حسني الحمودي لـ”أفريقيا برس”: تجربة الجبهة الشعبية دُمرت من الداخل والخارج

8
حسني الحمودي لـ
حسني الحمودي لـ"أفريقيا برس": تجربة الجبهة الشعبية دُمرت من الداخل والخارج

أفريقيا برس – تونس. أشار حسني حمودي عضو اللجنة المركزية لحزب العمال في تونس في حواره مع “أفريقيا برس” أن التعاطي المتناقض مع الأحداث السياسية الكبرى شكلت أبرز المشاكل التي واجهت اليسار التونسي، وهو ما اتضح من خلال تباين المواقف مع منعرج 25 جويلية 2021.

وبين حمودي أن الصراعات الوهمية كانت وراء فشل تجربة الجبهة الشعبية التي دمرت من الداخل والخارج، حسب وصفه، لافتا أن حزب العمال مازال متمسكا بإرثه الفكري وسيواصل النضال لأجل إسقاط منظومة الحكم، محذرا من أن المحاكمات السياسية الجائرة تشكل خطرا حقيقيا على حرية الرأي والتعبير في تونس.

وحسني الحمودي هو قيادي بحزب العمال وهو المنسق الوطني للتنظيم الشبابي للحزب أي اتحاد الشباب الشيوعي التونسي.

حوار آمنة جبران

ماهو تقييمكم كحزب العمال للمشهد السياسي في تونس، وهل برأيكم العمل على تنظيم حوار وطني ترعاه المنظمات كاف لإنهاء حالة التوتر السياسي؟

الوضع السياسي اليوم في تونس يتسم بالتأزم خاصة في ظل الحكم الفردي للرئيس قيس سعيد، ولا نعتقد أن الحل لهذا الوضع المتأزم في جميع جوانبه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا وغيرها من المجالات في الحوار الوطني، نحن لا نعتقد في ظل هذه الأوضاع أن البلد بحاجة إلى حوار وطني ففي أي اتجاه سيكون هذا الحوار؟ مع من سيكون في هذا الحوار؟، صحيح المنظمات الوطنية دعت إلى حوار لكن لا نعتبر أن البلد في حاجة إليه ، لأنه في حقيقة الأمر هذا الحوار الوطني التي دعت إليه المنظمات هو حوار وطني لأجل التهدئة وبنفس طريقة التبريد والتسخين للأوضاع، ولن يؤتي أكله لأن من سيشارك فيه هو أحد أسباب تأزم هذه الأوضاع، لذلك نحن نعتبر الحوار الوطني لا يمكن أن يأتي بحل لتونس.

تتمسكون بتصعيد النضال ضد ما وصفتموه بالتبعية والتفقير، لكن في مقابل ذلك ماهو برنامجكم وخطتكم الاقتصادية للخروج من الأزمة؟

فعلا نحن متمسكون وسنضل متمسكون بالنضال ضد من فقروا وجوعوا الشعب التونسي لعقود متعاقبة، في الواقع هناك حل لهذه الأزمات لكن من هم في السلطة لا يريدون حلا جذريا وعميقا للبلد، ونحن لدينا برنامج اقتصاديا وثقافيا وبيئيا مفصلا وفي كل جوانبه، المرتكز الأساسي بالنسبة إلينا هو البرنامج الاقتصادي الذي يتطلب الكثير من الجرأة والكثير من الاستعداد لاتخاذ قرارات عاجلة وحاسمة ومباشرة الآن وهنا، هذه القرارات منها تجويد خلاص الديون على الأقل لمدة ثلاث سنوات والتدقيق فيها وثانيا منع تسفير أموال المستثمرين الأجانب لمدة ثلاث سنوات، ثالثا تأميم الثروات والمؤسسات الإستراتيجية، رابعا إسقاط ديون الفلاحين الصغار وإستراتيجية واقعية بناءة من أجل استنهاض القطاع الفلاحي في تونس، وخامسا محاسبة المتسبب الحقيقي في مسألة الإرهاب، وفي المجمل هي عشرة نقاط متتالية ومباشرة من أجل الخروج.

لماذا يصر حزب العمال على التمسك بإرثه ومواقفه ولم يقوم بمراجعات رغم الانتقادات الواسعة له في هذا الشأن؟

نحن متمسكون بإرثنا وتاريخنا ومتمسكون ب37 سنة من تأسيس الحزب، متمسكون بإرثنا الفكري والفلسفي والاقتصادي السياسي، ونحن نقوم بمراجعات لكن الانتقادات توجه في أي اتجاه لنا، الاتجاه الذي يريد منا عدم انتقاد الواقع في حين أن البلاد في حاجة لنمط اقتصادي جديد وفي حاجة إلى منظومة جديدة لذلك نحن نتعرض دائما إلى انتقادات، وفي الأخير نحن نناضل ضد منظومة الرأسمالية الموجودة في البلد، وخطابنا سيتغير حين تتغير هذه المنظومة نفسها وتسقط، لذلك نحن متمسكون بنضالنا ضد منظومة الرأسمالية وعملائها في تونس، وحتى إن تغير خطابنا في الشكل فإن العمق والمحتوى وأصل الأفكار لا تتغير، لأننا مازلنا نعاني من نتائج لنفس المنظومة المتوارثة منذ عشرات السنين ولا يتغير فيها إلا الشكل.

ماهي حسب تقديرك أبرز أخطاء اليسار؟ هل تمسكه بالأيديولوجيا أعاقت تطوره وانفتاحه أكثر على المشهد السياسي؟

أولا: قبل كل شيء ليس كل من يقول أنه يساري هو بالفعل يساري، وما معنى أن تكون يساريا وأنت متخندق مع السلطة وداعم لها، إذا من المبدأ أن نفسر من هو اليسار ومن هو من غير اليسار في تونس.

ثانيا أي أخطاء لليسار وإن كان سبب ذلك هو الأيديولوجيا ما جعل دوره منحسرا، في حقيقة الأمر نحن كحزب عمال أولا نحن قادرون على تقييم تجربتنا الخاصة ولسنا مسؤولين على تجارب بقية الأطراف السياسية اليسارية أو التي تدعي أنها يسارية، أعتقد الإشكال الأكبر ليس التمسك بالأيديولوجيا التي تعني الجانب الفكري وطريقتك للتحليل ومنهجيتك في العمل والتحليل وقراءتك لموازين القوى وللتناقضات الرئيسية منها والثانوية، أعتقد أن أكبر مشكل يعيشه اليسار في كل مرة هو أننا نجد أنفسنا على الأقل لمن يدعوا اليسارية أن قراءتهم لتلك التناقضات مختلفة وأحيانا مختلفة جدا في المنعرجات الكبرى، نلاحظ قراءات مختلفة لمن يدعوا أنهم يسار مثلا أكبر دليل على ذلك منعرج 25 جويلية فكل الأحزاب التي على أقل كانت تخوض في تجربة الجبهة الشعبية كانت مواقفها إن لم نقل مهادنة فهي مرتبكة مما حصل في ذلك التاريخ، باستثناء حزب العمال الذي كان موقفه واضحا وجليا منذ الوهلة الأولى وعبر عليه بكل جرأة ووضوح وشجاعة وأعتبر ما حدث في تونس انقلابا وسيأتي بأيام عجاف.

ثالثا: الأحزاب الثورية التي تطالب بالتغيير الجذري والعميق لنمط الإنتاج ومنظومة الحكم لطالما كانت حسب تجارب التاريخ تعد بالأصابع، لم تكن أحزابا ذات جماهيرية كبيرة وتقود جماهير بل كانت أحزابا بحجم محدود، وفي لحظات الثورة كما يقول ماركس أحيانا جهد ثلاثين سنة تلخصه 3 أيام فقط، وأكبر دليل على ذلك اليسار في تونس هل كان يعرف الشعب التونسي جيدا حزب العمال الشيوعي خاصة في سنة 2011 ، لكن إبان الثورة مباشرة كان هناك هجوم على الحزب حيث كانت الناس تريد أن تنظم إليه تريد المشاركة فيه وذلك بناءا على مواقفه لسنوات طويلة، إذن في حالة الجزر عادة ما تنفض حولك الناس وفي حالة المد عادة ما تكون المواقف للجماهير الشعبية تتجه نحو الأحزاب التي كانت حقيقة شجاعة وتعبر على موقفها بأكثر جرأة منها وعلى المواقف التي كان عموم المواطنين والمواطنات غير قادرين على التعبير عنها أمام الرأي العام.

ماهو موقف حزب العمال من حركة النهضة التي يتقاطع معها في رفض إجراءات 25 جويلية ويشاركها الخط المعارض للسلطة؟

حزب العمال لا يتقاطع مع حركة النهضة لكل موقفه ولكل قراءته ولكل توجهاته واتجاهاته، حزب العمال كان في 25 جويلية 2021 تقريبا الحزب الأول أو الوحيد الذي صرح بموقف واضح في حين حركة النهضة كان داخلها ارتباك والموقف لم يكن مبدئيا ولم يقع التصريح به من الوهلة الأولى بل بعد فترة من انقلاب 25 جويلية.

ثانيا اليوم حزب العمال ليس بمفرده بل بمعية أحزاب أخرى تقدمية والديمقراطية في خط، وحركة النهضة وجبهة الخلاص في خط، الحزب الدستوري الحر وحلفاؤه في خط ثالث، في علاقة بالموقف من قيس سعيد لكل توجهاته وقراءته للانقلاب وللمسار الانقلابي الذي وقع في تونس وكل يرى الحل بطريقته.

ثم حزب العمال يعتبر حركة النهضة شريكة رئيسية لما وقع في 25 جويلية وهي المسؤولة المباشرة والأكثر مسؤولية مع حلفائها في التعفن السياسي الذي وصلت له تونس طيلة عشرة سنوات، حركة النهضة هي المسؤولة السياسية على الاغتيالات والإرهاب الذي ضرب عمق العائلات التونسية، وهي من لعبت دورا في وصول قيس سعيد للرئاسة ونتذكر جيدا تخليها عن مرشحها آنذاك في الانتخابات الرئاسية ودعم سعيد، إذا كل ما وصلنا إليه اليوم نتيجة سياسات حركة النهضة، وحزب العمال وحركة النهضة بعيدين كل البعد ونحن نحمل المسؤولية الكاملة للنهضة ويجب محاسبتها على ما وقع بالبلاد طيلة عشرة سنوات.

كيف تقيم محاكمة الغنوشي وسلسلة الأحكام التي بدأت تصدر ضده وهل أنتم مع إخراج النهضة من الحياة السياسية؟

محاكمة راشد الغنوشي مثلها مثل بقية المحاكمات الجائرة لأنها في حقيقة الأمر تأتي ضمن معنى المرسوم 54 الذي يحمل تكريسا للحكم الفردي والصوت الواحد، في حقيقة الأمر نحن مع محاكمة حركة النهضة ومن أجرم في حق الشعب التونسي، لكن هل يمكن تحقيق العدالة في ظل قضاء التعليمات وفي ظل قضاء مدجن ومحكوم فيه من قبل قيس سعيد الذي بات يصدر أحكاما بمفرده في ملف التآمر على أمن الدولة، محاكمة الغنوشي تأتي في نفس هذا الإطار فهذه المحاكمات ليست لأسباب حقيقية وجوهرية مثل قضية الاغتيالات والتسفير أو التمويلات الأجنبية، بل هي محاكمات سياسية بالأساس وعلى ذلك الأساس نرفض هذه المحاكمات مهما كان الطرف ولو كان عدونا اللدود وخصمنا المباشر، نرفض ذلك لما تمثله من خطر على حرية الرأي والتعبير والتنظم..

لماذا لم ينجح حزب العمال في توحيد معسكر اليسار في تونس انطلاقا من تجربة الجبهة الشعبية وظل منقسما وقد زاد هذا الانقسام بعد 25 جويلية؟

منذ تأسيس حزب العمال في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات كنا فاتحين أيدينا لكل طرق العمل المشترك والجبهوي والموحد لكل الأطياف السياسية، وبعد زمان طويل وبعد الثورة وبعد انتخاب المجلس التأسيسي تمكنا من تأسيس الجبهة الشعبية التي أملاها الواقع حينها، لكنها دمرت من الداخل والخارج عن طريق اختلاق صراعات وهمية وروجت لهذه الصراعات على أساس صراع زعامات وهي في حقيقة الأمر بعيدة كل البعد عن ذلك، بل هناك اختلافا سياسيا محوريا وجوهريا صلب الجبهة الشعبية والمشهد السياسي اليوم يبين حقيقة تلك الصراعات حيث كان هناك اتجاهين داخل الجبهة وهي كيف نحكم؟ عن طريق استكمال أهداف الثورة وعن طريق النضال في الشوارع ومواجهة المنظومة أو نحكم مع المنظومة ويمكن أن نغير من الداخل، كان هذا جوهر الخلاف صلب الجبهة وتواصل الخلاف لمدى سنوات إلى حدود انتهاء تجربة الجبهة الشعبية.

وبخصوص مدى قدرة حزب العمال على توحيد معسكر اليسار في تونس، في الحقيقة نحن نطرح توحيد كل الفئات وكل الطبقات وكل القطاعات في اتجاه إسقاط منظومة الحكم الشعبوية وغلق الباب أمام كل الرجعيات سواء الدينية أو الحداثوية، لذلك نطرح برنامجا مباشرا يمكن أن نلتقي مع كل مع نتفق معه حول هذا البرامج ورأسا حول إسقاط منظومة الحكم ومحاكمة من أجرم في حق الشعب وإرساء منظومة حكم جديدة هدفها الرئيسي تغيير منوال التنمية وتغيير النمط الاقتصادي في تونس، كل من نلتقي معه في هذا المجال نستطيع حينها الحديث عن توحيد، ولا أعتقد أن الهاجس فكرة توحيد اليسار كما سبقت وتحدثت من هم اليسار قبل كل شيء اليوم هل اليسار الذي يساند قيس سعيد يدعى يسارا؟ هل يمكن خارج هذه الأطراف التي كانت صلب الجبهة الشعبية ذات يوم أن نتحدث عن اليسار قبل وحدة اليسار؟

أي مستقبل للتيار اليساري في تونس وهل مازال بوسعه التغيير وكسب ثقة الشارع أم فوت عليه الفرصة؟

طالما تواجد الظلم والفقر والمهانة طالما تواجد اليسار، في حقيقة الأمر اليسار سيضل مثله مثل عديد الأطراف الحزبية التي تضمحل وتتلاشى من فترة إلى أخرى، طبعا اليسار سيظل متواجدا ومازال متواجدا وستأتي الأحداث وسيأتي التاريخ وسنرى أن اليسار من جديد أقوى وأحسن وامتداده الجماهيري أكبر من اليوم بكثير فقط شريطة أن نعبر في هذه المرحلة على كل مواقفنا بكل وضوح وجرأة ونناضل ضد منظومة الحكم الجاثمة على صدور التونسيين، لأجل إسقاطها وإرساء منظومة جديدة وهي منظومة السيادة الوطنية والديمقراطية الشعبية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here