قيس سعيد يستبدل بودن بـ”شخصية غير سياسية” لإنقاذ مسار 25 جويلية

77
قيس سعيد يستبدل بودن بـ
قيس سعيد يستبدل بودن بـ"شخصية غير سياسية" لإنقاذ مسار 25 جويلية

أفريقيا برس – تونس. اعتبرت أوساط سياسية في تونس أن قرار الرئيس قيس سعيد القاضي بإقالة رئيسة الحكومة نجلاء بودن واستبدالها بأحمد الحشاني وهو خبير اقتصادي و”شخصية غير سياسية”، خطوة تأتي لإنقاذ مسار 25 جويلية بسبب ما يتعرض له من انتقادات جراء سوء إدارة بودن للأزمة الاقتصادية وسط تفاقم الديون ونقص حاد في المواد الأساسية.

وأنهى الرئيس سعيّد، مهام بودن دون أن يعطي أي تبرير ليعين بدلها الحشاني المسؤول السابق في المصرف المركزي التونسي، ما يعكس حالة عدم رضا من أداء حكومة بودن التي تراجعت شعبيتها بشكل حاد في الآونة الأخيرة خاصة في ظل عجزها عن حل أزمة الخبز.

وحماية لمسار 25 جويلية من تراجع الالتفاف الشعبي حوله وسط تعالي الأصوات المعارضة المنددة بنهجه الفردي والاقصائي في إدارة أوضاع البلاد المأزومة، اختار سعيد الاستغناء عن بودن التي توصف بـ”ظل الرئيس” مقابل حماية مكاسبه السياسية ورصيده الشعبي والالتفات والتحرك بشكل جدي لإنقاذ الاقتصاد تحت شعار “محاربة اللوبيات” وذلك لإرضاء مؤيديه وإخماد غضبهم.

وأحمد الحشاني هو ثاني رئيس حكومة في تونس منذ إعلان الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية في البلاد في 25 جويلية 2021، وهو خبير متقاعد في القانون وحاصل على درجة الماجستير في القانون العام في 1983 بكلية الحقوق، وهو من كوادر وزارة المالية والبنك المركزي حيث كان يشغل منصب مدير الشؤون القانونية.

وقد تدرّج الحشاني في مسؤوليات اقتصادية ومالية بوزارة المالية وتقلد مناصب قيادية في البنك المركزي، كمدير عام بالبنك، قبل أن يتقاعد خلال فترة رئيس البنك السابق الشاذلي العياري 2012 – 2018.

انسجام مع 25 جويلية

خلافا للتوقعات باستجابته لمطالب الأحزاب المؤيدة لمسار 25 جويلية الداعية إلى تشكيل حكومة سياسية تنهي حكومة التدابير الاستثنائية وفق الدستور الجديد، اختار سعيد شخصية ليس لها رصيد سياسي على رأس الحكومة لكن في تقديره ستكون أكثر انسجاما مع مسار 25 جويلية الذي مر سنتان على انطلاقه دون تحقيق تقدم على صعيد الاقتصاد، وهو ما يزيد التساؤلات بمدى قدرة شخصية غير سياسية على مواجهة التحديات وتركة ثقيلة من الملفات والأزمات.

أسامة عويدات، قيادي في حركة الشعب

وأوضح أسامة عويدات القيادي بحركة الشعب في حديثه لـ”أفريقيا برس” أنه “بالنسبة للحركة فقد سبق أن طالبت بحكومة سياسية على اعتبار أن الأداء الحكومي كان أداء كارثيا فهو بلا طعم ولا لون ولا رائحة، حيث لا يوجد سياسات عامة واضحة وتخطيط للإنجاز اليومي ولا يوجد تخطيط إستراتيجي لرسم سياسات عامة في الأفق البعيد تحدد ملامح اقتصاد وطني قوي يعول على نفسه كما رأينا ذلك في خطاب رئيس الجمهورية”.

وتابع بالقول “وعلى العكس من ذلك فقد رأينا تمشيا عكس توجهات رئيس الجمهورية وعكس اتجاه 25 جويلية لذلك كنا في حركة الشعب قد طالبنا بإقالة هذه الحكومة، وحتى في مجلس النواب خلال لقاءنا مع الوزراء كان قد نقدنا الحكومة بشكل لاذع لأنه رأينا تنكيلا بالشعب التونسي حيث لا يوجد منجز لفائدة الشعب وهذا ما جعلنا نقول بوضوح تام أن هذه الحكومة فاشلة وعليها أن ترحل”.

وفي معرض رده عن رأيه في تعيين رئيس الحكومة الجديد، يقول عويدات “نحن لا نعرفه.. ولا نقيمه بناء على سيرة ذاتية أو لأنه دون تاريخ سياسي.. نحن نترقب ماذا سينجز وماذا سيتحقق وستحدد العلاقة معه انطلاقا بالأداء المنجز وبأولوياته ورؤيته هكذا سنجدد موقفنا منه أي في علاقة بأدائه قبل كل شيء”.

وأردف “ليس المهم تغيير شخصية بشخصية بل وضع سياسات عامة للإنجاز وإذا لم يتحقق ذلك فإننا سنعيد إنتاج الفشل.”

واستنتج عويدات بالقول “لأننا نريد إنجاح مسار 25 جويلية فإن نصيحتنا لرئيس الحكومة الجديد هو أن نذهب لرسم سياسات عامة تنسجم مع 25 جويلية ونذهب نحو تحقيق دولة الرفاه ونحو إعادة الدولة إلى الشعب، هذه هي المهمة الرمزية والأصلية التي يجب أن تشتغل عليها الحكومة.”

صهيب المزريقي، قيادي في حركة البعث

ويوافق صهيب المزريقي القيادي بحركة البعث الرأي مع عويدات حيث طالب حزبه المؤيد لتوجهات الرئيس ومشارك بعدد من النواب في البرلمان بتغيير شامل للفريق الحكومي، غير أن سعيد اكتفى فقط بإقالة بودن.

وأشار المزريقي في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “التغيير الحكومي كان ضرورة تفرض نفسها خاصة أمام الفشل الحاصل وخسران الحرب الاقتصادية مع لوبيات الاحتكار والمجرمين الذين عبثوا بقوت الشعب مما أدى بهذه الأزمة أن تتمظهر على ماهو اجتماعي في شكل فقدان مواد أساسية وغلاءها وعودة طوابير الخبز وغيرها من الأزمات المعيشية.”

واستدرك “لكن نرجو أن لا يكون التغيير الحكومي تغيير شكلي ووظيفي فقط يقتصر على تغيير الأفراد وتسميات مسؤولين جديدة يسيرون وفق سياسات قديمة وبدون خارطة طريق سياسية واقتصادية واجتماعية مما سيؤدي إلى مراكمة الفشل أكثر، والذي قد يحدث انفجار اجتماعي وهو ما تسعى له الأطراف المعادية لمسار 25 جويلية واللوبيات النافذة والمتحكمة عبر تأجيج الأوضاع”.

وبرأي المزريقي “لا بد من تغيير منهجي وراديكالي في التعاطي مع اليومي التونسي أي أن يكون تغيير على مستوى الإستراتيجية و التخطيط وأن يكون هناك تصور علمي مبني على حسن قراءة الواقع التونسي في خضم المتغيرات الدولية و يراعي أولويات المرحلة وهي الفلاحة بالأساس لأننا نعيش أزمة غذائية عالمية انعكست على الواقع التونسي”.

وعلق بالقول “هنا أعيد التذكير بأن المرحلة تستوجب حكومة حرب اقتصادية، و حكومة الحرب تتطلب خطة واضحة مشفوعة بوسائل تنفيذ كما تستوجب أيضا أن يتوفر وزراء حرب داخل حكومة سياسية وليست بالضرورة حزبية لكي تستطيع أن تسير دواليب الدولة لأن التكنوقراط قد ينجحون في خلق وسائل التنفيذ أما التخطيط ورسم الملامح المستقبلية فهي من مهام السياسيين”.

أما بالنسبة للمعارضة التونسية فقد انتقدت هذا التعيين، حيث استنكرت جبهة الخلاص وهي أكبر تكتل لقوى المعارضة، تنصيب رئيس حكومة جديد غير معروف للتونسيين ولا يملك رؤية واضحة.

ونقلت وسائل إعلامية عن زعيم جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي قوله خلال مؤتمر صحفي للجبهة إن “الرئيس التونسي قيس سعيد اختار شخصا نكرة لا أحد يعرفه في تونس، وهو لا يملك رؤية ولا برنامج، ولا يملك مقدرة سياسية وسيرته لا تبعث على التفاؤل”.

وحذر زعيم الجبهة من “انهيار” للمؤسسات في حال لم يتم الدفع بحكومة إنقاذ، مضيفا “تونس تغرق وأصبحت قضية دولية”.

تركة ثقيلة

يشكل تعيين الحشاني إقرارا من قبل الرئيس سعيد بالفشل الاقتصادي الذريع لحكومة بودن، خاصة بعد معاناة التونسيين في الفترة الأخيرة من ضائقة معيشية تمثلت في نقص المواد الأساسية مثل الخبز والطحين.

ويجمع الخبراء والمحللين على أن التركة الثقيلة من الأزمات تصعب مهمة الحشاني المطالب بترميم صورة مسار 25 جويلية من خلال تحقيق انتعاشة اقتصادية في آجال قريبة تجنب الرئاسة غضب الشارع والعودة إلى الاحتجاجات، وقد شدد سعيد خلال أداء الحشاني لليمين الدستورية على أن دوره الرئيسي يتمثل في“رفع التحديات والحفاظ على الوطن والسلم الأهلي”.

مصطفى عبدالكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان

ويلفت مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان في حديثه لـ”أفريقيا برس” إلى أن “التغيير الحكومي فرضه الأمر الواقع لفشل لحكومة بودن على كل الأصعدة، كما هناك عدم انسجام بين رئيس الدولة والبرلمان فوجدت الحكومة نفسها في وضع صعب”.

وشرح بالقول “فشل حكومة بودن في جلب القروض والاستثمار الاقتصادي وفشل الحكومة في إقناع فريق البنك الدولي والدول المانحة عجل بإنهاء حكومة بودن، إذا فالأمر طبيعي ومنطقي أن يحدث التغيير خاصة وأن بودن طلبت من رئيس الحكومة التخلي عن مهامها عدة مرات آخرها نهاية شهر جوان، وهذه المرة اقتنع الرئيس بطلبها و اختار أحمد الحشاني وقد رافق بودن لأكثر من شهر في رئاسة الحكومة أي أنه من أسابيع وقع استلام المهمة من طرفه تدريجيا إلى أن تم الإعلان عن ذلك”.

وفي تقدير عبد الكبير فإن “المشكلة ليس في تغيير الحكومة بل المشكل في غياب كل الحلول وعدم وجود أرضية تفاهم مع كل الأطراف في الداخل والخارج إضافة إلى أن رئيس الحكومة الجديد غير معروف وغير قادر على هذه المسؤولية الكبيرة”.

وتحاصر الأزمات رئيس الحكومة الجديد فهم أمام مهمة التعاطي مع الأزمة المتفاقمة وشح السيولة وإدارة العلاقات مع الشركاء الأوروبيين بشأن ملف الهجرة الشائك. كما يتعين عليه أيضا التوصل إلى أرضية تفاهم مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قرض بقيمة 9ر1 مليار دولار أمريكي معلق منذ أكتوبر الماضي، بسبب الخلاف حول حزمة الإصلاحات ولا سيما مراجعة أو إلغاء نظام الدعم.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here