زهير المغزاوي: قيس سعيد أهدر كثيرا من الوقت والمسار الانتخابي مخل لهذه الأسباب

10
زهير المغزاوي: قيس سعيد أهدر كثيرا من الوقت والمسار الانتخابي مخل لهذه الأسباب
زهير المغزاوي: قيس سعيد أهدر كثيرا من الوقت والمسار الانتخابي مخل لهذه الأسباب

خميس بن بريك

أفريقيا برس – تونس. قال زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب (أحد الأحزاب الداعمة لمسار الرئيس التونسي) إن قيس سعيّد أهدر كثيرا من الوقت بسبب ما وصفه بسوء إدارته المرحلة التي أعقبت إعلان تدابيره الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، والتي عزل بها الحكومة السابقة وأطاح فيها بالبرلمان.

وأكد المغزاوي في حوار صحفي، أن الشيء الوحيد الذي يأمل تحقيقه بعد أكثر من سنة من إعلان التدابير الاستثنائية هو تنظيم الانتخابات القادمة، لكنّه حذر من ارتفاع العزوف عن المشاركة بسبب الإحباط وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

وانتقد المغزاوي أداء الحكومة الحالية التي عينها الرئيس بنفسه بسبب عدم اتخاذها أية إجراءات تعيد الأمل للتونسيين، مستبعدا في الوقت نفسه قدرة معارضي قيس سعيد على قلب الموازين.

في البداية، ما سبب انحيازكم للتدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس في يوليو/تموز 2021 رغم أن البعض عدّها “انقلابا” على الشرعية الدستورية ومؤسسات الدولة؟

لم نناقش كثيرا المسألة الدستورية عند اعتماد الرئيس على الفصل (80) من الدستور السابق لاتخاذ التدابير الاستثنائية، لكننا اعتقدنا أن تلك التدابير كانت فرصة للخروج من “ديمقراطية فاسدة” طيلة العشرية الماضية إلى ديمقراطية سليمة تضع في أولوياتها إصلاح الأوضاع. لقد رفعت ثورة الحرية والكرامة في تونس شعارات تطالب بالتشغيل والتنمية، وكان من أبرزها شعار “التشغيل استحقاق يا عصابة السراق”، وكان التونسيون يتوقون للحرية والديمقراطية وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وتغيير منوال التنمية وتحسين المرفق العام. لكن ما حصل هو تحول كامل للمسار من ثورة حرية وكرامة لمجرد تحول ديمقراطي عليل متحالف مع الفساد بالداخل وخاضع لقوى خارجية؛ وبالتالي لم تتحقق مطالب التونسيين رغم بعض التقدم السياسي، ولو أن لدينا تحفظات كبيرة عليه بسبب الجرائم الانتخابية والاغتيالات. نحن كحزب حاولنا سواء بتمثيلنا في البرلمان السابق أو بمشاركتنا في حكومة إلياس الفخفاخ إصلاح المنظومة من داخلها سعيا لتحقيق مطالب الشعب لأننا لاحظنا أن المسار السياسي لم ينجح في وضع انتظار الشعب على رأس أولوياته، بل وضع مصالح السياسيين على رأس المشاغل. والنتيجة أن مسار الانتقال عرف بعد الثورة انتكاسة واحتجاجات مستمرة ضد المنظومة الحاكمة بسبب تردي الأوضاع، وبلغت تلك الاحتجاجات ذروتها يوم 25 يوليو/تموز 2021 بإعلان الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية لإنهاء منظومة الحكم السابقة الفاشلة.

ماذا كانت طلباتكم بعد إعلان تلك التدابير الاستثنائية؟

لقد طالبنا بوضوح من الرئيس قيس سعيد في أول بيان أصدرناه بألا تطول المرحلة الاستثنائية، وألا يتم المساس بالمكاسب التي تحققت بعد الثورة، ودعونا للتركيز على الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وطمأنة التونسيين بأن المستقبل سيكون أفضل.

وهل ما زلتم تعتقدون أن ما وقع في “25 يوليو” فرصة لمعالجة الأوضاع أم أن تلك الفرصة تلاشت؟

الحقيقة لقد أضعنا كثيرا من الوقت، ونقدّر أن تلك الفرصة بدأت تضعف، وأن إمكانية الخروج من الأزمة إلى وضع أفضل تقلصت كثيرا، ذلك أن الرئيس أهدر كثيرا من الوقت. لقد عبّرنا عن مساندتنا لمرحلة “25 يوليو”، ولكننا اختلفنا مع إدارة هذه المرحلة التي رأينا فيها إدارة سيئة للغاية، سواء من حيث التعيينات أو الإجراءات المتخذة، أو من حيث تحديد أولويات هذه المرحلة، وهي ليست فقط أولويات دستورية بقدر ما هي إصلاحات ذات أولويات اقتصادية واجتماعية عاجلة لتحقيق مطالب الشعب في التنمية والتشغيل وغير ذلك.

تقولون إن الرئيس لم يحسن إدارة المرحلة، فهل ما زال يحظى بثقتكم؟

الرئيس كان محل اتفاق من أغلب الناخبين بأنه رجل نظيف وقادر على تغيير المعطيات في البلاد، وأنه مدافع عن الدور الاجتماعي للدولة، ولكن المزعج بالنسبة لنا هو الفرق بين خطابه الرئاسي وممارسته الرئاسية، ونحن نلاحظ أن الهوة تتسع بينهما يوما بعد يوم. ورغم أننا ما نزال نعتقد أن الرئيس بإمكانه تغيير الأوضاع نحو الأفضل، فإننا مع الأسف الشديد وصلنا لمرحلة انسداد الأفق.

اعتقدتم أن “مسار 25 يوليو” جاء ليصلح الأوضاع المتردية طيلة العشرية الماضية. فما الذي تحقق بعد عام و4 أشهر؟

بعد 25 يوليو/تموز كنا مقتنعين بأنه لا يمكن لأي شخص مهما كانت مهاراته أن ينقذ البلاد من دون مشاركة بقية الأطراف، واعتقدنا أن تاريخ 25 يوليو/تموز لم يكن صناعة الرئيس وإنما صناعة شعب وأحزاب ومنظمات وإعلام، وبالتالي كان على الرئيس أن يشارك تلك الأطراف في التغيير. لكن مع الأسف الرئيس كان متفردا برأيه، وكانت التشاركية ضعيفة جدا سواء عند صياغة الدستور أو قانون الانتخابات أو تحديد الأولويات. ومع أننا كنا نساند مساندة مطلقة “مسار25 يوليو” فإن الشيء الوحيد الذي نأمل تحقيقه بعد أكثر من سنة هو الانتخابات القادمة. واليوم، ما زلنا ندعو رئيس الجمهورية إلى ألا يضيع هذه الفرصة التي أعطت جرعة أمل للتونسيين. وأخبرت الرئيس في بعض اللقاءات بأنه سيتحمل المسؤولية التاريخية في حال أضاع هذه الفرصة على البلاد التي ستدخل في مطبات خطيرة جدا بسبب حالة الإحباط المتوسّعة.

تحدّثتم عن غياب التشاركية في كتابة الدستور، فهل تعتقدون أن دستور قيس سعيد أفضل من دستور 2014؟

الدستور الجديد أفضل من السابق لأن فيه إيجابيات عدة، خاصة في ما يتعلق بالتأكيد على دور الدولة الاجتماعي، إضافة إلى الجانب الاقتصادي الذي لم يكن موجودا بالدستور السابق، فضلا عن التأكيد على هوية البلاد العربية الإسلامية أكثر من الدستور السابق.

لكن البعض يقول إن الدستور الجديد أضعف صلاحيات البرلمان. أليس صحيحا؟

بطبيعة الحال صلاحيات البرلمان في الدستور الجديد أقل، لأن فلسفة الدستور الجديد اعتمدت على النظام الرئاسي بدلا من النظام البرلماني السابق الذي تركز بعد الثورة باعتبار أنه كان هناك نوع من العقدة من النظام الرئاسي بسبب الاستبداد الذي حصل قبل الثورة. وتم التوجه لنظام برلماني معدّل، لكننا كنا مقتنعين بأنه نظام هجين خلق أزمة سياسية بالبلاد، وكان يقسم السلطة التنفيذية بين رأسين (الرئيس ورئيس الحكومة)، ودون أي شك فإن الدستور السابق والنظام السياسي الذي ركزه كان أحد العوامل الرئيسية في خلق الأزمة في البلاد. لكن ما يعاب على دستور قيس سعيد أنه لا توجد محاسبة لرئيس الجمهورية، ولكن فيه إيجابيات مقارنة بدستور 2014، لا سيما ما يتعلق بسهولة تعديل الدستور الجديد مقارنة بتعديل دستور 2014، الذي كانت عملية تعديله تكاد تكون شبه مستحيلة.

من يتحمل المسؤولية الأبرز في تدهور الأوضاع بعد الثورة؟ ألم تكن الطبقة السياسية بمختلف تشكيلاتها سببا في فقدان ثقة التونسيين؟

أكيد المسؤولية يتحملها الجميع، ولكن المسؤولية الأكبر يتحملها الإسلام السياسي، أي حركة النهضة؛ لأنها كانت العمود الفقري للحكم طيلة العشرية الماضية. وحركة النهضة جاءت فرصتها التاريخية بعد الثورة، وأنصفها الشعب بعدما كانت قياداتها في السجون والمنافي، لكنها أضاعت الفرصة على نفسها وعلى التونسيين بتحالفها مع المنظومة السابقة ومع الفساد والفاسدين وتسترها عليهم. واليوم نحمّلها القسط الأوفر من الفشل خلال العشرية الماضية، ونقول إن “25 يوليو” هو ذكرى الثورة ضد النهضة مثلما كان تاريخ 14 يناير/كانون الثاني 2011 ذكرى الثورة ضد النظام السابق.

يرى البعض أن الأوضاع المعيشية الصعبة في تونس ستؤدي إلى عزوف كبير عن الانتخابات. كيف تنظرون إلى ذلك؟

في آخر لقاء مع الرئيس قيس سعيّد نبّهته إلى هذا الموضوع لأننا نعتقد أن هناك ربطا آليا بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبين ذهاب الناس إلى صناديق الاقتراع. ومنذ سنة 2011 لاحظنا تراجعا كبيرا في عدد المشاركين، لأن الناس لا ترى أن ذهابها للاقتراع سيغيّر واقعها؛ وبالتالي فإن استمرار تردي الأوضاع دون اتخاذ إجراءات متعلقة بالمواد الأساسية أو ارتفاع الأسعار سيؤدي آليا إلى عزوف الناس عن الانتخابات القادمة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ما تقييمكم لأداء الحكومة الحالية التي عينها الرئيس بنفسه؟ وهل كانت في مستوى التحديات المطروحة وتهيئة المناخ لإجراء الانتخابات؟

هذه الحكومة صامتة، ولم نر لها أي قرارات أو إجراءات تُذكر، ومن يتحمل المسؤولية الرئيسية هو رئيس الجمهورية لأنه هو من اختارها بنفسه. كنا نعتقد أن الرئيس سيُشرك الأطراف المساندة لمسار “25 يوليو” للانكباب على الإصلاحات السياسية، ومنها إصلاح الدستور. من جهة أخرى، كنا نعتقد أن الرئيس سيختار حكومة قادرة على دعم هذا المسار الإصلاحي بإجراءات تخفف وطأة الأوضاع على الناس، لكننا لاحظنا وجود سوء إدارة لدى هذه الحكومة، بغض النظر عن وجود تركة من الأزمات وتداعيات الجائحة الصحية والحرب الأوكرانية.

تفاوضت الحكومة مع صندوق النقد على قرض جديد مقابل الالتزام ببعض الشروط من دون إشراك الأطراف الاجتماعية والسياسية. ما تداعيات ذلك على وضعية التونسيين وعلى استقرار البلاد وعلى المسار السياسي؟

موقفنا واضح، وهو أن هذه الحكومة ليست سوى حكومة تصريف أعمال، وليست لديها صلاحيات لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي مقابل رفع الدعم أو خصخصة المؤسسات العمومية، ونحن نحذر من أن المس بالدعم أو بالمؤسسات العمومية سيخلق ثورة اجتماعية. البعض يقول إن المسار الانتخابي عرف تجاوزات في مرحلة تقديم الترشيحات؛ كاستعمال المال الفاسد واستغلال النفوذ العشائري للترشح.

كيف تقيّمون نزاهة هذا المسار؟

الرئيس نفسه الذي وضع القانون الانتخابي تحدث عن تجاوزات كاستخدام المال الفاسد، وهذه إحدى نتائج تفرده بإعداد القانون الانتخابي من دون أي تشاور؛ وبالتالي فإن المسار الانتخابي الحالي لا يختلف عن المسارات الانتخابية السابقة التي شهدت العديد من الجرائم الانتخابية. وبغض النظر عن اعتماد قانون الانتخابات الحالي على نظام الاقتراع على الأفراد بدل القوائم الحزبية، فإننا نرى أن فيه إخلالات كثيرة ولم يهيئ لمناخ انتخابي يقطع مع المال السياسي الفاسد أو مع توظيف الإدارة لتقديم الترشيحات وغيرها من الجرائم الانتخابية. كما أن قانون الانتخابات وضع شروطا مجحفة عند تقديم الترشيحات، لا سيما ما يتعلق بوجوب حصول المترشح على 400 تزكية من الناخبين والمصادقة عليها بالبلديات. وهذا أدى إلى تراجع عدد الترشيحات، بل إلى عدم تقديم أي ترشح في 8 دوائر في الخارج.

كيف تنظرون إلى تصعيد المعارضة ضد الرئيس؟ وهل تعتقدون أنها قادرة على قلب الموازين مع تحشيدها في الشارع؟

على العكس تماما؛ أظن أن الرئيس يستفيد في الفترة الحالية من كل الأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب المعارضة له خلال العشرية الماضية. والمعارضة هي في الأساس حركة النهضة والنخب التي تدور في فلكها، إذ تحاول إعادة تدوير نفسها من جديد، واعتقد أن من يعارضون “مسار 25 يوليو” فشلوا في تغيير موازين القوى رغم كل محاولاتهم لتحشيد الشارع أو الاستنجاد بالخارج.

أعلنت أحزاب عدة مقاطعتها الانتخابات معللة ذلك بأن مسار الرئيس غير شرعي. كيف تنظرون إلى مستقبل تلك الأحزاب؟

المقاطعة قرار محترم وسيادي للأحزاب، ومن حق أي حزب أن يتخذ القرار الذي يريد، ولكن أهمية المسألة تكمن في نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ونجاحها، فإذا كان هناك إقبال حسب المقاييس المتعارف عليها فإن البلاد ستنتقل إلى عملية سياسية جديدة، وحينئذ لن نجد العديد من الأحزاب المقاطعة في المشهد السياسي المقبل. من جهة أخرى، فإن أحزاب عدة دعت للمقاطعة ليست موجودة عمليا على أرض الواقع، وهناك أحزاب لم تعقد مؤتمراتها، وأخرى لم تكن ممثلة ولو بمقعد واحد في البرلمان السابق.

يرى البعض أن قانون الانتخابات الذي صاغه الرئيس بنظام الاقتراع على الأفراد أراد إضعاف الأحزاب. ما صحة هذه التقديرات؟

بالفعل، الرئيس يرى أن الأجسام الوسطية كالأحزاب انتهت، لكننا نختلف معه طبعا في موقفه ونعي هذه المسألة بغض النظر عن دعمنا له. وقمنا بعد “25 يوليو” بسلسلة طويلة من الاجتماعات والتحركات لنبعث رسالة بأن الأحزاب لا يمكن أن تندثر بقرار رئاسي. وبعيدا عن الأحزاب التي لعبت سابقا دورا في السمسرة وتحقيق الغنائم من خلال استغلال المناصب، لا أعتقد أنه بمقدور أحد أن يلغي الأحزاب النزيهة حينما تلعب دورها في تأطير الجماهير والتأسيس لديمقراطية حقيقية داخلها والاستماع لمطالب الناس.

هل سيكون البرلمان القادم مؤثرا وقادرا على خلق التوازنات مع الرئيس، خاصة أن البعض يتوقع صعود نواب مشتتين ولا يملكون أي تأطير حزبي؟

في الحقيقة البرلمان القادم لن يكون أسوأ من البرلمانات السابقة التي صعدت لها شخصيات تعلقت بها جرائم، وكان البعض يترشح للبرلمان من أجل كسب الحصانة، ومن بينهم مهرّبون أو أشخاص لا كفاءة لهم. ومسألة تحقيق التوازنات مع رئيس الدولة أو حكومته ستكون مرتبطة بطبيعة النواب الذين سيصعدون. لكنني اعتقد أن البرلمان القادم له أهميته لأنه مصدر التشريع، وبالتالي ليس على الرئيس سوى اختيار: إما التصادم مع البرلمان أو إيجاد صيغ للتعامل مع الكتل فيه لتمرير القوانين.

كيف أعدت حركة الشعب نفسها لخوض الانتخابات التشريعية القادمة؟

ترشحنا في أغلب الدوائر الانتخابية (عددها 161)، ونعتقد أن حظوظنا ستكون وافرة لأننا في علاقة مع الناس يوميا من خلال مرشحينا وهياكلنا بالجهات، ونحن من أكثر الأحزاب التي تنمو حيث كنا ممثلين بنائبين سنة 2011 ثم بـ3 نواب في برلمان 2014 ثم بـ15 نائبا في برلمان 2019؛ وهذا بفضل دفاعنا عن الشعب وصدقنا ونظافة اليد والديمقراطية التي بنيناها داخل حزبنا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here