افريقيا برس – الجزائر. تقلصت دائرة المواد الاستهلاكية للمواطن الجزائري بعدما خرجت منها معظم المنتجات كاللحوم والأسماك والمكسرات والأجبان، التي أضحت اليوم من أرقى الكماليات التي طلقت المائدة الجزائرية بالثلاث وقاطع ذوقها لسان المواطن العادي.
في هذه الأيام التي يخيم عليها القحط والتصحر وعجز الناس عن مواكبة موجة الاستهلاك اليومي التي استعصت على عامة الناس، يضغط خصوم المستهلك على الزر الأحمر لإخراج العديد من مواد من قائمة المشتريات اليومية التي تقلصت وتوشك أن تقتصر على الخبز والحليب والخضر والعجائن وبعض البقول. فبالنسبة للحوم الحمراء فقد صدر في حقها حكم النفي من المنزل منذ زمان ولم يعد لها وجود لأن الألف دينار الحمراء لم تعد قادرة على شراء كيلوغرام واحد من هذه المادة التي أضحت بلغة الكومبيوتر ملف غير معروف في ذهنية المواطن العادي، الذي رفع الراية البيضاء أمام كل ما هو أحمر عند الجزار.
وقد سلكت الأسماك نفس المسار وامتد العصيان السمكي إلى السردين المصنف كآخر حبة في المنتجات البحرية فإذا به هو الآخر ينتفض ويرتقى في سلم الأسعار ليتجاوز 750 دج للكيلوغرام، وفي الحقيقة الكلام يكون بوحدة 2 كيلوغرام لأنها الكمية المناسبة للعائلة الجزائرية التي تقدر قيمتها بـ 1500 دج وهنا أيضا يُفضح ضعف ورقة الألف دينار. وأما الأنواع الأخرى من الأسماك على شاكلة المارلون والروجي والجمبري والتونة فهي في خانة الممنوعات واقتناؤها دق يستدعي فتح تحقيق من باب من أين لك هذا؟ وقد توجه لصاحبها تهمة تعاطي مواد محظورة.
دائرة العجز التي تتسع كل يوم كبقعة زيت امتدت أيضا باتجاه اللحوم البيضاء التي توشك أن تنسحب هي الأخرى من قائمة المشتريات ودخلت دائرة المواد المستعصية بعدما تجاوز السعر 320 دج للكيلوغرام، وبالتالي لم يعد الدجاج من الأكلات المنقذة للأسرة الجزائرية التي تميل اليوم مرغمة إلى البطاطا وأخواتها من الخضر التي لازالت في المتناول. والملاحظ أن البطاطا المقلية أضحت المسلسل الدائم في العديد من البيوت الجزائرية وأصبحت من ثوابت وجبة العشاء التي لا توشك أن تتغير إلا عند مجيء الضيوف. ويحكى أن أحدهم سأل صديقه عما تناوله في وجبة العشاء فقال له كسرة بالبطيخ ولما سأله عن التحلية قال توقفت عن أكل الكسرة وأكملت بالبطيخ لوحده. وهو مثال عن تقلص واضمحلال وجبة الجزائري التي غابت عنها المقبلات والتحليات والبروتينات ومختلف العناصر المعدنية.
وأما الأسطورة الكبرى التي لا يؤمن بها الجزائري فهي تسمى المكسرات هذه المواد الغريبة التي يحكى أن فيها أشياء تسمى اللوز والجوز والكاجو والبندق والفستق هذا الأخير بلغ سعره مقشرا 5500 دج للكيلوغرام ودخول مثل هذه المواد إلى المنزل يعني جريمة في حق الأجرة الشهرية. وبالتالي فوجبة الجزائري اليوم تتميز بالاختصار وبلقيمات تسد الرمق لا تتعب المعدة ولا تكلفها الكثير وهي وجبة فقيرة شكلا ومضمونا يسيطر عليها العجين وبعض الخضروات والبقول.
حسب أصحاب الفضاءات التجارية الذين تحدثنا معهم فإن المواطن لم يعد يستهلك بالكمية التي كان عليها في السابق، والزبون حاليا يصل إلى خزنة الدفع بمقتنيات قليلة وضرورية ولا مجال للحديث عن الكماليات. وأما المحلات الموجودة في الأحياء الشعبية فكلها تشتكي من ثقل حركة المبيعات لأن الأجرة الشهرية لا تكفي لتغطية الفترة الممتدة بين أجرتين وهي اليوم بحاجة إالى تغيير لقبها لأنها لا تتطابق مع الشهر. فكل المعطيات تؤكد أن هذه الأجرة التي يتقاضاها الموظف في الجزائر لا تسمح له بالعيش الكريم، بل هي بمثابة كأس ماء يريد أن يطفئ به حريق الأسعار.
وحسب المختصين، فإن الأسرة المكونة من 5 أفراد تحتاج إلى أجرة شهرية قدرها 5 ملايين سنتيم كي تبتعد قليلا عن خط الفقر ولا علاقة لذلك بالعيش الكريم. وقد عملت السياسة الفاشلة التي تبناها النظام السابق على توسيع دائرة الفقر التي بلغت حسب تقرير للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان 15 مليون جزائري يعيشون تحت خط الفقر أي ما يعادل 38 بالمائة لا يمكنهم ضمان حياة عادية.
ويعتبر الدفتر القرض بمثابة الخنجر الذي ذبح معظم الموظفين خاصة أولائك الذين يوكلون مهمة الشراء لأزواجهم وأبنائهم وعند مطلع الشهر يجدون أنفسهم مجبرين على تحويل الأجرة مباشرة إلى صاحب المحل وفتح صفحة جديدة في الدفتر. وفي الأحياء الشعبية لا يمكن أن تجد فضاء تجاريا لا يتعامل بالقرض ودفتر ديون الزبائن الذي يبقى الرفيق الدائم المفروض على البائع والشاري. وحسب المختصين فإن القدرة الشرائية للمواطن انهارت بسبب الأزمة الاقتصادية والنفطية وتراجع قيمة الدينار وزحف الفقر اتجاه فئة جديدة خلفتها الأزمة الصحية والوباء الذي وجه ضربات مؤلمة للعديد من العمال والتجار على حد سواء.
فإذا كان القاضي قد عجز عن قراءة قيمة الأموال التي أخذها واحد فقط من العصابة وفي الجهة الأخرى قفة المواطن تقلصت إلى حد بعيد وأصبحت تقتصر على الخبز والحليب والخضر وبعض البقوليات والعجائن، فذاك يعني أن هناك جبال من الظلم سقطت فوق رأس الجزائري وهو الآن في الجهة السفلى يصرخ هل من مغيث؟!