مهرجان للسحور يحتفي بالأكلات الشعبية في ليالي شهر رمضان

1
مهرجان للسحور يحتفي بالأكلات الشعبية في ليالي شهر رمضان
مهرجان للسحور يحتفي بالأكلات الشعبية في ليالي شهر رمضان

أفريقيا برس – تونس. خلال شهر رمضان، لبست منطقة باب الخضراء وسط العاصمة التونسية حلّة جديدة، حيث تحولت ساحتها إلى مهرجان مفتوح للسحور يحتضن الأكلات التونسية الشعبية، طيلة ليالي الشهر.

في هذه الساحة لا تهدأ حركة الزائرين الذين اختاروا هذا المكان بالتحديد للحصول على مأكولاتهم الشعبية المفضلة في شهر رمضان، الذي يحتفي فيه التونسيون بالتقاليد الغذائية المتوارثة بين الأجيال.

ومن بين أطباق المأكولات التي تتنوع بين الحار والمالح والحلو، تبقى”صحفة الدرع” الطبق الأكثر طلبا في هذا المهرجان الغذائي، الذي أسسه باعة متجولون وجدوا في هذا المكان فرصة لتنشيط تجارتهم، مستفيدين من شعبية المنطقة وكثافتها السكانية.

وتختلف تسميات “صحفة الدرع” من محافظة إلى أخرى، إذ يُطلق عليها أيضا “بوزة الدرع” أو”كريمة الصحلب” وهي من أشهر الأكلات التي يتناولها التونسيون في السهرات الرمضانية (السحور) ويقبلون عليها في الشتاء باعتبارها مقاومة للبرد.

“صحفة الدرع”… ملكة الأطباق

يسابق لسعد بن حبيب (68 سنة)، عقارب الساعة ليلبي حاجيات زبائنه، الذين توافدوا عليه بكثافة في مهرجان السحور واصطفوا خلف عربته لاقتناء “صحفة الدرع”، التي أضحت طبقهم المفضل في ليالي رمضان.

يقول لسعد إن “هذا الطبق يجد إقبالا كبيرا من التونسيين خاصة خلال شهر رمضان، فمعظمهم يبحثون عن الأكلات الحلوة لتعويض حاجياتهم من السكريات بعد يوم طويل من الصيام”.

تعوّد لسعد طبخ هذه الأكلة التونسية منذ ما يقارب الأربعين عاما، ويحرص على تعليم فنونها لأولاده كما حفظ هو أصولها من والده قبل عقود من الزمن، ويضيف: “صحفة الدرع ليست بالطبق الصعب ولا يتطلب إعدادها جهدا كبيرا، ولكنها تتطلب في المقابل الإتقان والدقة في اختيار المقادير حتى يكون خليطها متماسكا”.

وحول طريقة إعدادها، قال لسعد: “الخطوة الأولى تتمثل في تجفيف حبوب الدرع ومن ثمّة رحيها، ثم طبخها في إناء من الماء أو الحليب مع التحريك المستمر إلى أن يتماسك الخليط، لتأتي لاحقا مرحلة الزينة”.

يتفنن لسعد في تزيين “صحفة الدرع”، وفقا لرغبات زبائنه، ويقول إن “الزينة تتكون أساسا من الفواكه الجافة بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى هريسة اللوز والشامية والسمسم والزنجبيل والعسل”.

ويُخبر لسعد أن “صحفة الدرع تتطور من جيل إلى جيل، فقبل عقود كانت الزينة تقتصر على الحلاوة والسمسم، وهي الآن تتسع لجميع الشهوات والأذواق”.

وتابع: “صحفة الدرع هي طبق الفقراء والأغنياء على حد السواء، فأسعارها تتراوح من دينار إلى 20 دينار، ويختلف السعر بناءً على الإضافات التي يطلبها الزبائن لتزيين هذا الطبق”.

وإلى جانب مذاقها الحلو، تحتوي هذه الأكلة الشعبية التونسية الضاربة في القدم على منافع غذائية وصحية جمة، بفضل مكوناتها المتنوعة التي تزود الجسم بالطاقة، كما أنها مقاوم جيّد لبرد الشتاء.

وللأطباق الحارة نصيب من رغبات التونسيين الغذائية

يمتد نشاط هذا المهرجان الغذائي من الساعة التاسعة ليلا إلى الخامسة صباحا موعد آذان صلاة الفجر، التي يعلن بها المؤذن عن موعد إمساك المسلمين عن الطعام.

ورغم برودة الطقس ليلا، تكتظ ساحة باب الخضراء بالزائرين الباحثين عمّا يشبع رغباتهم الغذائية التي لا تتوقف إلا بحلول موعد الآذان.

وللأطباق الحارة والموالح نصيب من شهوات التونسيين في هذا المهرجان الغذائي، حيث تصطف العشرات من عربات الباعة المتجولين الذين يتنافسون فيما بينهم لإرضاء الزبائن، فتجدهم يتفننون في إعداد الأكلات المتنوعة التي يستوحونها من المطابخ التونسية والإيطالية وغيرها.

يقول خالد بن عيسى (27 سنة)، وهو صاحب محل متنقل للأكلات السريعة، إن “شريحة واسعة من التونسيين يفضلون الأكلات السريعة والحارة على الأكلات التقليدية المحلية، وهم يجدون في مهرجان السحور بباب الخضراء ضالتهم”.

وأضاف بن عيسى: “لقد حوّل شهر رمضان منطقة باب الخضراء إلى مهرجان متوهّج بالنشاط والحركة، حيث المسامرات والمرح والغناء والتمتع بما لذ وطاب من المأكولات، وهي أجواء تميّز هذا المكان عن غيره من الأماكن التي يقصدها التونسيون للسحور”.

وتقول عائشة، وهي مواطنة جزائرية، إنها المرّة الأولى التي تزور فيها هذا المكان، وأن الأجواء بباب الخضراء تشعرها وكأنها في وطنها وبين أفراد عائلتها.

وتابعت: “لقد سمعت عن مهرجان السحور من مواقع التواصل الاجتماعي، ورغبت في خوض هذه التجربة والتعرف على عادات التونسيين الغذائية وتذوق مأكولاتهم الشعبية، وقد كانت تجربة ممتعة”.

باب رزق

ويفتح مهرجان السحور بباب الخضراء باب الرزق للعديد من التونسيين خاصة من ذوي الدخل المحدود أو العاطلين عن العمل الذين يجدون في شهر رمضان مناسبة لتوفير عائدات مالية بفضل المهن الموسمية التي تنتشر في هذا الشهر.

ووجدت فتحية (43 سنة)، في هذا المهرجان فرصة لتأمين مورد رزق وإن كان موسميا، من خلال إعداد “الملاوي”، وهو خبز تقليدي يصنع بطريقة يدوية ويشبه إلى حد كبير الخبز السوري.

تتحمل فتحية ألسنة النار الحارقة وطول ساعات الوقوف وتعجن بيديها، التي أنهكتها متاعب الحياة عجينة “الملاوي” التي تحتاج إلى الكثير من الخبرة والإتقان حتى تكون بمذاق جيّد.

وتقول إن هذا العمل على صعوبته فإنه يمثل بالنسبة لها مهربا من الخصاصة ويقيها من الحاجة، وتؤكد أن خبزها يجد إقبالا واسعا من التونسيين الذين يقودهم الحنين إلى المأكولات تقليدية الصنع.

وحول طريقة صنعه، تقول فتحية إن المكونات الأساسية لهذا الخبز تتمثل في الدقيق والماء والملح، التي تعجنها ثم تشكلها في شكل دوائر مستخدمة زيت الزيتون، ثم تتركها لتطبخ على النار في وعاء تقليدي الصنع.

وعلى غرار فتحية، تلجأ المئات من النساء التونسيات إلى المهن الموسمية لتحصيل قوتهن خلال شهر رمضان، مثل بيع الفطائر و”البريك” ومختلف أنواع الحساء والخبز التقليدي والحلويات المحلية التي يتم تصنيعها بطرق منزلية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here