بدرة قعلول لـ”أفريقيا برس”: الدواعش صناعة أميركية وغريب أمر اختفاء الإرهاب في ليبيا

11
بدرة قعلول لـ
بدرة قعلول لـ"أفريقيا برس": الدواعش صناعة أميركية وغريب أمر اختفاء الإرهاب في ليبيا

إلهام اليمامة

أفريقيا برس – تونس. على خطى غيره من مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا، فشل عبدالله باتيلي في تحقيق اختراق، ولو بسيط في الأزمة السياسية في ليبيا. وفيما أرجع باتيلي أسباب فشله إلى “تشبث قادة ليبيا بمناصبهم ومواقعهم”، يعتبر متابعون ومسؤولون ليبيون أن أي مبعوث أممي آخر سيواجه نفس الفشل، وأن “نصائح” المجتمع الدولي وتوصياته لم تعد تفيد وذلك لأن مفاتيح الاستقرار المنشود في ليبيا لن تأتي إلا من الداخل بينما القوات الدولية لا تعمل إلا على المزيد من تأجيج الوضع.

أكّد على ذلك مسؤولون وممثلون من طرفي النزاع في ليبيا، اجتمعوا مؤخّرا في تونس، في ملتقى نظمّه، المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية (مستقلّ). وكان لـ”أفريقيا برس”، لقاء مع مديرة المركز، الدكتورة بدرة قعلول التي خصّتنا بتفاصيل هذا الملتقى (9-10 فبراير 2024)، وما تبعه من اجتماعات ولقاءات وحوارات على امتداد الفترة الماضية، مؤكّدة أنها شخصيّا تفاجأت من نتيجة هذا الملتقى، وهي التي كانت تتوقع أنها ستلاقي صعوبة في “إيجاد نقطة تفاهم تجمع الفرقاء الليبيين”.

“أفريقيا برس”: لماذا تم اختيار المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية لتنظيم مثل هذا الملتقى الدولي ومن وقف وراء تمويله؟

الملف الليبي من أولويات المركز ويشتغل عليه منذ سنة 2015، وذلك لأن ليبيا هي تونس في عمقها الأمني والاستراتيجي، وقد سبق أن نظم المركز على مدار السنوات الماضية لقاءات حول الأزمة في ليبيا من أهمها ملتقى دوليا حول القوات الأجنبية في ليبيا ودور الدواعش (2021).

وتم تنظيم الملتقى الأخير، الذي جاء تحت عنوان: “”رؤية استشرافية للأجيال لقادمة” برعاية ليبية. وجاء بطلب من مجموعة من الأشقاء الليبيين توجهوا للمركز وقالوا صراحة: “يجب أن تلعب تونس دورها الريادي في الأزمة الليبية”. وقالوا لأول مرة “نحن من يريد أن يستضيف المجتمع الدولي وليس العكس لأنه تعودنا أن المجتمع الدولي يدعونا إلى طاولته ويعطينا الحلول. لكن فشلت كل حلوله. نحن الليبيون الأقدر على حل أزمتنا لأننا أدرى بخصوصية بلادنا ومجتمعنا ونتطلع إلى الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي الاقتصادي، والتنمية للأجيال القادمة”.

وتكشف حيثيات اللقاء الذي، حضره ممثلون من عدة دول (مصر، الجزائر، تشاد، النجير، أوغندا، العراق، الأردن، باكستان، تركيا، الصين، ممثل عن الأمم المتحدة)، جدية في التعاطي مع المسألة ترجمتها مخرجاته، والانطلاق في تكوين لجان متابعة مختصة.

من الجانب الليبي كان هناك حضور كبير هام ولافت عن كل المكونات من الشرق والغرب والجنوب والوسط ومن أغب المؤسسات، وتم يوم 10 فبراير الجلسة المغلقة التي اعتبرها مهمة جدا وهي جلسة للخبراء والمجلس الأعلى، بعض مكونات المجتمع الليبي وفي أغلبها كان المجلس الأعلى (10) من البرلمان (10) ومن أبرز التوصيات التي خرج بها المجتمعون:

– دعم الاتفاق السياسي الليبي والعمل على حل جذري لإنهاء الانقسام السياسي باعتماد مخرجات لجنة 6+6 من اجل تنظيم انتخابات حرة ضمن رزنامة عمل محددة.

– المرور مباشرة إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية بتحديد موعد متفق عليه في أقرب الآجال

– تكوين لجنة قانونية وسياسية للعمل على التواصل مع المجتمع الدولي لإلغاء لفصل السابع المسلط على ليبيا

– إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة.

– توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية: وزارة الداخلية ووزارة الدفاع

– كل الحلول تكون بمقترحات (ليبية ليبية) بإشراك المجتمع الدولي باعتباره شريكا لا وصيا

– دعم حوارات السلام والاستقرار الليبي مع إعطاء أولوية الاجتماعات لتونس وإصدار كل المخرجات منها باعتبارها منصة لجمع كل الليبيين

– الإشراك الشامل للمرأة والشباب في العمل السياسي واتخاذ القرارات التي تخص المستقبل السياسي وعملية التغيير والتنمية والبناء على أساس المناصفة.

تونس منصة الحوار
“أفريقيا برس”: كان الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي من أكثر قادة المنطقة والعالم الذين أكّدوا على أن حل الأزمة الليبية يمر بنقطتين رئيستين لا ثالث لهما: الداخل الليبي وتونس وأي حل خارج هذا الإطار سيكون مصيره الفشل، إلى أي مدى تجسّد ذلك خلال الملتقى؟

أكثر المتدخلين والمتكلمين والحاضرين ليبيون وهذا يعتبر نجاحا لصالح ليبيا وأيضا لصالح تونس. تونس الدولة الوحيدة التي لم تتدخل ولم تبجّل مصالحها الخاصة على حساب الدولة الليبية. وأمنها من أمن ليبيا. تونس بقيت بنفس المسافة من الحياد. “نحن شعب واحد في بلدين”، كما قال الراحل الباجي قائد السبسي وهذا ما أكده الملتقى والليبيون المشاركون الذين اعتبروا أن “المصالحة في ليبيا لن تتم إلا عن طريق تونس ونحن اليوم في تونس من أجل ذلك”.

“أفريقيا برس”: جمعتم ما لم يكن يجمع من قبل. وهذا يؤكد أن هناك رغبة حقيقية في المرور نحو ليبيا أخرى.

كنت ترأست جلسة الافتتاح (10 فبراير) وخلت أني سأجد صعوبة في التوفيق بين الآراء لكن تفاجأت، بأطراف “متفاهمة”، وحتى لو كان هناك خلاف في نقطة معينة مباشرة يتم تداركه. الجميع كان يردد “يالله نتجاوز” من أجل ليبيا ومن أجل أولادنا. ولم يكن اختيار “رؤية استشرافية للأجيال القادمة” عنوانا للملتقى اعتباطيا، بل عكس جدية في التعامل مع الأزمة السياسية في ليبيا ورغبة ملحة في تجاوز الجمود والقطع مع الصورة التي سعى إلى ترسيخها المجتمع الدولي بخصوص التفرقة في ليبيا. بالعكس لم نلمس تلك “الأنانية” وما يروج عنه بتمسك كل طرف بمنصبه بل الجميع كان يؤكد “اليوم لا أفكر في نفسي ومصالحي الضيقة ومنصبي بل في أولادي وأجيال المستقبل كيف سيعيشون في دولة منهارة تنهشها الدول وتنهب خيراتها”.

“أفريقيا برس”: ما هي الرسالة التي يوجّهها الملتقى للمجتمع الدولي؟

أنتم لستم أوصياء. ومن يريد شراكة الند للند مرحبا به، أما من يريد الوصاية فهو غير مرحب به (البند 2 من التوصيات). كما تم التأكيد على ضرورة إخراج كل القوت الأجنبية والمرتزقة، وفتح ملف القواعد العسكرية وتحديد شروط الاستفادة منها.

هذه المرة قال الليبيون ما لم يكونوا قادرين على قوله قبل، بعد أكثر من 12 سنة جربوا فيها كل الحلول والمقترحات وشهدوا فيها صراعات وانقسامات حان الوقت لوضع حد، وإلا فلن يكون هناك غير الخراب. اليوم الليبيون (الشرق، الغرب، الجنوب، الوسط)، يقولون بصوت واحد: “لم نعد نقدر على التحمّل، حكومتان تقسمان البلاد، خيرات ليبيا يستمتع بها الأجانب والشعب الليبي فيه المفقّر والمهجّر والذي يعاني”. لم يعد هناك من حل سوى المصالحة ما بين الجسمين الشرعيين في ليبيا؛ المجلس الأعلى للدولة والبرلمان.

“أفريقيا برس”: هل ستكون هناك متابعة لتوصيات المؤتمر؟

تم إعداد لجان متابعة مكونة من أعضاء من مجلس الدولة والبرلمان: رئيس اللجنة، لجنة الشؤون الخارجية، لجنة الشؤون القانونية، لجنة الشؤون السياسية، ومستشار بمعرفة مكتب الرئاسة (لجنة المتابعة من مجلس الدولة). ممثل عن المركز، ممثل عن مؤسسة شمال أفريقيا للشباب والتنمية (شريك في المؤتمر)، ممثل عن المرأة (ستكون فاعل في الانتخابات القادمة)، ممثل عن الشباب؛ مقرر وناطق إعلامي، ومنسق عام. وسيكون هناك مؤتمر آخر حول خارطة الطريق وإعداد الرزنامة وبعد ذلك سيكون هناك ملتقى حول الأمن والدفاع ومتابعة البند الذي تحدثنا فيه عن توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية.

“أفريقيا برس”: تلعب القبيلة، وفي ليبيا، دورا مجتمعيا بامتياز، فهل تم الاهتمام بهذه النقطة؟

القبيلة دورها اجتماعي، دورها مهم في الاستقرار والسلم المجتمعي ولهذا أكدنا على القبائل. هناك عودة للقبيلة التي ستضمن السلم المجتمعي. لا نستطيع خوض الانتخابات في غياب سلم مجتمعي، والقبيلة تقوم بدورها وهذا ما أكده ضيف من العراق الذي تحدث عن التجربة العراقية وأهمية القبيلة وقال صراحة: عندما ضعفت القبيلة في العراق انهارت البلاد وصار هناك تسيب على جميع المستويات. اليوم هناك عودة للسلم في العراق وذلك بفضل رؤساء القبائل وهذا ما يجب أن يكون في ليبيا أيضا.

جبهة جديدة

لا يمكم أن نبتعد عن ملف الشرق الأوسط وما يجري في غزة، وأن الولايات المتحدة وبريطانيا عجزتا أمام الحوثيين، إسرائيل والجيش الذي لا يشق له غبار تتكبد الخسائر الكبرى من غزة فقط، الضربات الإستراتجية التي وجهها حزب الله للقاعدة العسكرية ميرون وأخرجتها عن الخدمة، هذه القاعدة الأميركية الإسرائيلية كانت مهمتها الرئيسية القيام بمسح استخباراتي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حرب أوكرانيا المستمرة، والتنافس المتصاعد مع روسيا، كلها أسباب تجعلنا نضع صوب أعيننا فكرة أن الولايات المتحدة بحاجة إلى فتح جبهات حروب هنا وهناك توجه نحوها أنظار العالم وتلهيه وفي نفس الوقت تحاول إنهاك خصومها عبر تعدد جبهات القتال وتشتتها. وليبيا منطقة إستراتيجية في هذه الخطة، كل مقومات الانفجار موجودة في ليبيا: الشعب الغاضب- الشباب المحبط السلاح المليشيات، ودول الجوار غير المستقرة (دول الساحل والصحراء بشكل خاص).

النقطة الثانية المهمة والخطيرة هي ملف الدواعش. تقارير كثيرة تحدثت عن آلاف الإرهابيين الذين دخلوا ليبيا. وكنا شهدنا صور أرتال “دولة الخلافة الإسلامية” (داعش) لكن فجأة وبقدرة قادر اختفت تلك الأرتال ولم يعد أحد يتحدث عن داعش في ليبيا. أين ذهب هؤلاء هل يمكن تصديق أنهم كلهم قتلوا أو أنهم خرجوا من ليبيا.

“أفريقيا برس”: تقارير عديدة، ومنها تقرير الأمم المتحدة، تتحدث عن تحول الإرهابيين إلى دول أفريقية أخرى، وأن الإرهاب سيتمدد في شمال أفريقيا ودول الساحل والصحراء؟

قد يكون ذلك صحيحا في بعض جوانبه لكن من جانب آخر بحثنا وحاولنا أن نجد أجوبة، وتبيّن أن العمليات التي تتم في دول الساحل والصحراء يقوم بها أصحاب البشرة السمراء، بينما الذين تم نقلهم من العراق وسوريا إلى ليبيا من ذوي البشرة البيضاء، إذن أين هم. غريب أمر اختفاء الإرهاب في ليبيا. هؤلاء أناس يشتغلون وفق أجندات ومخططات وصمتهم مريب. ونحن اليوم نتساءل هل ستستعمل أميركا ورقة الدواعش. لأن الدواعش بتنا متأكدين أنهم صناعة أميركية. هل يمكن في الأيام القادمة أن تتحرك أرتال الإرهاب من جديد؟ هذا سيناريو مخيف لكنه وارد. وهنا ليس على ليبيا فقط الحذر بل على دول الجوار وخاصة تونس. في بعض وسائل الإعلام الخاص تحدثت عن تقرير الأمم المتحدة وقلت إنه على وزارة الداخلية والدفاع في تونس أن تكونا في حالة تأهب قصوى باعتبار أن الوضع ممكن ان يتطور وتفتح جبهة جديدة في منطقة شمال إفريقيا أو على الحدود الجزائرية المالية، النيجر تترنح، تشاد أيضا ليست في وضع جيد، دون أن نتحدث عن السودان ما تعيشه من فوضى عارمة على كل المستويات.

وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك وقال إذا تم إشعال النار ودقت طبول الحرب الأهلية فسيسرع المجتمع الدولي إلى عودة الحديث عن البند7 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنح لمجلس الأمن شرعية الدفع نحو التدخل الأجنبي في ليبيا. ومع المصداقية التي بدأت تفقدها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الكبرى التي انخرطت في تقسيم الدولة الليبية، فإن تفعيل هذا البند لن يؤدي إلاّ إلى كارثة جديدة لن تنجو منها ليبيا.

وضع أمني هشّ

الأحدث تتسارع وتواجه ليبيا وضعا أمنيا معقدا خاصة مع انتشار الميليشيات المسلحة في غرب البلاد. وشهدت الأشهر الأخيرة عدة حوادث أمنية. وفي شهر مارس الماضي تمّ إغلاق معبر رأس جدير الحدودي بعد أن تحول إلى مسرح لمواجهات مسلحة بين الجماعات المسلحة المحلية وقوات الأمن. ومنذ أيام قليلة استهدف هجوم بقذائف صاروخية منزل رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة في طرابلس.

تدخلت في ليبيا منذ 2011 عديد الدول على غرار قطر وتركيا وفرنسا وإيطاليا، واليوم يسجل التنافس بين روسيا والولايات المتحدة أعلى درجاته. ليتبيّن أن الانقسام الحقيقي هو انقسام المجتمع الدولي الذي يتحمل مسؤولية استمرار التعطيل في ليبيا بما يمنع توحيد سلطات البلاد.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here