جيلالي سفيان: التغيير لا يعني تدمير الدولة، بل تقويتها

جيلالي سفيان: التغيير لا يعني تدمير الدولة، بل تقويتها
جيلالي سفيان: التغيير لا يعني تدمير الدولة، بل تقويتها

أفريقيا برس – الجزائر. فاجأ القيادي في جيل جديد، جيلالي سفيان، مكونات الحزب والشارع الجزائري عموما، بقرار الاستقالة، والدعوة الى مؤتمر استثنائي لانتخاب رئيس جديد، ورغم تبريره للقرار بالامتثال لأدبيات ومبادئ التداول داخل الحزب، إلا أن المسألة لا يمكن أن تكون بمعزل عن المناخ السياسي العام في البلاد، الذي يتوجه الى تصحير المجتمع من القوى الحية، وارساء أحادية غير مسبوقة.

ويعد جيلالي سفيان، من الشخصيات السياسية والأكاديمية التي حملت مشروعا مجتمعيا يقوم على مبادئ الديمقراطية والتداول المرن على مناصب المسؤولية الحزبية والحكومية، وعلى تكريس العلمانية في المجتمع لتحييد التوظيف السياسي للدين.

أسس بمعية نخبة من الكوادر الشبانية والأكاديمية، العام 2011 حزب جيل جديد، وحصل على ترخيص الادارة، في اطار حزمة التدابير الانفتاحية التي قررها آنذاك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تلافيا لوصول موجة الربيع العربي الى الجزائر، لكنه منذ تأسيسه ظل متحفظا على المشاركة في العديد من الاستحقاقات الانتخابية، لقناعة لديه بما يسميه “الطابع المزيف للمواعيد الانتخابية”.

وللاطلاع أكثر على أسباب الاستقالية والمناخ السياسي العام في البلاد، ومصير الحزب، طرح عليه “أفريقيا برس”، الأسئلة التالية:

بقرار الاستقالة تكونون من القيادات الحزبية النادرة التي امتثلت لمبدأ التداول، فما هي الخلفية الحقيقية للاستقالة؟

في مرحلة التأسيس، كنا قلة صغيرة من المؤمنين بمشروع وتصورات حزب ديمقراطي عصري،.ومعظم هؤلاء ما زالوا هنا، حاضرين وفاعلين. والبعض رحل عن هذا العالم، لكن هذا الالتزام يبقى مبدأ قبل أن يكون شعارا سياسيا، ولذلك فان الاجماع كان بين الكل حول أن رئيس الحزب لا يمكنه أن يشغل أكثر من عهدتين عاديتين، وبناء على هذا المعطى سهر الحزب على اعداد وتكوين كوكبة من الإطارات والكفاءات العالية.

إن المشروع المجتمعي لجيل جديد، وهو واحد من المشاريع القليلة التي قدمت للشعب الجزائري، وحرصا على قيم الشفافية وقيم النضال والديمقراطية، عرض برنامجه السياسي، ونصوصه التنظيمية المتعددة، وهيئاته النظامية، كخطوة تستهدف الارتقاء بالأداء الحزبي والسياسي الى مستوى يقطع الطريق أمام هيمنة ممارسات وأساليب المدارس الحزبية التقليدية.

قررتم الاستقالة من رئاسة الحزب في مناخ سياسي معقد، فما مصير جيل جديد؟

خلال المؤتمر التأسيسي لحزب جيل جديد العام 2011، كنت قد وعدت المؤتمرين والضيوف، بأن الحزب بالنسبة لي هو بمثابة غرس شجيرة سنسقيها جميعًا ومعا إلى أن يأتي يوم تُثمر فيه، حتى وإن حدث ذلك بعد رحيلنا. واليوم ها هي الشجرة موجودة، راسخة الجذور.

ولقد كان من المفترض أن يعكس حزب جيل جديد رغبتنا العميقة في تجديد الممارسة السياسية في بلادنا على أسس من المبادئ والقيم التي تسمح ببناء أمة أصيلة، مسؤولة، عادلة ومبدعة، حيث لم تكن تهمنا السجالات الإيديولوجية ولا تصفية الحسابات السياسية. ما كان يهمنا هو الوفاء لقناعاتنا وخوض عمل متماسك في خدمة وطننا.

والآن نحن في مرحلة سياسية تحمل خصوصويات مفاجئة، ولأن مؤتمر الحزب على الأبواب، فان أمام قواعد الحزب وكوادره الفرصة لاختيار قيادة جديدة تستكمل رسالة وعقيدة الحزب النضالية منذ تأسيسه، ونحن نؤمن بأن لكل مرحلة رجالها الذين يضطلعون بحمل المشعل.

تمر الساحة السياسية والحزبية في البلاد، بمرحلة غير مسبوقة، فهل ترون أن المسألة مرتبطة بتضييق السلطة أم افلاس الطبقة الحزبية؟

لقد تطرق الحزب الى الوضعية في العديد من البيانات والمواقف، وحذر من افراط السلطة في تهميش الأحزاب السياسية كمؤسسات اجتماعية وسياسية تساهم في تعبئة وبناء المجتمع، الا أن السلطة مع الأسف لا يروقها أن ترى القوى الحزبية فاعلة ومستقلة، وفي المرحلة الراهنة، تريدها مجرد قطع ديكور، فضلا عن التضييق أكثر فأكثر على الحريات السياسية، في الوقت الذي يروج فيه لأجهزة خاضعة لتكريس تعددية زائفة.

وبهذا الانغماس في منطقها الخاص، أغلقت السلطة الحالية مجال المعارضة السياسية، كما أفسد المجتمع المدني والنقابات ووسائل الإعلام تدريجيا، واحتكر جهاز السلطة التنفيذية جميع المؤسسات واستعملها كأدوات، ليتحوّل الآن إلى سلطة مهيمنة تمنح لنفسها صلاحيات بلا حدود، متجاوزة حتى القواعد الدستورية.

أما العدالة فقد حُوِّلت إلى ذراع لا يقوم إلا بقمع أي اعتراض وملاحقة كل من يفضح الفساد أو يطالب بحقوقه، والفساد أصبح معمما واكتسب قوة جديدة، أما الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور فهي معلقة فعليا. نحن نعيش واقعًا يشبه حالة استثناء دائمة.

ألا يعتبر هذا الوضع أكثر سوءا مما كانت عليه البلاد، ابان حقبة الرئيس الراحل بوتفليقة، أم أن النظام القائم هو نفسه، ولم تتغير الا الواجهة؟

هذا الانحراف نحو الحكم الفردي ليس مجرد فشل للحكام وحدهم، بل هو فشل لبنية التنظيم السياسي للبلاد بأكملها، إنه فشل هيكلي. ومع ذلك، فإن العالم من حولنا، بما فيه علاقاتنا معه، يعيش حالة إعادة تركيب كبرى، وستجد الجزائر نفسها قريبا أمام عدة تحديات في وقت واحد: جيوسياسية، أمنية، دبلوماسية، اقتصادية ومجتمعية. ولمواجهتها، أصبح من العاجل إعادة بناء الثقة بين القادة أنفسهم من جهة، وبين السلطة القائمة والشعب من جهة أخرى.

يجب جعل نظام الحكم شرعيا وفعالا، وعلى السلطة أن تُنهي صراعاتها الداخلية، وتوقف تصفية الحسابات، وتفرج عن عدد كبير من المعتقلين ظلما، وتفتح المجال السياسي فتحا حقيقيا، وتبني في النهاية اقتصادا إنتاجيا حقيقيا. كما يتعين عليها أن تنظّم دولة قوية، عادلة، كفؤة ونزيهة، تحتضن مجتمعا كثيرًا ما وجد نفسه مفككا، فاقدًا لثوابت مستقرة، تنهشه الآفات الاجتماعية، المخدرات، العنف، الفساد، الحرقة، فتحبط معنويات الشعب وتضعف تماسكه الاجتماعي، وخلاصة الأمر، إن الدولة في خطر.

لكن سبق لكم أن التقيتم الرئيس تبون، وأظهرتم تفاؤلا حينها تفاؤلا بشأن التغيير السياسي، ما الذي حدث الآن؟

فعلا استقبلني الرئيس تبون في مكتبه خلال السنوات الأولى لحكمه، وتبادلنا حينها وجهات نظر وتصورات التقت في عدة مخارج، ولمست آنذاك استعدادا لدى الرجل من أجل مباشرة مسار التغيير الهادئ بعيدا عن الفوضى، ولذلك ساد الاعتقاد لدي ولدى الحزب على ضرورة دعم نوايا الرجل.

لكن المؤشرات المتراكمة على مر السنوات الأخيرة، أكدت أن السلطة ماضية في مسار مناقض قوامه تكريس الأحادية وهيمنة الجهاز التنفيذي، وتقزيم دور القوى الحية في المجتمع من أحزاب وجمعيات ونقايات ومؤسسات اعلام، فضلا عن التضييق الممنهج على الحريات السياسية والاعلامية، وتوظيف القضاء في قمع الأصوات المعارضة.

لقد كانت للحزب العديد من المساعي، من أجل حوار شامل، ورفع القيود على الحريات، واجراءات تهدئة تمهد الطريق لردم الفجوة بين السلطة والطبقة السياسية، ومباشرة مسار توافقي يشترك فيه الجميع، لوضع البلاد على منصة صلبة تكفل لها مواجهة التحديات والتحولات الاقليمية والدولية، صوتنا بقي معزولا ومحاصرا.

بناء على هذا الوضع، ما هي رؤيتكم للخروج من هذا النفق الأسود؟

في هذه المرحلة التاريخية، حيث ما زال للبلاد هامش محدود من المناورة، من الضروري فتح نقاش عميق حول الإصلاحات الواجب تصورها لتجديد وتحديث نظام الحكم، والمجتمع في حاجة إلى توافق وطني من أجل إعادة تأسيس العمل السياسي.

وفي هذا المأزق السياسي، على أصحاب القرار الحقيقيين أن يتحملوا مسؤولية مستقبل البلاد، فهم يملكون المفاتيح بين أيديهم، فهم مسؤولون أمام الشعب وأمام التاريخ. وبدلا من الإصرار على الحل الانتخابي الزائف الذي لا يجلب إلا عزوفا عاما متزايدا، كان عليهم أن يدعوا الطبقة السياسية إلى وقفة تأمل صادقة، وأن يفتحوا نقاشا وطنيا جامعا ووطنيا، يقود في النهاية إلى بلورة مشروع مجتمعي يرقى إلى مستوى التحديات المقبلة.

ومن الواجب وضع رؤية حقيقية للتنمية المندمجة، نابعة من مسارنا التاريخي الخاص. فالبلاد لم يعد أمامها متسع كبير من الوقت للشروع في دورة فاضلة تُفضي إلى بناء دولة القانون ومؤسسات محترمة. التغيير لا يعني تدمير الدولة، بل يعني تقويتها.

جمعتم بين النشاط السياسي والفكري، لمن الأولوية الآن لدى جيلالي سفيان؟

إن الجمع بين التفكير والعمل في آن واحد ضروري لأي حركة أفكار، لكن الظروف العملية لا تسمح دائما بضمان الاثنين في وقت واحد، لقد أمضيت 36 عاما متنقلا بين العمل والتفكير، وكان أحدهما يستدعي الآخر، واليوم، صار واجبا علينا جميعا، كمواطنين، أن نفتح بالتوازي مع العمل الميداني الضروري، مجالا واسعا للتفكير والحوار، شاملا وغير مقيد بالحدود الحزبية، من أجل صياغة رؤية لمستقبل جمهوريتنا، قد تقود إلى عمل إنقاذي لبلادنا.

وهكذا، إذا كنت قد حظيت بشرف المساهمة في تأسيس ثم قيادة جيل جديد، فقد حان الوقت اليوم، في هذه المرحلة من التزامي، لأن أكرس المزيد من الجهد لمعركة الأفكار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here