تونس تطلق “جهازا للدفاع التجاري” لحماية المنتجات المحلية

8
تونس تطلق
تونس تطلق "جهازا للدفاع التجاري" لحماية المنتجات المحلية

أفريقيا برس – تونس. أعلنت تونس استحداث “جهاز للدفاع التجاري” متخصص في البحث والتدقيق في الواردات من خلال الاتصال المباشر بالموردين في إطار استراتيجية تهدف إلى ترشيد التوريد والحد من حجم الواردات من السلع غير المرتبطة بالمواد الأولية أو السلع الجاهزة الأساسية للعمل باتجاه الضغط على عجز الميزان التجاري الذي بلغ مستويات قياسية هذه السنة وحماية الصناعة المحلية والمنتجات التونسية.

وأتى إنشاء الجهاز عن طريق نشره بمرسوم رئاسي بعد أيام قليلة من إعلان وزارة التجارة وتنمية الصادرات ووزارة الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة الصحة عن اعتماد نظام مراقبة مسبقة موجه إلى الموردين يراقب عمليات توريد منتجات استهلاكية معينة، إضافة إلى فرض إجراءات جديدة عند عملية التوريد.

ويمثل بعث جهاز الدفاع وفرض رقابة مسبقة على عمليات التوريد آليات مستحدثة تعبر عن سياسة حمائية طالب بها المصنعون التونسيون المتضررون مما وصفوه بالتوريد العشوائي لسلع خلقت منافسة غير متوازنة في السوق الداخلية، ما كبد الصناعة المحلية خسائر جمة أدت إلى ضرب النسيج الصناعي وإغلاق آلاف المؤسسات وغرق قطاعات برمتها، أهمها النسيج والمواد الصحية.

وما إن بدأ تسريع تنفيذ هذه الاستراتيجية سعياً إلى الحد من عجز الميزان التجاري، حتى قوبل بمطالبة الخبراء بعدم استثناء الواردات المكلفة المرتبطة بعقود طويلة المدى للصناعات الثقيلة والمستنزفة للعملة الصعبة بحكم أن الاقتصار على منع توريد السلع المنتج مثيلها محلياً لا يحقق التأثير المأمول المتمثل في خفض كلفة الواردات والتخفيف على ميزان المدفوعات بسبب انخفاض كلفة توريدها، علاوة على النظر في تحديد مساحة التخفيض التي ستعتمدها تونس نظراً إلى التزامها باتفاقيات تجارية دولية وثنائية.

رقابة وتحقيق

ويعمل جهاز الدفاع التجاري في صلب وزارة التجارة ويتولى التحقيق والبحث والتثبت من كل معلومة يحصل عليها من الموردين والتجار والمنتجين والمصدرين الأجانب والجمعيات والهيئات المعنية، وفق ما جاء بالفصل 34 من الباب السادس من المرسـوم رقم 68 لعام 2022 المؤرخ في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2022. ويشير المرسوم إلى أن إحداث هذا الجهاز يأتي وفقاً للقانون رقم 106 لعام 1998 المؤرخ في 18 ديسمبر (كانون الأول) 1998 المتعلق بالإجراءات الوقائية عند التوريد. ويتولى الجهاز المستحدث “التحقيق في تحديد الإغراق (إغراق السوق بالسلع المستوردة) وضبط درجته وانعكاساته طبقاً للقانون رقم 9 لعام 1999 المؤرخ في 13 فبراير (شباط) 1999 المتعلق بالحماية ضد الممارسات غير المشروعة عند التوريد”.

أما بخصوص الرقابة المسبقة فقد عللتها وزارات التجارة والصناعة والصحة بالحرص على ضمان جودة المنتجات الموردة وعلى سلامة المستهلك، باعتماد نظام مراقبة لعمليات توريد منتجات استهلاكية نشرت قوائم في شأنها مع فرض توريدها مباشرة من المصنع، كما يتحتم على المورد فتح سندات تجارة خارجية لتوريد هذه المنتجات باستظهار فاتورة تحمل تأشيرة المصالح المتخصصة بالوزارات المذكورة وبيانات حول السلع، على أن تستثنى من هذه الإجراءات واردات الدولة ومؤسساتها والواردات من المواد الأولية والمواد نصف المصنعة لفائدة القطاع الصناعي.

يشار إلى أن العجز التجاري لتونس ارتفع خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجالي ليبلغ 19.2 مليار دينار (6 مليارات دولار) مقابل 11.9 مليار دينار (3.7 مليار دولار) خلال ذات الفترة من عام 2021، وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

وفي حين مثل العجز الطاقي 36.6 في المئة من إجمالي العجز التجاري، اعتبر المعهد الوطني للإحصاء أن العجز التجاري للسلع ناتج بالأساس من العجز المسجل مع الصين البالغ 6.6 مليار دينار (ملياري دولار) وتركيا المقدر بنحو 3 مليارات دينار (937 مليون دولار)، علماً أن تونس تسجل عجزاً مع الجزائر بقيمة 2.5 مليار دينار (781 مليون دولار)، وروسيا بملياري دينار (625 مليون دولار)، وإيطاليا 1.7 مليار دينار (531 مليون دولار)، وإسبانيا 700 مليون دينار (218.7 مليون دولار). وبلغت قيمة الصادرات التونسية قرابة 42.2 مليار دينار (13.1 مليار دولار)، مما شكل تحسناً بنسبة 25.8 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021.

واستوردت تونس سلعاً بقيمة 61 مليار دينار (19 مليار دولار) خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، مما أفضى إلى ارتفاع في الواردات بنسبة ناهزت 35 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2021 .

وزادت واردات تونس من الطاقة بنسبة 100.8 في المئة مع نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، وارتفعت واردات المواد الأولية ونصف المصنعة بنسبة 37 في المئة والمواد الاستهلاكية بنسبة 13.4 في المئة ومواد التجهيز بنسبة 41.1 في المئة.

وتراجعت تبعاً لذلك نسبة تغطية الواردات بالصادرات في صلب الميزان التجاري لتونس إلى حدود شهر سبتمبر 2022، بخمس نقاط مقارنة بذات الفترة من عام 2021، وقد بلغت 68.7 في المئة.

واستحوذ الاتحاد الأوروبي على أكبر حصة من الصادرات التونسية مستفيداً من نسبة تناهز 66 في المئة مع تسجيل تطور إيجابي بنسبة 18.7 في المئة. وارتفعت صادرات تونس إلى فرنسا بنسبة 15.3 في المئة وإيطاليا بنسبة 15.9 في المئة وألمانيا بنسبة 22.7 في المئة، خلال تسعة أشهر.

وتراجعت صادرات تونس إلى المجر بنسبة 6.4 في المئة وهولندا بنسبة 1.7 في المئة، فيما حققت الصادرات التونسية ارتفاعاً إلى الجزائر بنسبة 39.4 في المئة وليبيا بنسبة 45.3 في المئة.

وتصدر الاتحاد الأوروبي قائمة مزودي تونس بالسلع خلال الأشهر التسعة الأولى من العام بحصة تقارب 43.9 في المئة من إجمالي واردات البلاد تعادل تقريباً 27 مليار دينار (8.43 مليار دولار)، وقد ارتفعت واردات تونس من فرنسا بنسبة 16.9 في المئة وإيطاليا 41.4 في المئة وألمانيا 5.8 في المئة.

مشمولات الجهاز

وينتظر أن يتم ضبط مشمولات “جهاز الدفاع التجاري” وتركيبته وطرق عمله بمقتضى مرسوم ثانٍ في هذا الشأن. وتتمثل مهمته في حماية المنتج التونسي والدفاع عن الصادرات. وتتطلع وزارة التجارة من خلاله إلى مزيد من الحماية للنسيج الصناعي التونسي، سواء من الممارسات غير المشروعة عند التوريد على غرار ممارسات الإغراق والصعود الكمي للواردات، حيث يقوم الجهاز الذي ينتظر أن يتكون من متخصصين من صلب الوزارة، بالتحقيق في الشكاوى المرفوعة من قبل مصنعين تونسيين. وتلقت وزارة التجارة في 2021، 10 عرائض من مؤسسات صناعية تونسية تطالب بالاستفادة من إجراءات حمائية تجاه منتجات أجنبية مستوردة ألحقت ضرراً مباشراً بها، لكن هذه العرائض افتقدت الدلائل الجدية التي تبرر اتخاذ إجراءات حمائية لصالحها.

في المقابل، شهد عام 2021 إجراءات الوقائية تتعلق بواردات صينية وتركية، بناءً على عرائض قدمتها مؤسسات تونسية. وتعمل وزارة التجارة في هذا الإطار على تنمية الصادرات بمجموعة من التشريعات والإصلاحات الهيكلية مع المحافظة على خصوصية النسيج الصناعي المحلي وتطوير القدرة التنافسية والأخذ بعين الاعتبار الالتزامات الدولية لتونس، بخاصة أن عنصر التجارة الخارجية يعد من العناصر المحددة للسياسات العامة للدول ولعلاقاتها الدبلوماسية.

معاهدات دولية

ورأى الباحث الاقتصادي والناشط في المجال الصناعي حافظ شقشوق أن “مساحة تأثير الإجراءات الاستباقية تبقى محدودة بحكم ارتباطها بفئات محدودة من الموردين الصغار المعتمدين على عمليات شحن صغيرة وغير مستمرة، في حين يفسح ربط نشاط التوريد بإبراز شهادة المنشأ والمصنعين للموردين من المؤسسات الكبرى الملتزمة هذه الإجراءات لطبيعة عملها وتسويقها لسلع مصدرة من بلد المنشأ والتصنيع، الأمر الذي يحد من فاعلية هذه القرارات ويجعلها غير مؤثرة على حيتان التوريد الكبرى”. وأضاف، “بخصوص جهاز الدفاع المكلف التحقيق في الواردات المغرقة للسوق بسلع منافسة للصناعات التونسية المماثلة، فإن حيز نشاطه محدود زمنياً بفعل توقيع تونس على معاهدات دولية واتفاقيات ثنائية علاوة على اتفاقية التجارة الحرة مع منظمة التجارة العالمية والتحفظ على تحللها من بنود أساسية فيها تنص على انفتاح السوق. ويمكن للدولة التونسية الاعتماد على أبحاث يقدمها الجهاز المستحدث تستدل من خلالها إلى المصاعب المالية والظرف الاقتصادي الاستثنائي وما يحتمه من إجراءات استثنائية تحد فيها من تدفق الواردات، فإن ذلك سيكون ظرفياً على أن يتم ترقب موافقة منظمة التجارة الدولية في حال تفهمها”.

واعتبر الباحث الاقتصادي عبدالجليل البدوي أن “الإجراءات المتبعة طبقاً لهذه القرارات معطلة للموردين ومكلفة، لكنها في المقابل لا تحد من الواردات الباهظة الكلفة والمؤثرة مباشرة على ميزان المدفوعات ويتحتم تحديد وجهة هذه الإجراءات وجعلها مخصوصة بالواردات المكلفة من حيث قيمة العملات، الأمر الكفيل بضمان الانعكاس إيجاباً على الميزان التجاري نظراً إلى أن السلطات المعنية لم تعمل على الحد من توريد الكماليات فعلياً بحكم أنها لم تحدد سقفاً لتوريد السيارات على سبيل المثال، وهي ليست بالسلع الأولية أو المعتمدة في النسيج الصناعي وتقوم تونس بتوريد 50 ألف سيارة سنوياً”.

واستبعد البدوي الإشكاليات المترتبة عن تحقيق تونس في إغراق السوق من الواردات، حيث تمكن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وعلى رأسها الاتفاقية الموقعة مع منظمة التجارة العالمية، من تمتع البلدان بالتحفظات ومطالب دعم الاقتصاد ومجابهة العجز في حال الوصول إلى مستويات معينة منه بالميزان التجاري، كما تحتفظ تونس بحقها في مراجعة الاتفاقيات التجارية الثنائية التي لا تنص في بنودها على موانع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن تونس اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here