عثمان لحياني
أفريقيا برس – الجزائر. ليست المرة الأولى التي تجد فيها السلطة السياسية نفسها أمام ضرورات البحث عن نقطة توازن في علاقاتها الإقليمية والدولية. وتبدو الإكراهات الداخلية أقل تعقيداً من تسيير علاقات الجوار والشركاء الأكثر تأثيراً في العالم، خصوصاً بالنسبة إلى بلد يسعى للحفاظ على دوره الإقليمي وعلى علاقات متوازنة مع كل الأطراف.
كان لافتاً في الحوار التلفزيوني الأخير للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الشهر الماضي، حديثه من دون سبب وجيه وتعداده لقائمة من الدول الأوروبية والأفريقية التي تتطور علاقات الجزائر معها بشكل جيد. في الغالب، يبدو من الصعب، على سبيل المثال، فهم علاقات جزائرية أميركية جيدة واتفاق تعاون عسكري مع قوة “أفريكوم” الأميركية، في مقابل علاقات استراتيجية عمودها التسليح مع روسيا، أو إدراك حقيقة العلاقات القلقة مع باريس في مقابل الحرص على إدارة هذه العلاقات ضمن نسق لا يؤدي الى القطيعة، أو تسيير علاقة توصف في الغالب بأوقات حرجة مع مصر والرياض لأسباب عديدة، في مقابل حرص جزائري على إبقاء العلاقات في مستوى حوار إيجابي مع هذه العواصم العربية المؤثرة.
ورثت الجزائر خطاً سياسياً في إدارة علاقاتها يرتكز على الحفاظ على قرارها السيادي واحترام الشرعية الدولية، غير أن الاختلال الذي حصل في فهم وتطبيق مقتضيات الشرعية الدولية واحترامها على صعيد إدارة العلاقات في العالم، خصوصاً في العقد الأخير على وجه التحديد، وتغول مرتكز القوة كعامل حسم في مقابل عامل القانون الدولي، وتطور شرعنة وتوظيف الكيانات العسكرية والسياسية خارج نطاق الدولة، ضاعفت بشكل كبير المصاعب بالنسبة لدولة مثل الجزائر، بشأن إدارة علاقاتها الإقليمية والدولية. حدث ذلك في أكثر من مناسبة، واستدعى ذلك بذل جهد كبير للحفاظ على نقطة توازن بين الحفاظ على علاقات مع دولة ما واحترام الشرعية، ثم الحفاظ على مسافة معقولة تمنع وضع “البيض الجزائري” في سلّة واحدة.
من الطبيعي في مسار العلاقات بين الدول أن تبرز خلافات وأزمات، سواء تطورت إلى حدود الاحتكاك السياسي، أو بقيت في حدود المعالجة الدبلوماسية، لكن في الكثير من الأحيان لا يكون مفهوماً المتغير السياسي الذي يخلق الأزمة أو ذلك الذي يؤدي إلى تجاوزها. في حالة العلاقات الجزائرية الإسبانية، يتحدث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن عودة طبيعية للعلاقات مع مدريد، بعد أزمة حادة كان السبب فيها تغير الموقف الإسباني من النزاع في منطقة الصحراء، لكنها ليست واضحةً للرأي العام السياسي في الجزائر كيفية استعادة هذه العلاقات لطبيعتها دون أن تنتفي الأسباب التي خلقت الأزمة.
الأزمة القائمة مع فرنسا مثال آخر في السياق ذاته. طرأت الأزمة بشكل متصاعد منذ يوليو/تموز 2024، بسبب تغير الموقف الفرنسي من النزاع في الصحراء، وتطورت لاحقاً إلى أكثر من ملف وقضية. ووضعت الآن على مائدة الحل بمجرد اتصال هاتفي بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون أو هكذا يبدو، لكن لا شيء يخبر أن هذا التطور الجديد الذي صدم المجتمع السياسي نسبياً يعني إزالة الأسباب الرئيسية للأزمة، ذلك أن حدود التنازلات السياسية تبقى غير معلنة، وهذا جزء أصيل في العلاقات بين الدول. ما فوق الطاولة ليس نفسه ما تحتها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس