أفريقيا برس – الجزائر. تحول الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عبدالزراق مقري، الى مادة سياسية واعلامية في الجزائر، بسبب صراع أيديولوجي وسياسي متجدد بين الاسلاميين وخصومهم في التيارات الأخرى، حيث كالت له دوائر اعلامية وسياسية وحتى مستقلين انتقادات لاذعة بدعوى استغلال مشاركته في أسطول الصمود من أجل أغراض سياسية وولاء أيديولوجي لتركيا، بينما رافع عنه أنصاره بكونه من الشخصيات السياسية والحزبية النادرة التي تمسكت بدعم القضية الفلسطينية والوقوف الى جانب سكان غزة في مقاومتهم للهمجية الاسرائيلية، فكان بذلك أحسن من مثل الجزائريين في موقف الدفاع ودعم القضية.
وجد الأمين العام لمنتدى العالم الإسلامي للفكر والحضارة، والرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية، عبد الرزاق مقري، في عشرات الأنصار الذين استقبلوه في مطار الجزائر الدولي بالعاصمة، خلال رحلة عودته من تركيا التي رُحّل إليها من قبل الكيان الإسرائيلي بعد اعتقاله ضمن نشطاء أسطول الصمود، أفضل ردّ على حملة التشويه وتهم العمالة والخيانة التي وُجّهت إليه من طرف دوائر سياسية وإعلامية.
ويكون مقري قد قرر اللجوء الى قضاء بلاده، من أجل متابعة من أسماهم، بـ “مروجي حملة التشويه والتخوين التي تعرض لها”، ويقصد بذلك عددا من الصحف والقنوات الفضائية ومدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، اتهموه بـ “العمالة والخيانة” و”الاستقواء بدولة تركيا على حساب السلطات الجزائرية”.
ويبدو أن الحملة التي شُنّت ضد رئيس حركة مجتمع السلم بين عامي 2013 و2023 كانت تهدف إلى دفعه للبقاء أو اللجوء إلى تركيا، لينضم بذلك إلى عدد من المعارضين المقيمين في الخارج، تحت ضغط التخويف والتلويح بتهم ثقيلة. لكن الرجل أبى إلا أن يعود إلى بلاده، حيث حظي باستقبال شعبي من طرف أنصاره ومتابعيه.
ومنذ ابتعاده عن رئاسة حركة “حمس” في مؤتمرها الثامن المنعقد عام 2013، وتوجهه نحو نشاط سياسي وفكري إقليمي عبر إطلاق المنتدى الإسلامي للفكر والحضارة، وتردده اللافت على تركيا، تسلّطت عليه الأضواء داخليًا. وقد صدر في حقه قرار بمنعه من مغادرة التراب الوطني العام الماضي، كما أُجهضت جميع محاولاته لتعبئة الشارع من أجل التظاهر تضامنًا مع قطاع غزة، وتنديدًا بالحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل منذ الثامن من أكتوبر 2023.
طموح سياسي يزعج أركان السلطة
يفيد مصدر مطّلع بأن الطموحات السياسية لعبد الرزاق مقري كانت محل انزعاج من طرف السلطة خلال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها الجزائر عام 2024، والتي أفضت إلى تجديد ولاية الرئيس الحالي عبد المجيد تبون. وبحسب المصدر، فإن ابتعاد مقري عن الشأن السياسي الداخلي جاء مقابل رفع قرار منعه من السفر، غير أن نشاطه في حملات التضامن ومحاولات كسر الحصار عن غزة أعاد الخصوم إلى مهاجمته مجددًا.
ولا يُستبعد أن تكون حملة التشويه والتخوين الأخيرة حلقة من مسلسل مفتوح، خاصة وأن مصدر الحملة حمل بصمة “المصدر الواحد”، إذ إن المقالات الصحفية المنشورة في هذا الشأن في كل من “النهار” و”الخبر” الناطقتين بالعربية، كانت نسخة مترجمة لتلك التي نُشرت في “لوسوار دالجيري” الناطقة بالفرنسية.
وذكر موقع قناة “النهار”، التي أصبحت مؤمّمة من طرف الدولة في عام 2024 بعدما كانت مملوكة للقطاع الخاص، في إطار الحرب على الفساد، أن “مقري، بمجرد حلوله بإسطنبول، رفض أي تعامل مع أعضاء السفارة الجزائرية التي سعت للتكفل به لدى وصوله إلى تركيا، بينما كانت الجزائر قد حسمت التكفل بكافة الجزائريين المشاركين في القافلة، بالتنسيق مع دولة شقيقة”.
وأضاف: ” أن مقري الذي كان قد أطلق تسجيلا يطلب فيه من الحكومة الجزائرية حصرياً بالتدخل لإنقاذه من الأسر وإعادته سالماً إلى أرض الوطن، لكنه في الوقت ذاته كان قد ربط اتصالاته مع المصالح الأمنية التركية التي يعلم علاقاتها غير المخفية مع الموساد”.
وتابع: “فور إتمام تحريره ودخوله عبر رحلة جوية تركية إلى أراضيها، تبيّن حسب شهادات أن مقري قال لجزائريين هناك فور نزوله (عندنا أصدقاء في تركيا) رافضا بعد ذلك أي تواصل مع دبلوماسيينا في تركيا”.
ولفت الى أن “هذه المعطيات تطرح مشكلة كبيرة بالنسبة لعبد الرزاق مقري الذي قبل تنسيقا مخابراتيا تركيا إسرائيليا، يدخل بكل وضوح في خيانة عظمى وتجاوز كل الخطوط الحمراء في التعامل في مثل هذه الحالات مع أجانب على حساب حكومته التي طلب تدخلها بشكل واضح ومباشر، لم يطلبه من أية جهة أخرى”.
تجني اعلامي غير مسبوق
لكن النائب البرلماني عن حركة “حمس” عبدالوهاب يعقوبي، في رسالة تضامن، نشرها على صفحته الرسمية في الفيسبوك، أكد على أن “ما تعرض له الدكتور عبد الرزاق مقري من تهجٍّم إعلامي رخيص، قبيل انطلاق أسطول الصمود، لم يكن سوى حلقة إضافية في سلسلة محاولات يائسة للنيل من صورة رجلٍ عرفه الجزائريون بثباته على المبادئ، ورفعة خلقه، وحرصه الصادق على قضايا وطنه وأمّته”.
وأضاف: “لقد رأينا كيف تحركت الأقلام المأجورة والمنابر المعلومة الوجهة، ثم أُطلقت جيوش الذباب بأنواعه الاصطناعي والبشري في محاولة لتشويه صورة رجل، كلما زادوا عليه أذًى، ازداد احترام الناس له، وارتفع قدره في أعين الشرفاء. لكنهم أخطأوا التقدير. فالمروءة لا تُغتال بالتشويه، ولا تُلغى بالمزايدات”.
ولفت إلى أنه، عندما يتحول الدخول إلى الوطن في ظروف صعبة عبر تركيا، وهي الشريك السياسي والاقتصادي الأبرز للجزائر، تُوجَّه له تُهم سخيفة، فقط لأن الدكتور مقري مرّ عبر مطارها مثل باقي الوفود. لكن استقباله بحضور رسمي من الدبلوماسيين الجزائريين في إسطنبول يُعدّ دليلًا على الإفلاس الأخلاقي والفكري لمن يديرون هذه الحملات القذرة.
غير أن الإعلامي الجزائري المختص في الشأن السياسي، عمار قردود، ذهب إلى النقيض من ذلك في تصريحه لـ”أفريقيا برس”، وذكر أن “ما يؤكد أن نية عبد الرزاق مقري، المشارك في أسطول الصمود العالمي، كانت مبيّتة، وأنه كان يهدف من وراء مشاركته إلى تسجيل نقاط سياسية وخدمة أجندات انتخابية، هو رفضه انتظار مساعدة الدولة الجزائرية التي كانت تتابع الوضع عن كثب وتنتظر الفرصة المناسبة للتدخل لإنهاء المسألة بالتنسيق مع الأردن أو مصر، وفضّل – فيما يشبه الفرار بجلده – السفر إلى تركيا، تاركًا وراءه بقية الجزائريين المحتجزين”.
واللافت، بحسب قردود، أن مقري سبق أن أطلق تسجيلًا مصورًا دعا فيه الحكومة الجزائرية حصريًا للتدخل لإنقاذه من الأسر، بعد توقيفه من طرف جيش الكيان الإسرائيلي.
وأضاف: “ما يُلام عليه مقري، هو أنه لم ينف ولم يؤكد ما إذا رفض التوقيع على وثائق تقرّ بأنه دخل البلاد بطريقة غير قانونية، وفقاً لتقارير صادرة عن منظّمي الأسطول الإنساني. وقد تم اعتراض النشطاء، المشاركين في أسطول الصمود العالمي، من قبل البحرية الإسرائيلية في المياه الدولية أثناء محاولتهم إيصال مساعدات إنسانية إلى غزة، حيث رفض المحتجزون التوقيع على أوامر الترحيل التي تتطلّب منهم الاعتراف بسلطة الكيان الإسرائيلي والموافقة على ترحيلهم الطوعي”.
على ماذا وقع مقري في الكيان
ويبدو أن الصراع الأيديولوجي المزمن في الجزائر بين الاسلاميين وبين العلمانيين والليبيراليين، سيعرف هذه المرة منعرجات جديدة، في ظل الدخول المباشر لمنابر اعلامية مقربة من السلطة، أو مؤسسات مملوكة للدولة، على خط السجال المتفاقم، فبالموازاة مع حملة الصحف والمواقع، شكل سحب سلطة الضبط القطاع السمعي البصري، لبيانها من موقعها، بعدما ساد الاعتقاد أن السلطة المهنية تدخلت لضبط الموازين واعادة المياه الى مجاريها، تحولا لافتا يوحي الى أن المسألة على ارتباط بدوائر عليا بصدد تصفية الحسابات مع عبدالزراق مقري، الذي لا يخفي طموحه في شغل كرسي قصر المرادية (رئاسة الجمهورية).
وكانت السلطة الوطنية للضبط السمعي البصري، قد ذكرت في بيانها المسحوب، بأنها “تتابع باهتمام بالغ التغطيات الإعلامية والتفاعلات التي أعقبت الأحداث الأخيرة المرتبطة بالمشاركة الجزائرية في مبادرات إنسانية داعمة للقضية الفلسطينية، التي كانت ولا تزال قضية مركزية بالنسبة للدولة الجزائرية وشعبها ومؤسساتها كافة”.
وأبرزت أن “موقف الجزائر الثابت في نصرة الشعب الفلسطيني يُعد شأنا وطنيا جامعًا لا يحتمل المزايدات أو التوظيفات السياسوية والإعلامية، وأن كل المبادرات الداعمة تثمن في إطار احترام السيادة الوطنية وضوابط القوانين المعمول بها”.
وشددت على أنه “انطلاقًا من أحكام القانون العضوي للإعلام، والقانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري، لاسيما المواد التي تلزم بتحري الدقة والموضوعية في معالجة المعلومات، تدعو السلطة كافة الفاعلين في مجال خدمات الاتصال السمعي البصري، العمومية والخاصة، إلى التحلي بروح المسؤولية المهنية والأخلاقية، والالتزام بالضوابط المحددة في المرسوم التنفيذي رقم 250-24 الذي يحدد أحكام دفتر الشروط العامة المفروضة على خدمات الاتصال السمعي البصري، ولذلك تذكّر بوجوب التحقق من مصادر الأخبار، وتفادي بث محتويات تحريضية أو ذات طابع تشهيري”.
انفلات سلطة الضبط
وأعربت عن “رفضها القاطع لمحاولات بعض المؤسسات السمعية البصرية إصدار أحكام أو توجيه اتهامات دون سند، وأن مثل هذه الممارسات تشكل إخلالًا بمبدأ الفصل بين السلطات وبأخلاقيات المهنة. وأن حرية التعبير وواجب التحفظ وجهان متلازمان في أداء رسالة الإعلام، وأن النقاش العمومي المشروع لا يمكن أن يبرر المساس بالأشخاص أو التشكيك في ثوابت الموقف الوطني، وأن الجزائر ستظل، كما كانت دائمًا، داعمة للقضية الفلسطينية وشريكة في كل الجهود الإنسانية والسياسية الرامية إلى إنهاء الاحتلال.
لكن الاعلامي المختص في الشؤون السياسية عمار قردود، يشدد في تصريحه، لـ “أفريقيا برس”، على أن “النشطاء أكدوا على أن اسرائيل لا تملك أي سيادة على المياه الإقليمية لغزة، وأنهم اختُطفوا قسراً من المياه الدولية، مما يجعل الادعاء بالدخول غير القانوني بلا معنى قانوني، ومن بين المحتجزين الناشطة البيئية السويدية (غريتا تونبرغ) والممثل الأيرلندي (ليام كننغهام)، واللذان رفضا التوقيع على وثيقة الترحيل، وتقريباً معظم المحتجزين رفضوا الانصياع للأوامر الإسرائيلية. وقالوا في بيان مشترك: (إن إسرائيل لا تملك أي ولاية قضائية على غزة، ولن نعترف بسلطة دولة اختطفتنا من المياه الدولية)”.
وأضاف: “مسؤولون إسرائيليون أفادوا بأن النشطاء الذين يوقّعون على نموذج الترحيل يُفرج عنهم خلال 72 ساعة (وهو ما حدث مع مقري)، في حين يُنقل الرافضون إلى مراكز احتجاز مثل رمْلة ويُعرضون أمام محاكم الهجرة”.
وخلص المتحدث، الى أن “مقري، كان يبحث عن هالة إعلامية وشعبية خدمة لتوجهاته الإيديولوجية الإخوانية وتحسباً لاستحقاقات انتخابية، فالرجل لا يخفي طموحه لرئاسة الجزائر وهو معروف بآراءه المتناقضة ومواقفه المتلونة كالحرباء ولهذا كُشفت آلاعيبه والدليل أنه تم ترتيب عودته والاستقبال الشعبي اللافت الذي حُظي به وكأنه بطلاً مغواراً!. ولكن مع ذلك أنا أرفض تخوين مقري وإن كان أبدى ولاءه لتركيا، مثلما زعمت وسائل إعلام جزائرية، التي باتت توزع صكوك الوطنية على من تشاء ووقتما تشاء”.
وكذب مقري، في بيان له، ما تمّ تداوله عبر بعض القنوات والصفحات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، من مزاعم باطلة مفادها رفض التعامل مع أعضاء السفارة الجزائرية بتركيا، وأنه أقام علاقات أو اتصالات مشبوهة مع أطراف أجنبية.
شتاء قضائي ساخن بين مقري وخصومه
وأكد على أنه “فور الوصول إلى الأراضي التركية، استُقبل رسميًا من طرف وفد القنصلية العامة الجزائرية بإسطنبول بحضور القنصل العام شخصيا، الذي حرص على استقبال جميع الجزائريين المشاركين في أسطول الصمود، وأن ما يتردد حول رفض التعامل مع الدبلوماسيين الجزائريين، أو تنسيق مع جهات أجنبية، هو افتراءٌ خطير، ولذلك سيلجأ للقضاء لمتابعة منابر وصفحات حملة التشويه والتخوين”.
وكانت التنسيقية الجزائرية الشعبية لنصرة فلسطين، قد أوردت جميع أسماء الجزائريين الـ 17 المعتقلين في الكيان الاسرائيلي، ومن بينهم عبدالزراق مقري، في الرسالة التي رفعتها الى الرئيس عبدالمجيد تبون، من أجل التدخل لصالحهم، عبر جملة من الخطوات السياسية والديبلوماسية للضغط على اسرائيل وحماية الرعايا الجزائريين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس