تعاون دفاعي جزائري تونسي يثير جدلاً سياسياً

تعاون دفاعي جزائري تونسي يثير جدلاً سياسياً
تعاون دفاعي جزائري تونسي يثير جدلاً سياسياً

أفريقيا برس – الجزائر. ألقت الخلافات السياسية والأيديولوجية الداخلية والاقليمية على الاتفاق العسكري المبرم مؤخرا بين الجزائر وتونس، وطفت على السطح العديد من القراءات التي ذهب بعضها الى اعتبار الاتفاق خطوة في طريق اعادة التوازنات الأمنية والاستراتجية في المنطقة، وبين مشكك في مضمونه في ظل نوايا جزائرية لاحتواء تونس، وبين مرحب به، كونه يكرس علاقات التميز بين البلدين ويعزز التعاون الشامل بينهما، خاصة في ظل التحولات والمخاطر المحدقة بالمنطقة.

أكد المحلل السياسي الياس جبايلي، أنه هناك أكثر من داع محلي واقليمي يعلل الاتفاق العسكري المبرم بين الجزائر وتونس، وأن المسألة لا تستدعي كل التهويل أو القراءات المضخمة، سواء كان الأمر بالنسبة للفواعل السياسية والأيديولوجية الداخلية، أو الفاعلين في المنطقة، فالبلدان شقيقان وجاران، تربطهما علاقات تاريخية وشعبية عميقة، ويعدان نموذجا للتكامل في المنطقة.

وصرح، لـ “أفريقيا برس”، بأن “الجغرافيا المشتركة بين البلدين بدءا من المنطقة الثلاثية في أقصى الجنوب الى غاية أقصى الشمال على ساحل حوض المتوسط، تحتم على البلدين حشد جهود وامكانيات مشتركة لتأمينها من مخاطر وتغلغل نشاط الجماعات الجهادية، كما كان الشأن في جبال الشعانبي خلال السنوات الماضية”.

وذكر في هذا الشأن، بأن التضاريس الوعرة التي تميز الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس، سمحت لجماعات جهادية تابعة لداعش والقاعدة أو حتى مستقلة، من استغلالها في التخطيط والتنفيذ لعمليات ميدانية، ثم التنقل بين تراب البلدين بداية من العام 2012، في محاولة للاستفادة من تحرك قوات الأمنية البطيء وحاجتها للوقت في عمليات التنسيق بين القيادتين العسكريتين والأمنيتين في البلدين.

وأضاف: “الوضع الأمني الهش في ليبيا، وظاهرة انفلات السلاح وتفاقم المجموعات المسلحة، يشكل خطرا على أمن واستقرار المنطقة، ويمكن للفوضى أن تمتد الى تراب البلدين خاصة في الأقاليم الحدودية، ولذلك من الضروري ايجاد آليات عمل وتعاون عسكري وأمني واستعلاماتي بين البلدين، وهي مسألة لا يوفرها الا اتفاق واضح ومعلن بين البلدين”.

حتمية التكيف مع المخاطر المتطورة

المسألة في نظر المتحدث، لا تتوقف عند تلك الأسباب فقط، بل تمتد الى الهجرة غير النظامية والجريمة العابرة للحدود، وشبكات التهريب والتجارة المحظورة، حيث تحول البلدان في السنوات الأخيرة، الى وجهة لجحافل الحراقة والجريمة المهددة للاستقرار والتماسك الاجتماعيين، خاصة في ظل امكانيات توظيفها لأغراض أخرى.

ولفت الى أن تونس تظل العمق الاستراتيجي للجزائر، واستقرار تونس وأمنها يعتبر بداية أمن واستقرار الجزائر، مستدلا على أن الطائرة المسيرة التي استهدفت احدى سفن أسطول الصمود في ميناء سيدي بوسعيد، وبغض النظر عن مصدرها، فقد أكد على حاجة تونس الى تطوير قدراتها العسكرية والتنسيق مع أول بلد شقيق وجار موثوق.

لكن الاتفاق الذين تضمن عدة مجالات كالتدريب والتكوين، وتبادل الخبرات والمعلومات، والتنسيق الثنائي، والعمليات المشتركة، والتعاون في أمن الحدود، أثار مخاوف مغربية عبرت عنها العديد من المنابر الاعلامية المقربة من القصر الملكي.

هوس التفوق الاستراتيجي المغربي

في سياق التوترات الإقليمية المتصاعدة، أثار الاتفاق الدفاعي بين الجزائر وتونس ردود فعل متباينة، أبرزها الانزعاج المغربي الذي اعتبره مراقبون انعكاسًا لنزعة التفوق الاستراتيجي التي ينتهجها نظام المخزن. هذا الاتفاق، الذي يُنظر إليه كخطوة قد تعيد رسم التوازنات العسكرية في شمال إفريقيا، تم تصويره في الإعلام المغربي على أنه محاولة من النظامين الجزائري والتونسي للهروب من أزماتهما الداخلية وتحسين صورتهما أمام الرأي العام.

صحيفة “هيسبريس” المغربية، المقربة من القصر الملكي، استعانت بالناشط الجزائري المعارض شوقي بن زهرة لتقديم قراءة ناقدة للاتفاق، معتبرًا أنه لا يتجاوز كونه خطوة رمزية موجهة للاستهلاك الإعلامي الداخلي. وأكد أن النظام الجزائري يسعى من خلالها إلى إظهار قدرته على المبادرة والتحالف، رغم ما وصفه بالعزلة الإقليمية التي تعاني منها الجزائر نتيجة خلافاتها المتكررة مع جيرانها.

بن زهرة أشار أيضًا إلى أن التعاون الأمني والعسكري بين الجزائر وتونس ليس جديدًا، وأن الاتفاق لن يغير من طبيعة التوازنات القائمة، خاصة في ظل ما وصفه بتبعية تونس المتزايدة للجزائر نتيجة أزماتها الاقتصادية واعتمادها على الدعم المالي الجزائري.

في المحصلة، يرى منتقدو الاتفاق أنه يأتي في إطار تعزيز سردية النظام الجزائري حول مكانته الإقليمية، أكثر من كونه تحركًا فعليًا لإعادة تشكيل خارطة التحالفات في المنطقة.

وفيما لم يصدر أي تعليق عن جهات نظيرة في الجزائر عن القلق المغربي من الاتفاق، استغرب مدونون على شبكات التواصل الاجتماعي، سر انزعاج الرباط من الاتفاق، وهي التي ترتبط باتفاقيات عسكرية وأمنية كبيرة مع اسرائيل في اطار التطبيع بينهما، بينما ينزعج من اتفاق بين بلدين شقيقين وجارين، يشكلان نموذجا ايجابيا في العلاقات العربية الثنائية.

ومنذ بداية التقارب اللافت بين الجزائر وتونس، في السنوات الأخيرة، ومشاركة الرئيس الصحراوي ابراهيم غالي، في الطبعة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في افريقيا التي احضنتها تونس في صائفة العام 2022، دخلت العلاقات التونسية- المغربية في حالة فتور غير مسبوق، وارتفعت أصوات في الرباط تتهم تونس بالارتماء في أحضان الجزائر، وانحيازها لصالح القضية الصحراوية، وهي الورقة الذي يلوّح به في كل خطوة تقارب بينها وبين الجزائر.

ولا يتوقف اللغط المثار حول الاتفاق العسكري بين الجزائر وتونس، عند المغرب فقط، بل ينطلق من المعارضة السياسية الداخلية التي تتهم بشكل غير معلن الجزائر بدعم نظام الرئيس قيس سعيد، ومساعدته بكل الامكانيات من أجل الصمود في وجه غضب الشارع التونسي.

المكاييل المتعددة للمعارضة السياسية

في خضم الجدل الدائر حول الاتفاقية العسكرية بين تونس والجزائر، دعت “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة السلطات التونسية إلى كشف تفاصيل هذا الاتفاق للرأي العام وعرضه على المؤسسات الرسمية، مؤكدة أن الصمت الرسمي إزاء ما تداولته الصحف الجزائرية والأجنبية يثير الريبة.

الجبهة شددت على أن أي اتفاق أمني أو عسكري لا يمكن أن يُلزم الشعب التونسي دون المرور بالنقاش العمومي والمصادقة المؤسسية، معتبرة أن الشفافية في مثل هذه القضايا تمثل جوهر السيادة الوطنية.

وفي سياق دفاعها عن استقلالية القرار التونسي، ذكّرت الجبهة بتاريخ البلدين الذي أفرز هويتين وطنيتين متمايزتين، مؤكدة أن أي تعاون بينهما يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل، بعيدًا عن منطق الهيمنة أو الإلحاق. هذا الموقف يعكس مخاوف متنامية لدى بعض الأوساط المعارضة من أن الاتفاق قد يكون خطوة نحو احتواء جزائري لتونس تحت غطاء التعاون الدفاعي.

لكن العميد المتقاعد في الجيش التونسي خليفة الشيباني، يرى بأن “الاتفاق يترجم عمق العلاقات بين البلدين واستمرارية التعاون العسكري الممتد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وأن المراحل التاريخية التي مر بها البلدان أثبتت دائما أن أمن تونس من أمن الجزائر، وأمن الجزائر من أمن تونس، كما أن التغيرات والتطورات تملي ضرورة التكيف معها عسكريا وأمنيا، وعدم الاكتفاء بالمنجزات القديمة”.

وأرجع المتحدث أسباب اللغط المثار حول الاتفاق، الى انزعاج قوى داخلية واقليمية لم يسميها من تعزيز التقارب بين البلدين، مشيرا الى أن التلويح بشعارات سياسية حول السيادة والشفافية والمؤسسات، لم تظهر لما تم ابرام اتفاقيات أخرى مع جيوش فرنسية وأمريكية، كما أن الخوف على التوازنات الاقليمية لم يكن لما أبرمت اتفاقيات ضخمة مع العدو الأزلي للأمة.

تحولات بنية النظام التونسي

وربط مصدر أمني جزائري، فضل عدم الكشف عن هويته، الاتفاق المبرم بين الطرفين، بنوايا الجزائر في توسيع تحالفها الاقليمي الى تونس، خاصة في ظل عدم اعتراض قوى كبرى على تعزيز الجانب العسكري البري والبحري في المنطقة.

وأكد لـ “أفريقيا برس”، على أن “الجزائر تدعم حاليا التحول داخل بنية النظام السياسي التونسي، فبعدما ظل نظاما بوليسيا الة غاية سقوط الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، يتوجه الرئيس قيس سعيد، بدعم جزائر الى ارساء نظام يعتمد على الجيش كمؤسسة وازنة داخل السلطة، وهو ما يتطلب امكانيات وتكوين وتدريب ولوجيستيك”.

ولفت الى أن تعداد الجيش التونسي يبلغ الآن نحو 100 ألف عسكري، بعدما كان لا يتعدى الـ 40 ألف في وقت مضى، الأمر الذي يؤكد نوايا النظام التونسي في تغيير البنية الداخلية للنظام، وارساء مؤسسة عسكرية تخلف البوليس، لمواجهة التحديات والمخاطر، وهو طموح لن يتحقق لتونس الا بارساء تحالف عسكري مع الجزائر، التي تصنف ضمن الـ 25 أقوى جيش في العالم، بينما يصنف الجيش التونسي الـ 14 افريقيا و90 عالميا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here