الصوفية بديل للقنوات التقليدية لأزمة الجزائر مع الساحل

1
الصوفية بديل للقنوات التقليدية لأزمة الجزائر مع الساحل
الصوفية بديل للقنوات التقليدية لأزمة الجزائر مع الساحل

أفريقيا برس – الجزائر. دخلت الصوفية كآلية ديبلوماسية ناعمة في الأزمة القائمة بين الجزائر ودول الساحل، من خلال الزيارة التي قادها وفد الطريقة التيجانية الى بوركينا فاسو، بقيادة الخليفة العام علي بلعرابي، والتي حظيت بزخم اعلامي وسياسي لافت، وتضمنت أنشطة مكثفة بما فيها لقاءات مع مسؤولين سامين في الرئاسة والحكومة البوركينابية، الأمر الذي يوحي الى مهمة تتجاوز الدور التقليدي لقيادة الطريقة الصوفية، الى مسعى للإصلاح بين البلدين والمنطقة عموما.

وزع وفد الخليفة العام للطريقة الصوفية التيجانية خلال زيارته الى بوركينا فاسو، أعدادا من المصاحف القرآنية على المدراس القرآنية في العاصمة واغادوغو وضواحيها، وهي المصاحف التي حملت وصاية وزارة الشؤون الدينية الجزائرية، وباشراف الرئيس عبدالمجيد تبون، لتحمل تكاليفها وتوزيعها مجانا، وهي أولى الرسائل التي تترجم في نوايا السلطة الجزائرية في البقاء على تواصل وتلاحم مع المجتمع الصوفي في المنطقة.

وأشرف وفد الخليفة، على هيكلة وتنصيب فرعه في بوركينا فاسو، للتأكيد على الامتداد والعلاقة العضوية التي تربط الفروع المنتشرة في مختلف العواصم الافريقية مع المقر العالمي للخليفة المتواجد في بلدة عين ماضي بمحافظة الأغواط (450 كلم جنوبي العاصمة)، بحضور مدعوين وضيوف بارزين من مختلف الدول والمدراس الدينية الإسلامية، على غرار مسجد الأزهر.

وألمحت تركيبة الوفد الهام الذي رافق الخليفة العام علي بلعرابي، على متن طائرة رئاسية، الى نوعية المهمة والرسالة التي انطوت عليها الزيارة التي دامت أسبوعا كاملا الى بوركينا فاسو، والتي كان ظاهرها الاشراف على أنشطة دينية وروحية لأتباع الطريقة في واغادوغو. لكن لقاء الخليفة مع مسؤولين في الحكومة والرئاسة البوركينابية، أوحى الى أنها تحمل دلالات سياسية وأن الهدف هو تخفيف حدة التوتر المستجد بين الجزائر ودول الساحل.

وأوحت تصريحات بلعرابي إلى أنه بصدد إضفاء زخم روحي واجتماعي على المنطقة، لتعزيز التقارب بين المريدين في البلدين، خاصة فيما يتعلق بموجات التطرف والإرهاب عبر تغلغل تيارات دينية بمسمّيات مختلفة، فضلا عن تمتين اللحمة الاجتماعية أمام مخاطر الانقسامات والخلافات السياسية بين الحكومات.

وبالموازاة مع الوقوف على أشغال مشروع بناء زاوية لطلبة الطريقة التيجانية في واغادوغو، وحضور حفل اعلان عدد من المسيحيين عن اعتناقهم للدين الإسلامي، واستلام بعض المؤلفات تتعلق بالتصوف وعلوم الدين والفكر الإسلامي، والوسطية، والسلوك الروحي، والتاريخ الإسلامي الإفريقي، كان لعلي بلعرابي، نشاطا شبه رسمي تضمن عددا من اللقاءات مع مسؤولين بوركينابيين، والمشاركة في الاحتفالية التي نظمتها السفارة الجزائرية، لاحياء ذكرى مجازر الثامن ماي 1945.

وصرح بلعرابي، عقب لقائه مستشار الرئيس البوركينابي أبوبكر دوكوري، بأن “هذه الزيارة تعمل على دعم التآخي بين البلدين والشعبين، وأن هذا امتحان تمر به الشعوب والأمم، وليس له دواء إلا بوحدة الكلمة ووضعِ مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”.

وحظي شيخ الطريقة التيجانية باستقبال شعبي ورسمي لافت في بوركينا فاسو، حيث التقى بعدد من المسؤولين في الحكومة، وأعيان وقادة ومريدي الطريقة الصوفية، مما أكد حالة من الإجماع التي تحيط بالرجل، وتؤهله لأن يكون وسيطا إيجابيا بين الحكومتين اللتين تقدران نفوذ وتأثير الطريقة في مجتمعات المنطقة من غربي أفريقيا إلى شرقها ومرورا بالساحل الأفريقي.

وأبرز خطاب شيخ الطريقة التيجانية في فعاليات الجولة حرصا شديدا على تحييد المنطقة عن السيناريوهات المحدقة بها، في ظل صراع قوى النفوذ على منطقة الساحل، وتغلغل التيارات المتشددة، خاصة وأن المنطقة صارت بؤرة أمنية خطرة نتيجة تحرك ونشاط المجموعات المسلحة من مختلف التيارات الجهادية والإجرامية.

ويرى الباحث في الشؤون الدينية فضيل بن علي، بأنه “رغم تغلغل تيارات دينية في أوساط المجتمعات الافريقية، خاصة التيار السلفي والاخواني وأتباع بعض المذاهب المحدودة، في الجزائر والمنطقة عموما، إلا أن التيار الصوفي في الجزائر، مازال محافظا على قدرته في التأثير العابر للحدود، حيث تشكل عين ماضي بمحافظة الأغواط، مقرا للتيجانية، ووهران للبقايدية، وبوسعادة للرحمانية، وورقلة للقادرية، وهي كلها طرق لها أتباع ومريدون في افريقيا”.

وأوضح، لـ “أفريقيا برس”، بأن “الزخم اللافت الذي أحيط بالزيارة والامكانيات التي وضعتها السلط الرسمية في خدمة وفد الخليفة، تحمل رسالة مفادها بأن الزيارة تتم تحت عيون السلطات السياسية، إن لم تكن بإيعاز منها، بغية توظيفها كآلية ناعمة في رأب الصدع السياسي المستجد مع حكومات المنطقة، بعدما فشلت القنوات التقليدية في ذلك”.

وتابع: “أن يتنقل الخليفة العام للطريقة التيجانية بطائرة رئاسية، هو سابقة أولى، الأمر الذي يضع هذه الخطوة ضمن محاولة لرأب الصدع والسعي لحل الأزمة في الساحل، خاصة بعد الاستقبال الرسمي والاهتمام الإعلامي الكبير، ويعطي مؤشرا على أنها ذات صلة بالأزمة الحالية بين الجزائر ودول الساحل، وهي تندرج ضمن سلسلة زيارات دورية تقود إلى دول أخرى في الساحل مثل تشاد وليبيا”.

ويذهب متابعون لشؤون المنطقة، إلى أن، زيارة شيخ الطريقة التيجانية إلى بوركينا فاسو تحمل رسائل ودلالات سياسية وإستراتيجية في ثوب العلاقة الروحية التي تربط المقر المركزي بأتباعه في المنطقة، كونها تتزامن مع تداعيات حادثة الطائرة المسيّرة، وقد تبادل الطرفان الجزائري وحكومات الساحل خطوات تصعيدية كسحب السفراء وغلق المجال الجوي.

ويرى فضيل بن علي، بأن “الزيارة اقتربت من الطابع الرسمي من خلال لقاءات شيخ الطريقة مع مسؤولين بوركينابيين، ولذلك لا يستبعد أن تكون خطوة لتخفيف التوتر بين الطرفين، والتأكيد على أن علاقات الجزائر مع دول الساحل تحمل طابعا اجتماعيا وروحيا عريقا، يتجاوز حدود التجاذبات السياسية وصراع النفوذ والمصالح.

ويضيف: “التركيبة الروحية في المنطقة ترى في الخليفة العام شخصية رمزية تلتف حولها فواعل الطريقة، وأن خطابه يحمل سلاسة في المرور إلى مريديه، أكثر من خطاب الساسة إلى شعوبهم، ولذلك يمكن لعلي بلعرابي، أن يكون عراب التهدئة وعودة السلم والاستقرار إلى المنطقة.”

وكثيرا ما تم الاستنجاد في الجزائر، بالطرق الصوفية، من أجل تطويق أو تفكيك بعض الأزمات والبؤر الاجتماعية، سواء في الداخل أو في المحيط، كما كان الشأن في الأزمات والاحتجاجات التي عاشتها منطقة غرداية العام 2013، وسعت الطريقة القادرية الى بذل مساعي في الأزمة الليبية، قبل أن يتم سحبها بسبب تعقيدات الأزمة.

وتكون السلطة قد استعانت في الظرف الراهن، بالطريقة التيجانية لاطلاق رسائل التهدئة المجتمعية وامتصاص الغضب المفتعل ضدها في دول الساحل، خاصة في ظل اشتعال حملات إعلامية وافتراضية لشحن العواطف العدائية، وهو ما كان قد نبه إليه ملتقى أفريقي احتضنته الجزائر مؤخرا، حول الأمن السيبراني في القارة، وآليات مواجهة حملات الأخبار الكاذبة والمضللة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here