أفريقيا برس – الجزائر. تسبب الهدوء الهش الذي يطبع العلاقات الجزائرية الفرنسية هذه الأيام، في حالة من السجال السياسي والإعلامي بين الفرقاء في فرنسا، وبينما كرر وزير الداخلية الجديد، لوران نونياز، من “خرجاته” الإعلامية المغازلة للجزائر، أكد المؤرخ والخبير في العلاقات الجزائرية الفرنسية، بنجامان ستورا، أن الأزمة التي ضربت العلاقات الثنائية منذ صيف 2024، لا يمكن تجاوزها بالسهولة التي يتحدث عنها البعض في الضفة الشمالية للبحر المتوسط.
وفي حوار لوزير الداخلية الفرنسية لصحيفة “لا تريبون دو ديمانش”، صدر الأحد 16 نوفمبر 2025، قال لوران نونيز، إن “ما سمح لنا بإعادة بناء العلاقات مع الجزائر كان، أولا وقبل كل شيء، استعدادنا المعلن داخل الحكومة لإعادة فتح المناقشات. هذا هو الموقف الذي اتخذته أيضا عندما توليت الوزارة”.
وعبر المسؤول الفرنسي عن رغبة جامحة من طرف بلاده، في استعادة التعاون الأمني المتوقف منذ ما يقارب 18 شهرا، أما الهدف من وراء ذلك، يقول لوران نونياز: “ببساطة لأننا نحتاج إلى أن يستعيد الجزائريون رعاياهم الموجودين في وضع غير نظامي، وأن يصدروا لهم تصاريح دخول وفقًا لأحكام اتفاقية عام 1994. نحتاج إلى إعادة فتح قنوات الأمن مع الجزائر، التي تعد طرفًا رئيسيًا في مكافحة الإرهاب على وجه الخصوص”.
لكن الجزائر تدافع عن حقوق رعاياها استنادا إلى اتفاقية العمل والمصالح القنصلية الموقعة بين البلدين عام 1974، والتي تخص في بعض موادها حق الرعاية القنصلية التي يمكن أن توفرها المصالح القنصلية لأي من البلدين لرعاياه، في حال توقيفهم على أراضي البلد الآخر.
وتنص المادة 33 من هذه الاتفاقية التي وُقعت في 25 أيار 1974 على أنه “يجب على السلطات في دولة الإقامة أن تُعلم القنصلية الخاصة بدولة الإرسال بأي تدبير يقيد الحرية، تم اتخاذه ضد أحد رعاياها، بالإضافة إلى تحديد التهم التي أدت إلى اتخاذ هذا التدبير، وذلك في فترة تتراوح بين يوم إلى ثمانية أيام من يوم اعتقال هذا الشخص، أو احتجازه، أو حرمانه من حريته بأي شكل من الأشكال”.
وبينما يبدو لوران نونياز متفائلا بمستقبل العلاقات الثنائية، يؤكد المؤرخ بنجامان ستورا، أن خصوصية العلاقات بين الجزائر وفرنسا، ليس من السهولة بمكان العودة على طبيعتها، ولاسيما في ظل تركيز الجانب الفرنسي على المسائل التي تخصه، مقابل تجاهل انشغالات الطرف الجزائري، التي لا يمكن التنازل عنها بالنظر لوجاهتها ومشروعيتها.
وفي حوار خص به إذاعة فرنسا الدولية “فرانس أنتر” السبت 15 نوفمبر 2025، قال بنجامان ستورا، إن “العلاقات بين الجزائر وفرنسا صعبة ومعقدة بشكل كبير، لأنها يحضر فيها الجانب المتعلق بالمشاعر المشحونة بالألم” والموروثة من الحقبة الاستعمارية. وأضاف: “لقد مررنا بسنة صعبة جدا، شعر خلالها الجزائريون، بوجود حملة منظمة تجاههم في فرنسا، بينما تحدث الفرنسيون عن غياب التعاون من قبل الجزائر في ترحيل الرعايا الذين صدرت بحقهم قرارات طرد من التراب الفرنسي”.
وشدد ستورا الذي يعتبر مستشارا بقصر الإيليزي لشؤون الذاكرة على صعوبة المهمة من الجانب الفرنسي: “لا يمكن مسح 132 سنة من الاستعمار بمجرد إشارة واحدة أو خطاب واحد أو فعل واحد. الأمر أعمق بكثير من هذا. المسألة تتعلق بمستعمرة استيطانية، حرب الاستقلال الجزائرية كانت مخيفة، من أبرز مظاهرها ترحيل أكثر من مليوني جزائري داخل البلد، تدمير ثلاثة آلاف قرية، والفرنسيون يجهلون كل هذا، كما يجهلون أيضا أن الغزو استمر لنحو نصف قرن، ورافق ذلك مجازر مروعة، وهذا لا يمكن مسحه من ذاكرة الجزائريين بسهولة”. لذلك لا بد من ورشة عمل عملاقة على ملف الذاكرة.
وفي السياق ذاته، اشتعلت الساحة السياسية والإعلامية سجالا بين معسكر الرئيس الفرنسي وخصومه السياسيين، وكان اللافت هذه المرة خروج وزير الداخلية السابق، برونو روتايو، عن صمته مدافعا عن نفسه كمتهم بتأزيم العلاقات بين البلدين، وقال في تصريح له للإعلام الفرنسي: “إن الأزمة بين الجزائر وباريس لم تبدأ مع تكليفي بحقيبة الداخلية الفرنسية”.
وأضاف في تصريح مقتضب: “يجب الإقرار بأن انفجار الأزمة بين البلدين جاء مباشرة بعد اعتراف الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) بالسيادة (المزعومة للنظام المغربي) على الصحراء الغربية”، في رسالة مباشرة إلى قصر الإيليزي الذي حاول التستر وراء تصريحات روتايو، لتبرير فشل بلاده في تحقيق ما كانت تصبو إليه مع الجزائر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





