عباس ميموني
أفريقيا برس – الجزائر. تكتسب الانتخابات الرئاسية المقررة في الجزائر السبت أهمية خاصة، إذ تطرح رهانات كبيرة لكل من المرشحين والبلاد على حد سواء، وتشكل اختبارا جديدا للمسار الديمقراطي، ومدى التزامه بمعايير النزاهة والمصداقية.
يعتبر هذا الاستحقاق الرئاسي مؤشرا هاما على تقدم عملية التعافي السياسي في الجزائر، خاصة أنه يأتي ثاني استحقاق رئاسي بعد انتخابات 2019، التي أجريت في ظل حراك شعبي طالب بالتغيير الشامل.
ويرى خبراء أن نتائج التصويت التي ستُعلنها السلطة المستقلة للانتخابات، ستسهم في رسم ملامح المشهد السياسي للبلاد خلال السنوات الخمس المقبلة، وتحديد توجهاتها على الساحة الدولية، استنادا إلى خطط وبرامج المرشحين الثلاثة.
وفي 21 مارس/ آذار الماضي، قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، التي كانت مزمعة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، مبررا ذلك بـ”أسباب تقنية بحتة”.
المرشحون: دوافع وأهداف
يتنافس في هذه الانتخابات كل من الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون، الذي يترشح بصفته مستقلا ويحظى بدعم أحزاب الأغلبية في البرلمان والعديد من المنظمات، ورئيس حزب حركة مجتمع السلم (ذات توجه إسلامي) عبد العالي حساني شريف، ومرشح جبهة القوى الاشتراكية (ذات توجه يساري) يوسف أوشيش.
وبرر تبون ترشحه لولاية رئاسية ثانية بأنه جاء استجابةً لنداء الأحزاب والتنظيمات التي ناشدته الترشح.
وفي تجمعاته الانتخابية، أكد تبون أنه يسعى للحصول على ثقة الجزائريين مجددا “لاستكمال ما بدأناه في الولاية الأولى، التي كانت قصيرة بسبب الظروف التي فرضتها جائحة كورونا، والتي استمرت قرابة السنتين”.
من جهته، أوضح رئيس حركة مجتمع السلم أن ترشحه يستند إلى مكانة حزبه “فاعلا رئيسيا في الساحة السياسية، ما يستدعي حضوره بمرشحه وبرنامجه الخاص”.
وأكد بعد تقديم ملف ترشحه أن الانتخابات الرئاسية تمثل “فرصة للإصلاح والتغيير، وتجاوز التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في الفترات السابقة”.
أما حزب جبهة القوى الاشتراكية، أقدم حزب معارض في الجزائر، فقد دشن حقبة سياسية جديدة بتزكيته سكرتيره الوطني الأول يوسف أوشيش مرشحا للرئاسيات، وهي المرة الأولى التي يخوض فيها الحزب السباق الرئاسي منذ عام 1999.
وفي إعلانه ترشحه، قال أوشيش إن “قرار مشاركتنا خيار سياسي واستراتيجي تمليه متطلبات تتعلق بوحدة البلاد وتماسكها. كما ينطلق من إيماننا الراسخ بضرورة استعادة الفضاءات الديمقراطية، مع التطلع إلى إعادة الحزب إلى موقع الصدارة في المشهد السياسي الوطني”.
رهانات خاصة
ما كشفه المرشحون الثلاثة عن دوافع ترشحهم يفتح الباب أمام قراءة ثنائية تدعمها التوقعات المتعلقة بالنتائج النهائية للانتخابات.
في الجانب الأول، يسعى تبون إلى الاستمرار في السلطة لفترة رئاسية ثانية، بهدف استكمال التعهدات التي قطعها خلال ولايته الأولى.
فقد سبق أن صرح بأن البلاد دخلت “مرحلة ثانية من الإصلاحات” ينبغي أن تتوج بإنجازات كبيرة بحلول عام 2027.
ومن بين الأهداف الرئيسية التي يطمح إلى تحقيقها خلال هذه الفترة تحسين الاقتصاد الوطني ليصبح ثاني أقوى اقتصاد في إفريقيا (يحتل المرتبة الثالثة حاليًا)، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي إلى 400 مليار دولار من 271 مليار دولار حاليا.
أما في الجانب الثاني، فيتضح أن دوافع ترشح حساني شريف وأوشيش ترتبط بحسابات سياسية تهدف إلى تعزيز مكانة حزبيهما وإعادة تموضعهما في الخريطة السياسية للبلاد.
يدعم المحلل السياسي وخبير القانون الدستوري رشيد لوراري هذه القراءة، إذ يرى أن الرهان الأكبر لتبون هو الاستمرار في الحكم، وتنفيذ الوعود التي قطعها للجزائريين.
وأكد لوراري أن الرهان بالنسبة إلى المرشحين الآخرين يتركز على ما سيحدث بعد الانتخابات الرئاسية.
وبالنظر إلى غياب مؤسسات متخصصة في إجراء استطلاعات رأي بالجزائر، يتوقع معظم المراقبين أن يفوز تبون بولاية ثانية لمدة 5 سنوات.
وأوضح لوراري أن “النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات ستحدد موقع كل من حركة مجتمع السلم ومرشحها حساني شريف، وجبهة القوى الاشتراكية ومرشحها أوشيش، في المشهد السياسي المقبل، وخاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة”.
وأشار إلى أن حركة مجتمع السلم تسعى إلى توسيع حضورها في المؤسسات الحكومية، وهي تطمح إلى التفاوض من موقع قوة للحصول على مقاعد في الحكومة المقبلة، أو تعزيز فرصها في الانتخابات المحلية والتشريعية القادمة.
وفيما يتعلق بجبهة القوى الاشتراكية، أوضح لوراري أن الحزب تخلى عن سياسة “الكرسي الشاغر”، التي أفقدته جزءا كبيرا من أنصاره والمتعاطفين معه، حيث يميل المواطن في النهاية إلى اختيار من يتحمل مسؤولية حل مشاكله.
وأضاف أن الحزب يستعد لما بعد الانتخابات الرئاسية بهدف تعزيز مشاركته الانتخابية في المجالس النيابية، واستعادة معاقله التقليدية، وتوسيع قاعدة انتشاره في باقي المحافظات.
رهانات البلاد
إلى جانب الحسابات المتعلقة بالمرشحين، ترتبط الانتخابات الرئاسية برهانات وطنية تشمل الصورة النهائية للعملية الانتخابية وتأثيرها على المستوى الدولي.
وفي هذا السياق، يشير جميع الأطراف المشاركين في العملية الانتخابية إلى أهمية عاملين رئيسيين هما المشاركة القوية للناخبين، ونزاهة الاقتراع، باعتبارهما محددين أساسيين لنجاح الانتخابات.
المحلل السياسي الجزائري عبد الحكيم بوغرارة أكد أهمية هذين العاملين، مشيرا إلى أن مسألة النزاهة تم تجاوزها منذ استحداث سلطة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات بعيدا عن تدخل الإدارة.
وأوضح بوغرارة أنه لاحظ غياب الحديث عن التزوير أو التلاعب بالنتائج من قبل المرشحين أوشيش وحساني شريف خلال حملتيهما الانتخابيتين، وهو ما يعزز الثقة بتجاوز هذا الهاجس، خاصة أن كليهما ينتمي إلى أحزاب معارضة.
في مقاربته، شدد بوغرارة على أهمية نسبة المشاركة في الانتخابات لأنها تمنح الشرعية للرئيس المنتخب، خاصة في المحافل الدولية.
وأشار إلى أن الدستور الجزائري ينص صراحة على أن “الشعب الجزائري هو مصدر كل السلطات”، وكلما كانت نسبة المشاركة مرتفعة ازدادت شرعية قرارات الرئيس والدولة الجزائرية على الساحة الدولية.
من جانب آخر، أشار المتحدث إلى أن نجاح تنظيم الانتخابات الرئاسية سيساهم في تجنيب البلاد حملات التشكيك والانتقادات من المنظمات الدولية، خاصة أن الجزائر تسعى لتعزيز مكانتها في محيطها المتوسطي والعربي والإفريقي.
كما لفت إلى أن الدعوة لانتخابات مبكرة في سبتمبر/ أيلول عوضا عن ديسمبر/ كانون الأول، كانت إشارة إلى نهاية الأزمة السياسية التي شهدتها الجزائر في 2019، عقب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في ظل الحراك الشعبي المطالب بالتغيير الشامل.
واعتبر تبون أن انتخابات 2019 لم تُجرَ في موعدها الطبيعي، إذ عُقدت في ديسمبر من ذلك العام رغم أنها كانت تُنظم تقليديا في أبريل/ نيسان، ويأتي تقديم موعدها بثلاثة أشهر خطوة نحو استعادة النظام الانتخابي الطبيعي في البلاد.
وقد دعي 24 مليونا و351 ألفا و551 ناخبا جزائريا للإدلاء بأصواتهم السبت، للاختيار بين ثلاثة مرشحين يمثلون تيارات سياسية مختلفة: الوطني، والإسلامي، والاشتراكي اليساري.
وبدأ الناخبون الجزائريون بالخارج، والذين يزيد عددهم على 865 ألف ناخب مسجل، التصويت منذ الاثنين الماضي في الانتخابات الرئاسية المبكرة، فيما انطلقت الأربعاء عملية التصويت عبر المكاتب المتنقلة المخصصة للبدو الرحل، الذين يبلغ عددهم 116 ألفا و64 ناخبا مسجلا في 134 مكتب اقتراع.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس
