“ماريونيت” في يد قيس سعيّد

6
"ماريونيت" في يد قيس سعيّد

جمانة فرحات

أفريقيا برس – تونس. لم تكن الإقالة التي لحقت بنجلاء بودن من منصبها رئيسة لوزراء تونس مفاجئة في جوهرها أو توقيتها. اختار قيس سعيّد بودن عقب أشهر معدودة من بدء انقلابه على النظام السياسي والدستور، لتكون بذلك أول امرأة تونسية وعربية تحتلّ منصبا كهذا. كان يُفترض أن يكون ذلك حدثاً مؤسّساً في مسيرة العمل السياسي للمرأة التونسية وحتى العربية، لكن هذه الألقاب الاستثنائية التي حظيت بها كانت مجرّد قشور لم تشفع لها، اذ ارتضت، منذ اللحظة الأولى، لقبولها المنصب أن تكون مجرّد واجهة لتنفيذ سياسات سعيّد. طوال الفترة الماضية، كانت منصّات الرئاسة التونسية على مواقع التواصل الاجتماعي تظهرها تجلس على كرسي مقابل سعيّد، بينما يتلو عليها المحاضرة تلو الأخرى، مكتفية بهز رأسها في أغلب الأحيان. لم يُسمع لها حديثٌ ذو قيمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. اقتصر دورها على تنفيذ توجيهاته.

رئيسة وزراء على الهامش… هكذا يمكن تلخيص مهمتها التي اختار سعيّد وحده توقيت انتهائها بما يحقّق مصلحته، فهي لم تكن أكثر من دمية “ماريونيت” في يده يحرّكها كيفما يشاء قبل أن يختار التضحية بها في توقيتٍ يحاول من خلاله القفز على الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي يُفترض أنه بمفرده من يتحمّل مسؤوليتها بصفته المتحكّم الوحيد بجميع القرارات، بعدما وضع يده على جميع السلطات.

أما خلفها أحمد الحشاني الذي أتى به سعيّد فليس أفضل حالاً. استغرق التونسيون يوماً كاملاً تقريباً للحصول على معلومات بشأنه. ولذلك ليس مبالغة القول إنه أتى به من “العدم”. ومرّة أخرى، مطلوبٌ منه دور محدّد يؤدّيه قبل التخلص منه، وهو ما وافق عليه الحشاني على ما يبدو، فبعد عامين على الانقلاب، يدرك أي شخصٍ يتولى المسؤولية في عهد الرئيس التونسي الحالي محدودية صلاحياته وقائمة الشروط المطلوبة منه، وأولها الولاء التام لسعيّد وأفكاره، تطبيق مخطّطاته… وأن يكون ضعيف الشخصية. ولذلك، تعني موافقته على المنصب أنه لا يمانع في أن يكون في هذا الموقف، وأن يتكرّر معه سيناريو بودن.

وإذا كانت الصفحة المنسوبة للحشاني على موقع فيسبوك تظهر بعضا من أفكاره التي تلائم سعيّد، خصوصاً ما يتعلق بالعداء لحركة النهضة والإسلام السياسي، فإن عدد المرّات التي أعاد فيها نشر تصريحات لسعيّد تفيد بأنه يلبّي الشروط التي يريدها الرئيس التونسي.

لا يريد سعيّد أي مسؤولٍ يمكن أن يناقشه، يجادله، أو يكون صاحب مبادرة. يريد الجميع مجرّد منفذين لأوامره بصفته الحكيم الآتي لتخليص التونسيين. ولهذا الغرض، حدد سعيّد للحشاني ما هو مطلوب منه بوضوح خلال تسلمه منصبه، من دون أن ينسى تذكيره “بما نص عليه دستور 25 جويلية 2022 حول الوظيفة التنفيذية، التي يترأسّها رئيس الجمهورية بالتعاون مع الحكومة”. وبعد وصلة من إلقاء المسؤولية على كارتيلاتٍ اتهمها بأنها “تعمل وراء الستار لتجويع الشعب وتهديد السلم الاجتماعي”، متوّعداً إياها بـ”بملاحقتها وتنظيم محاكمات عادلة، لتدفع الثمن غاليا، جراء أعمالها”، تطرّق إلى ما قال إنه وجوب “تطهير الإدارة، بعد التعيينات التي تمت خلال العشرية السابقة وانتشار الشهائد المدلّسة”.

تشي هذه التصريحات أن المرحلة المقبلة ستشهد موجة جديدة من الإقالات والاعتقالات التي يمكن النظر إليها بكثير من الريبة والتشكّك، بعدما أظهرت مجريات الأحداث طوال فترة حكمه حجم (وخطورة) التصفيات السياسية التي يقوم بها لكل من يعارضه، مستحضراً اتهاماتٍ لا علاقة لها بأي وقائع. أما الحشاني فسيكتفي بتنفيذ الإرادة السامية لسعيّد، ليكون بدوره مجرّد دمية في يد الرئيس التونسي، إلى حين انتهاء صلاحيته واستبداله بشخصية أخرى.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here