العلاقات الجزائرية الفرنسية.. هل انتهت القطيعة؟

14
العلاقات الجزائرية الفرنسية.. هل انتهت القطيعة؟
العلاقات الجزائرية الفرنسية.. هل انتهت القطيعة؟

فريدة شراد

أفريقيا برس – الجزائر. دخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية، في نفق مظلم بعد التصريحات مسيئة، لرئيس إيمانويل ماكرون ومع صعوبة التكهن بمآلات الأزمة، وبلغت ذرة القطيعة باستدعاء الجزائر لسفيرها لدى باريس في 2 أكتوبر الماضي.

وجاء سحب السفير الجزائري عنتر داود، على خلفية تصريحات نقلتها صحيفة لوموند عن الرئيس الفرنسي، الذي يتساءل فيها “عما إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي “1830-1962″، واتهم ماكرون النظام الجزائري، بالاستثمار في “ريع الذاكرة” وتنمية الضغينة تجاه فرنسا. وإثر ذلك، قرر الرئيس الجزائري حظر تحليق الطيران العسكري الفرنسي العامل في الساحل الإفريقي ضمن قوة برخان، في الأجواء الجزائرية وحذّر الرئيس الجزائري مطلع نوفمبر من أنه لن يقوم “بالخطوة الأولى” لتهدئة التوترات مع فرنسا وقال إن ماكرون “أعاد فتح نزاع قديم بطريقة عديمة الجدوى تماما” مؤكدا أن الرئيس الفرنسي “أهان” الجزائريين.

وبعد قرابة ثلاثة أشهر من الغياب قرر الرئيس أن يستأنف السفير الجزائري في باريس مهامه اعتبارا من 6 جانفي الجاري. ويأتي اليوم اتصال الرئيس الفرنسي بنظيره الجزائري في خطوة هي الأولى منذ اندلاع الأزمة الدبلوماسية بين البلدين إثر تصريحات الرئيس الفرنسي حول تاريخ الجزائر. ووفق بيان رئاسة الجمهورية اليوم السبت، فإن ماكرون وجه دعوة لرئيس تبون لحضور القمة الإفريقية الأوروبية، التي تحتضنها العاصمة البلجيكية بروكسل.

وجاء في البيان: ” لقى، اليوم، رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون مكالمة هاتفية من نظيره الفرنسي إمانويل ماكرون، تطرق فيها الطرفان إلى العلاقات الثنائية، وبالمناسبة جدّد الرئيس الفرنسي الدعوة، للسيد الرئيس، لحضور القمة الإفريقية الأوروبية، التي تحتضنها العاصمة البلجيكية بروكسل. كما بحث الرئيسان، خلال هذا الاتصال، “آفاق انعقاد اللجنة القطاعية العليا المشتركة بين الحكومتين”.

القطيعة الاتصالية

ويرى الصحفي الجزائري عثمان لحياني أن بإعلان الرئاسة الجزائرية تلقي الرئيس اتصال هاتفي من نظيره الفرنسي، تكون القطيعة الاتصالية قد انتهت، منذ أزمة أكتوبر الماضي، والتي نتج عنها استدعاء السفير ووقف الاتصالات وإغلاق المجال الجوي. وأضاف لحياني قائلا: “حرص الرئيس ماكرون على حضور الرئيس تبون القمة الأوروبية الأفريقية في بروكسل، يفهم منه وجود مشروع لعقد لقاء على هامش القمة في بروكسل، مكان انعقاد القمة المحايد يرفع الحرج ( من يذهب إلى الآخر) على الطرفين”.
وحسب لحياني فإنه بالنسبة لماكرون، كلما اقترب موعد الانتخابات الفرنسية كلما زادت الضغوط الداخلية بسبب خساراته المتتالية لخياراته السياسية في مالي وبوركينافاسو وليبيا وأفريقيا الوسطى، لذلك فإن إعادة ترتيب العلاقة مع الجزائر تبدو أولوية بالنسبة له.

نهاية الأزمة غير منتهية

توفيق بوقعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر

قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر والمحلل سياسي توفيق بوقعدة؛ إن الاتصال الذي جرى بين الرئيس عبد المجيد تبون وماكرون، يعلن عن نهاية حالة الأزمة التي عصفت بالعلاقات البينية بين الجزائر وفرنسا في الفترة الأخيرة. وحسب تصريح بوقعدة لـ “أفريقيا برس”؛ أن الطرفان سيعيدان تصحيح العلاقة، وهذا بعد لقاء السفير الجزائري بفرنسا للأمين العام للاليزيه ومسؤول دائرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط بوزارة الخارجية الفرنسية، الذي مهد لهذا الاتصال اليوم. وأوضح بوقعدة أن هذه الاتصالات يمكن أن ترجع العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى سابق عهدها، لكن لا يمكن الجزم أن هذا الاتصال سيحسن هذه العلاقة وستبقى حالة التشنج تطبع العلاقات بين البلدين. وأضاف بوقعدة في هذا الصدد “أنه نظرا لعدم معالجة كل الملفات العالقة بينهما، خاصة ملف الذاكرة والاختلافات الجوهرية بين البلدين في رؤية العديد من القضايا التي تعني الجزائر بصفة خاصة مثل القضية الليبية ومالي ومنطقة الساحل”.

ويرى المحلل السياسي توفيق بوقعدة أن “العلاقات الجزائرية الفرنسية ستعود إلى مرحلة ما قبل سحب السفر الجزائري بباريس، وهي فترة لم تكن فيها العلاقات بين البلدين في أحسن حال، وإنما فقط حالة من التواصل، لكن لا يوجد هناك اتفاق في جل الملفات الإقليمية والدولية في تلك المرحلة”.

عودة السفير ليس قرارا عشوائيا

الدكتور سمير محرز، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

وأرجع أستاذ العلوم السياسية سمير محرز في تصريح لموقع “أفريقيا برس” قرار إعادة سفير الجزائري قبل أشهر لعدة معطيات خاصة وموضوعية، مؤكدا أن القرار لم يكن عشوائي. وقال محرز: “فبعد التصرفات الاستفزازية التي قامت بها باريس والتصريحات اللامسؤولة للرئيس ماكرون قامت الجزائر بردة فعل لم تتوقعها الإدارة الفرنسية وهي سحب السفير، وما قابله من خطاب جزائري شديد اللهجة للإدارة الفرنسية ما جعلت باريس ترسل وزير خارجيتها لودريان للتباحث في الموضوع والذي أراه شخصيا نوعا من الاعتذار غير المباشر من فرنسا للجزائر وبعد وضع عدة نقاط على الحروف جاءت هذه الخطوة وهي إرجاع السفير لفرنسا”.

في ما يخص آثار هذه الخطوة-عودة السفير إلى مزالة مهامه- على العلاقات بين البلدين يرى أستاذ العلوم السياسية أنها مهمة ومن الطرفين فالجزائر لها العديد من الملفات السياسية والاقتصادية كما أنها تحوز على أكبر جالية وضروري جدا تمثيل دبلوماسي قوي ورسمي ليدافع عن مصالح الجالية من جهة. وأضاف محرز قائلا: “أما الطرف الفرنسي يعلم جيدا حجم ومعادلة الجزائر في اللعبة السياسية ومعادلة الانتخابات الرئاسية المقبلة بتواجد الجزائريين وتأثيرهم في معادلة الرأي العام الفرنسي علما أننا نعلم بان الرئيس ماكرون رغبته شديدة في الترشح لولاية ثانية، ولا يمكن أن يدخل غمار هذه الانتخابات وهو في علاقة متشنجة مع دولة جارة ولها علاقات تاريخية وطيدة و معقدة مثل الجزائر، هذا من جهة ومن جهة أخرى سيتراهن كل المترشحين للرئاسة الفرنسية على استمالة الجزائر شعبا وحكومة وخاصة الجالية المقيمة هناك والمقدرة بأكثر من ستة ملايين جزائري، باعتبار الجزائر معادلة هامة وقوية في السياسة والدبلوماسية وحتى في الاقتصاد الفرنسي وتوجهاته ، فالطرف الخاسر في المعركة الدبلوماسية ستكون فرنسا خاصة مع المواقف السياسية الأخيرة للرئيس تبون وقراراته تجاه باريس من خلال معاملتها بنفس المسافة مع كل الدول الصديقة والشقيقة”. وأضاف سمير محرز أنه لهذا من مصلحة فرنسا كسب ود الجزائر دبلوماسيا لأن أي إساءة من باريس تجاه الجزائر لن يخدم المصالح الفرنسية لا في الجزائر ولا حتى في المنطقة.

هاجس ملف الذاكرة

يعتبر ملف الذاكرة من بين أكثر الملفات حساسية في العلاقات بين البلدين والجزائر تعمل من أجل استرجاع الذاكرة الوطنية وكل ما بتعلق بالحرب التحريرية من الأرشيف الفرنسي إلا أن هذا الأخير لا زال يناور ويلعب على الوتر الحساس للنخب وصناع القرار بالجزائر وحتى الشعب الجزائري، في هذا الصدد يرى أستاذ سمير محرز بأن ملف الذاكرة أحرز خطوات هامة في عهد الرئيس عبد المجيد تبون خاصة بعد استرجاع جماجم الشهداء، في 5جويلية 2020 وتعهد الرئيس باستكمال هذا الملف من خلال استرجاع الذاكرة الوطنية المتواجدة بفرنسا وخاصة ماهو موجود بمتحف اللوفر. وأضاف قائلا: “عموما أرى بان الضغط الوحيد الذي أصبحت تمارسه فرنسا بعد ضياع العديد من مصالحها الاقتصادية في الجزائر هو ملف ضغط ملف الذاكرة، ولهذا وجب على القادة السياسيين عدم التراجع في مسعى استرجاع الذاكرة ولكن بكثير من الحذر والذكاء الدبلوماسي، ووضع ملف الذاكرة كورقة ضغط مستقبلية في المعادلة الاقتصادية التعاونية بين البلدين”.

الحركي ملف داخلي أم استفزاز

صوت مجلس الشيوخ الفرنسي في أخر اجتماع له لصالح قانون الاعتذار للحركي، وفي هذا الشأن أوضح أستاذ العلوم السياسية توفيق بوقعدة أن الموضوع تم إثارته من طرف الرئيس الفرنسي ماكرون في عدة محطات، و من طرف العديد من الشخصيات الفرنسية.

وفي صدد ذاته قال المحلل السياسي “وفي تصوري هذا الموضوع لا يعني الجزائر لا من قريب ولا من بعيد، لأنه شأن داخلي فرنسي رغم وجود نوع من الرمزية التاريخية في الموضوع التي تجعل من جلاد الجزائريين أمس بطلا في التصور الفرنسي”. وأضاف محدث “أفريقيا برس” أن الأمر يعزز حالة التوجس قائمة في العلاقات الجزائرية الفرنسية ما لم يتم معالجة ملفات الذاكرة بكل أبعادها. وقال بوعقدة: “وهذا يدخل أيضا في إطار الاستفزازات الفرنسية المستمرة في التعاطي مع ملف الذاكرة بانحياز وبالكيل بمكيالين، فقبل أيام أقر الرئيس الفرنسي بالجريمة، حسب تعبيره هو في حق الأقدام السوداء وأعضاء منظمة الجيش السري الفرنسية التي قتلك الجزائريين في تلك المرحلة وهذا أيضا في إعطاء تقديس للأحداث التاريخية المرتبطة بالفرنسيين دون الأخذ بعين الاعتبار للجرائم التي ارتكبها هؤلاء في حق الجزائريين في تلك المرحلة أيضا”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here