العنف الرياضي في الجزائر.. الرسائل والدلالات

135
العنف الرياضي بالجزائر.. الرسائل والدلالات
العنف الرياضي بالجزائر.. الرسائل والدلالات

أفريقيا برس – الجزائر. تحولت نهاية لقاء كروي أفريقي بين ناديي مولودية الجزائر والاتحاد المنستيري التونسي إلى أحداث شغب وعنف أدت الى تسجيل حالة وفاة، وعادت معها القراءات والتأويلات حول الدوافع والدلالات، وطرحت فرضية الامتداد إلى عنف اجتماعي وسياسي، احتجاجا على وضع تتجاهله السلطة ومطالب تصم عنها الآذان، لتجري ترجمة الكبت في شحنات غضب قد تأتي على الأخضر واليابس.

شيعت عائلة بوعزيز بالعاصمة، وجمع من الأصدقاء وأنصار نادي مولودية الجزائر، الشاب وليد، الذي قضى في أحداث العنف التي عاشها ملعب علي عمار بضاحية الدويرة، على هامش اللقاء الذي جمع الفريق بضيفه الاتحاد المنستيري التونسي، برسم التصفيات المؤهلة لنهائيات بطولة الاتحاد الأفريقي.

وفي أجواء غمرها الأسى والحزن، تضاربت القراءات والتأويلات حول دواعي ودلالات أحداث العنف والشغب التي فاجأت الجزائريين، خاصة الخسائر المادية التي لحقت بتجهيزات ومعدات المنشأة الرياضية التي أهدتها السلطة للنادي، وذلك خلال افتتاحه أمام الجمهور.

وبين من حمّل المسؤولية للجمهور الطائش الذي تسبب في الخراب الذي لحق بالملعب، ووصوله الى أرضية الميدان، وبين محمّل إياها لظروف التنظيم والتسيير التي اضطلع بها لأول مرة جهاز الدرك الوطني الواقع تحت وصاية وزارة الدفاع، وما جرى من استفزاز وظروف استقبال غير لائقة، لمح البعض الآخر إلى أن المسألة لا تتعلق بعنف رياضي محض، بل لغضب مستشري في أوساط الشباب على أوضاع اجتماعية وسياسية معينة.

وعادت مع الأحداث، لتطرح الاستفهامات مجددا حول قدرة المسيرين لقطاع الرياضة على تنظيم وتسيير الأحداث، في ظل استمرار الطرق التقليدية، حيث لا زالت التذاكر تباع يديويا في أكشاك محدودة، ولا زالت ظروف الولوج مضيقة على الجمهور، فضلا على افتقاد المنشآت الرياضية على الخدمات الملحقة، مما يولد في الغالب غضبا واستياء واللجوء إلى تفريغ ذلك في شحنات انتقام من أي شيء يصادفه هؤلاء.

وليس ذلك وحده الذي يخيم على أجواء المنافسات الكروية في البلاد، فهناك نوعا من الاستغلال والتوظيف لأغراض سياسية وانتخابية وحتى تصفية حسابات، بدأ بتوسيع سياسة توزيع الريع الحكومي على النوادي الكروية، بفرض شرائها من طرف شركات اقتصادية حكومية، من أجل استمالة جمهورها والحفاظ على السلم الاجتماعي، ووصل إلى الانتقائية في ذلك مما ولد حالة من التمييز بين نوادي الدوري الواحد، وذلك محفز لشحن الأنصار بالحقد والعنف.

استغلال الفضاء الكروي لغير الكرة

ويرى الإعلامي المتخصص في الشأن الرياضي محمد رمام، في تصريح لـ “أفريقيا برس”، بأن “أسباب ظاهرة العنف في الملاعب اعتقد لا يمكن حصرها في سبب أو اثنين، بل إنها تتعدى ذلك لتمتد لأوجه كثيرة ودوافع متعددة تجتمع لتولد ردة فعل عنيفة من طرف الجماهير، على غرار ما حدث في اللقاء الأخير الذي جمع مولودية الجزائر بالضيف الاتحاد المنستيري بمناسبة تدشين الملعب الجديد علي عمار، مناسبة كان من المفروض أن تكون عرسا يستلم فيه عميد الأندية الجزائرية معقله التحفة، لكنه تحول إلى مأتم بسبب الشغب الذي حدث ووفاة مناصر سقط من أعلى المدرجات حسب مصادر غير رسمية”.

وأضاف “لا يمكن الجزم بأن ما حدث يتجاوز العنف الرياضي، رغم أنه لا المكان ولا الزمان ولا الظروف ولا حتى الحدث كانوا ينبئون بخروج الأمور عن السيطرة، خاصة أن فريق مولودية الجزائر كان أفضل من المنافس، واستطاع تحقيق الفوز والتأهل إلى الدور المقبل، واللقاء كان أشبه بعرس كروي أكثر من مجرد لقاء في كرة القدم وحضر حتى الأطفال الصغار مع أوليائهم لعيش الحدث”.

وتساءل المتحدث “لماذا أنصاره يخرجون عن السيطرة ويحدثون أعمال شغب كانت في العادة تحدث حين تغيب النتائج الإيجابية أو يتلقى جمهوران بينهما شحنة واحتقان زائد. لا تكاد تخلو ملاعب كرة القدم من ظاهرة العنف الجماهيري في كل موسم، إذ ورغم الطفرة الكبيرة للجماهير الرياضية الجزائرية التي باتت تبدع في السنوات الأخيرة من خلال رابطات الجماهير والإلتراس، وما تصنعه من صور جميلة فوق المدرجات وتطوير أساليب التشجيع ورفع التيفوهات والرسائل الهادفة التي أعطت جمالية كبيرة للمدرجات الجزائرية، فإنه تقع أحداث شغب هنا وهناك تفسد صورة المشجع الجزائري، على غرار ما حدث الموسم الماضي لأنصار شباب قسنطينة التي تعرضت لعقوبات كبيرة، والأمثلة كثيرة، إذ أن الظاهر أصبحت مثل ظل الكرة الجزائرية”.

وقال الكاتب والناشط الثقافي عبدالرزاق بوكبة، في منشور له على صفحته الرسمية على الفيسبوك، بأن “ترك العزوف الانتخابي الأخير وما حدث من تخريب مؤسف في ملعب دويرة، من غير قراءة متأنية ومتجردة من الشعبوية والانطباع الجاهز، من طرف السلطة والنخب المعنية بقراءة اللحظة الوطنية، سيجر المشهد الوطني إلى فوضى هو في غنًى عنها، في الظروف الحالية”.

أسباب متشابكة للعنف الرياضي

وأضاف بوكبة “إن الحوار الوطني الذي ورد في خطاب تأدية اليمين للسيد رئيس الجمهورية، يعدّ فرصة ذهبية لتقديم الحلول بعيدا عن ذهنية الكهول، فإذا لم توكل المهمة لأهلها تتظيما واستقبالا، فسيكون التشنج الشبابي جاهزا للخروج من الملاعب إلى الشوارع، وهو ما قد لا نستطيع التحكم فيه”.

وتلك رسالة حول أبعاد ظاهرة العنف الكروي المستشري في البلاد، وإمكانية انفلاته إلى عنف اجتماعي يغزو الشوارع والمدن، لإفراغ حالة الغضب التي تعصر الشباب، في ظل انسداد قنوات الحوار، وعدم مواكبة النخب الحاكمة والمؤسسات الرسمية لانشغالات وطموحات المجتمع.

وتابع “إن أكثر الحراكات بعدا عن السلمية، وأكثرها قابلية للانفلات والاستغلال الخارجي، هو ذلك الذي تقوم به (الأصابع الزرقاء) الخائبة، وأقصد هنا أنصار خيار الانتخاب، والخائبون من الذين رأوا في الرئيس فرصة وطنية، فأطلقوا عليه لقب (عمي تبون)، لأن هؤلاء اذا انتفضوا لا شيء يقنعهم.. لم تعرف الجزائر مرحلة كانت فيها الكرة في مرمى السلطة مثل هذه المرحلة، فدعونا نصفي النية ونتجه للحلول الحقيقية لحماية الجمهورية.

ومن أجل القضاء على العنف الجماهيري، يرى المحلل والإعلامي الرياضي محمد رمام في تصريحه، لـ”أفريقيا برس”، بأنه “وجب على كل الفاعلين في الرياضة الجزائرية التكاتف لأن لا أحد يملك العصى السحرية، سواء الإعلام الرياضي الذي عليه بالتحلي بالمسؤولية في تغطية الأحداث وتجنب صب الزيت على النار وشحن الأنصار بتقارير ومواضيع مسمومة، تجعل من المناصر قنبلة موقوتة، فضلا عن المسؤولين على الكرة الجزائرية والفاعلين فيها، إذ عليه تجنب الظلم الذي تتعرض له بعض الفرق والمحاباة والتحيز لطرف على حساب آخر، لأنها دوافع تجعل المناصر يشعر بأن فريقه غير محمي ومستهدف، ما يدفعه للتعبير عن غضبه وعدم رضاه بإحداث أعمال شغب، دون إغفال الدور السلبي الكبير الذي يلعبه رؤساء الفرق، المدربون واللاعبون الذين في بعض الأحيان يكونون الشرارة الأولى لخروج الأمور عن نطاقها الرياضي سواء بتصريحات نارية أو ردة فعل فوق الميدان اتجاه أنصار الفرق المنافسة”.

التشنج الشباني جاهز للخروج الى الشارع

وأضاف رمام “التنظيم السيء في الأحيان خلال الأحداث الرياضية، سواء في عمليات بيع التذاكر أو الدخول إلى الملاعب يكون القطرة التي تفيض كأس غضب الأنصار الذين يتعرضون لمضايقات في بعض الأحيان تجعلهم يعبرون عن عدم رضاهم في المدرجات بإحداث الشغب. ــ المسؤولية مشتركة كما أسلفت الذكر، كل الفاعلين في الكرة الجزائرية لهم دور فيه، سواء الاتحاديات الرياضية، الرؤساء، اللاعبون أو الحكام، فضلا عن المسؤولين عن التنظيم، دون نسيان فئة من الجماهير التي وجب حرمانها من الدخول إلى الملاعب بسبب سوابقها في العنف، إذ أن المدرجات أصبحت مرتعا لها والوجهة المفضلة للمنحرفين الذين يفتعلون المشاكل ويفسدون صورة المناصر الجزائري الذي يتحلى بالروح الرياضة ويعرف جيدا أنها مجرد لعبة فيها ربح وخسارة، لذلك وجب استحداث بطاقة المناصر وقائمة سوداء تضم أسماء كل المناصرين المشاغبين وهم قلة بالمقارنة مع المناصرين الآخرين، لكي يتم منعهم من دخول الملاعب وتحريض باقي الأنصار”.

وحول فرضية الاستغلال والتوظيف، يقول المتحدث “الجهات الأمنية في الجزائر فقط المخول لها الجزم بأن هناك جهات أخرى تريد استغلال العنف الجماهيري وهذه القوة الكبيرة لأغراض دنيئة ومصالح شخصية تضر بصورة البلاد، رغم أن الذباب الإلكتروني يسهم بشكل كبير في شحن الأجواء والاحتقان، وأعتقد أن الجزائر بمؤسساتها الأمنية تستطيع معرفة هذه الأطراف والسيطرة عليها إن كانت فعلا موجودة ولها ظلع فيما يحدث من شغب”.

أما الإعلامي والمذيع الرياضي في قناة “بينسبورتس” القطرية حفيظ دراجي، كتب في منشور له، بأن “الاهتمام بتنشئة الإنسان يجب أن يكون أولوية تسبق تشييد البنيان، وبناء الملاعب والمرافق يجب أن يرافقه حسن التسيير والتنظيم والتأطير حتى يكتمل المشهد الذي نريده لبلدنا وشعبنا ورياضتنا، لأن ما حدث في ملعب علي عمار بالدويرة في أول مباراة يحتضنها، هو أمر مؤسف ومحزن خاصة عندما تسقط الأرواح، عوض أن نحافظ عليها ونرتقي بها إلى الأحسن”.

وأضاف “ملاعب الكرة التي تم إنجازها قي الجزائر هي مؤسسات لا يمكن لأي نادي تسييرها وصيانتها لوحده، أما تنظيم المباريات فهو ثقافة وترتيبات لا يغلب عليها الجانب الأمني، ولا مجال فيها للصدفة والاستهتار”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here