تمزيق الكراريس.. مكبوتات وانتقام من المناهج المدرسية

8
تمزيق الكراريس.. مكبوتات وانتقام من المناهج المدرسية
تمزيق الكراريس.. مكبوتات وانتقام من المناهج المدرسية

أفريقيا برسالجزائر. بن داود: تلاميذ يعبرون عن رفضهم لثقل البرامج والمحافظ بطريقتهم الخاصة

ساهل: أبناؤنا يخرجون مكبوتات يجب فهمها ودراستها

خالد: ظاهرة مسيئة إلى القطاع التربوي وعلى الأولياء والمعلمين زيادة التحسيس

أوراق متناثرة في كل مكان، وكراريس ممزقة.. واستياء من السكان وعمال النظافة.. إنها ظاهرة تمزيق الكراريس والكتب من طرف تلاميذ مختلف الأطوار التعليمية، في سلوك مستهجن اجتماعيا وتربويا. فهل هو تنفيس عن مكبوتات التلميذ، بعد عام دراسي مُجهد؟ أم انتقام من المدرسة؟ أم هو تقليد غربي أعمى، خاصة أن الظاهرة لم تعرفها أجيال السبيعينات والثمانينيات..؟

المارّ على مختلف المؤسسات التربوية، مؤخرا، يتفاجأ بكم أوراق الكراريس الممزقة والمتناثرة أمام أبواب المدارس وعبر الشوارع، وسببها تعمّد كثير من تلاميذ الأطوار التعليمية الثلاثة، ابتدائي ومتوسط وثانوي، وبمجرد انتهاء امتحانات الفصل الثالث، تمزيق جميع كراريسهم وحتى كتبهم، أمام باب المدارس، ورميها بعشوائية في الشوارع، وفي كل مكان.

فخلال مرورنا، نهاية الأسبوع بالقرب من ثانوية حسيبة بن بوعلي للبنات ببلدية القبة، تفاجأنا بكمية الكراريس الممزقة المرمية قرب الثانوية، والمؤسف أن الظاهرة تصادفت مع هبوب رياح عرفتها الولايات الشمالية، وهو ما جعل الأوراق تتناثر في الحي بأكمله.

وبدا الاستياء واضحا على السكان المقيمين بالعمارات المجاورة للثانوية، بعدما وصلت الأوراق الممزقة إلى أبواب عماراتهم، وصعب عليهم جمعها لكثرتها.

عمال النظافة يرهقون في جمع الأوراق المتناثرة..

وحتى عمال النظافة، استاؤوا من الظاهرة، التي وصفوها بغير الأخلاقية، فأحد عمال النظافة الذي وجدناه واقفا محتارا، من أين يبدأ جمع هذه الأوراق المتراكمة، التي نقلتها الرياح في كل مكان، قال لنا: “الظاهرة نعيشها نحن عمال النظافة كل سنة مع نهاية الدراسة، وهي متعبة لنا حقا، إذ لا يمكننا كنس الأوراق بالمكنسة لصعوبتها، ما يضطرنا إلى التقاطها بأيدينا ورقة ورقة.. والأمر فيه مشقة”.

وناشد محدثنا أولياء التلاميذ والمعلمين القيام بتوعية وتحسس التلاميذ قبل نهاية السنة الدراسية، حول الآثار السلبية لهذه الظاهرة، وبالخصوص على عمال النظافة وسكان الأحياء، وعلى المنظر العام للشوارع.

وإلى سنوات قريبة، كانت الأجيال السابقة، تحتفظ بجميع كراريسها، لتبقى ذكرى جميلة في خزانتهم، بعد تخرجهم من الدراسة، وحتى بعد تكوينهم عائلات. إلى درجة أن بعض الآباء لا يزالون الى اليوم، يطلعون أبناءهم على كراريسهم وبكل فخر واعتزاز.

أما الكتب، فالأجيال السابقة كانت تهتم بها كثيرا، فتغلفها بإتقان، ومنهم من يعيد بيعها لكسب بعض المال، وآخرون يحتفظون بها لسنوات وسنوات.

تلاميذ يعبرون عن خيبتهم وتعبهم من مقررات دراسية شاقة

ومن جهته، اعتبر الخبير التربوي، محمد ساهل لـ “الشروق”، أن تمزيق الكراريس ظاهرة قديمة، ومعروفة حتى في أيام الاستعمار الفرنسي، ومازال يقوم بها بعض التلاميذ بكل براءة.

وقال إنها ظاهرة وعلى قلة انتشارها، لكن ينبغي أن تدرس من الناحية النفسية والتربوية والاجتماعية والثقافية بكل موضوعية، حتى لا تأخذ حجما أكبر من حجمها وتتخذ ذريعة لتجريم أولادنا الأبرياء، وفرصة أخرى لشن هجوم على الأسرة والمدرسة وسائر الساهرين على التربية والتعليم.

وبحسبه، تمزيق الكراسات المدرسية في آخر السنة الدراسية “سلوك من بعض التلاميذ فقط، ونراه أمام بعض المدارس في أحياء قليلة”، مفسرا هذا السلوك بأن الدراسة مهمة شاقة بطبعها وعملية مرهقة جدا بالنسبة إلى التلاميذ، الذين لا يملكون القدرات الكافية على الاستيعاب والتحصيل العلمي السريع.

وهذا الصنف من التلاميذ، بحسبه، يتوقون إلى نهاية السنة للتحرر والانعتاق من الواجب، فيعبرون عن فرحتهم بنهاية السنة، بأساليب مختلفة منها رمي وتمزيق الكراريس والكتب المدرسية، “لأنها تعتبر في نظرهم، حاملة لكل مشاعر الإرهاق والمشقة وحتى الخيبة والفشل”.

ليؤكد أن الظاهرة لا تعدو أن تكون مجرد مسألة لتعبير عن حالة نفسية. ولكن هل هذا أسلوب صحيح للتعبير؟ ليجيب بأن “التربية تقتضي طرح بدائل ملائمة على التلميذ، للتعبير عن فرحته، مثل تنظيم حفل بهيج آخر العام، أو رحلات مدرسية، تنظيم نشاطات مثل معرض للكراسات المدرسية الجميلة والكتب، وتبادل الرسوم..

كما دعا محدثنا إلى ترسيخ ثقافة تقدير الأشياء القديمة، وحب التاريخ وزيارة المتاحف، وقال: قلة من يحتفظون مثلا بنظارات أجدادهم القديمة، أو فستان زفاف الجدات، تعليق صورة الوالد وهو صبي.. إذا التلميذ بات يعيش في وسط لا يري فيه الأشياء القديمة التي تذكره بتاريخ أجداده، فكيف نريده أن يتعلم الاحتفاظ بكراسه لأبنائه وأحفاده؟

تلاميذنا ضحايا منظومة تربوية وإجراءات “خانقة”

فيما وصف المختص الاجتماعي، رياض بن وادن، ظاهرة تمزيق الكراريس، بـ “السلوك غير الواعي، الذي يقوم به تلاميذ لا يقدرون على العلم ولا يرغبون في التعلم”، معتقدا أن هذا الحدث المتكرر كل سنة، في حاجة إلى دراسة سوسيولوجية ونفسية.

ليقدم بعض التفسيرات لهذا السلوك، منها أن التلاميذ أدركوا أن أحسن المنظومات التعليمية في العالم، لا تعتمد على كثرة الكراريس والكتب، كما أنهم ملّوا من ثقل المحفظات، وأتعبهم روتين التعلم وصعوبة المواد. ومللهم من اختبارات الحفظ والابتعاد عن التّحليل والنقاش.. تلاميذ يشعرون وكأنهم في السجون.. لم يجدوا في عطلة الأسبوع وكل العطل، أماكن للمرح وحرق طاقتهم الجسدية.

أوراق بها آيات قرآنية تدوس عليها أقدام المارة

وفي الموضوع، اعتبر رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ، في اتصال مع “الشروق”، أن سلوك تمزيق الكراريس الذي تحول إلى ظاهرة عبر مدارسنا، في نهاية كل موسم دراسي “هو ظاهرة سلبية، تنم عن غياب الوعي في المجتمع”.

وقال: بعد نهاية امتحانات “السانكيام”، كثير من المؤسسات التربوية التي مررت بالقرب منها بالعاصمة، شاهدت كراريس ممزقة أمامها. ليتأسف المتحدث، معتبرا أن بعض الكراريس مدون فيها آيات قرآنية، ولفظ الجلالة، ومع ذلك يرميها التلاميذ أرضا لتدوسها أقدام المارة.

ووصف خالد الظاهرة بـ “المسيئة لقطاع التربية الذي تصرف عليه الدولة ملايير الدنانير سنويا، والمشوهة لقيمة المدارس التربوية، وللمنظر العام للمدن”. ليرجع سببها الرئيسي إلى غياب التوعية والتربية السليمة، من طرف الأولياء ثم التحسيس من الأساتذة.

واعتبر محدثنا أن أجيال الستينيات والسبعينيات، كانت تعتبر كراريسها كنزا وذكرى جميلة، تحتفظ بها لسنوات وسنوات، “كما أن الظاهرة ليست تقليدا للغرب، لأن الغربيين أكثر حبا لكراريسهم وكتبهم، ومقتنياتهم.. والسلوك نجده في دول العالم الثالث فقط” على حدّ قوله، ليدعو الأساتذة إلى تكثيف عملية النصح والإرشاد والتوجيه، للتلاميذ مع اقتراب نهاية كل موسم دراسي.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here