تسليم كل المتهمين بالجرائم ضد الإنسانية على رأسهم عمر البشير وأحمد هارون إلى محكمة الجنايات للانضمام إلى المتهم علي عبد الرحمن المعروف بـ علي كوشيب.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here