استياء الجبهة الاجتماعية من قانون الصحة والتربية

11
القانون الأساسي لمنتسبي الصحة والتربية يثير استياء الجبهة الاجتماعية في الجزائر
القانون الأساسي لمنتسبي الصحة والتربية يثير استياء الجبهة الاجتماعية في الجزائر

أفريقيا برس – الجزائر. تهدد النقابات المستقلة الناشطة في قطاعي التربية والصحة بالدخول في حركات احتجاجية وإضرابات للتنديد بمخرجات القانون الأساسي الذي أطلقته الحكومة مؤخرًا. فعلاوة على الغموض الذي يكتنفه، لم يلبي مطالب مختلف الفئات العاملة، الأمر الذي سيضع حكومة نذير العرباوي مجددًا أمام اختبار جاد بغية تهدئة الجبهة الاجتماعية، لاسيما وأن القيادة السياسية تحاول النأي بالبلاد عن أية اضطرابات في ظل الظروف والتوترات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة.

وفيما بين رغبة وزير التربية محمد صغير سعداوي في احتواء حالة التململ التي يعيشها قطاع التربية، الذي يضم نحو 12 مليون تلميذ في مختلف الأطوار التعليمية، ونحو نصف مليون أستاذ وموظف، عبر الدخول في سلسلة من اللقاءات مع النقابات الناشطة في القطاع، فإن وزير الصحة عبدالحق سايحي لا يبدي تفاعلًا كبيرًا مع الوضع المضطرب في قطاعه، حيث اكتفى بلقاء وحيد فقط مع نقابة البيولوجيين.

في خطوة استباقية تنم عن ثقة مفقودة بين عمال الصحة والحكومة، ترجمتها عدة احتجاجات وإضرابات لطلبة الطب وللأطباء، رفعت نقابات مستقلة في القطاع رسالة إلى الرئيس عبدالمجيد تبون للتنديد بمحتوى القانون الأساسي والأنظمة التعويضية المعلن عنها الشهر الماضي من طرف الحكومة.

وجاء في الرسالة التي اطلعت عليها “أفريقيا برس”، أنه “تمت توجيهها إلى شخص رئيس الجمهورية، بعدما خيبت وزارة الصحة آمالهم بعد طول انتظار وعصفت بكل طموحاتهم وتطلعاتهم المشروعة”.

وأضافت: “لقد قطعنا على أنفسنا منذ سنوات العمل في صمت، تاركين شؤون تحسين ظروفنا المهنية والاجتماعية للسلطات العمومية بعيدًا عن هستيريا الاحتجاجات والاضطرابات، آمليين في أن تنصفنا في إطار مراجعة القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية، خاصة بعد تعبيركم الصريح والتزامكم الواضح في مراجعة حقيقية لهذه القوانين التي كان من المفروض أن تقدم القيمة المضافة وتعبر عن العرفان بكل المجهودات المبذولة في الأوقات الصعبة في قطاع وصفتموه بالاستراتيجي والحيوي للأمة”.

وتابعت: “هذا الالتزام لم يشفع للنقابات الموقعة على الرسالة، في جني ثمار صبرها وعسر نضالها، حيث أصيبت بخيبة أمل كبيرة حين صدرت القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية في الجريدة الرسمية بمضامين مخالفة تمامًا لكل مطالبها التي اقتنعت بها الوزارة الوصية في كل جولات المفاوضات طوال ثلاث سنوات ونصف”.

ويوصف قطاع الصحة في الجزائر بـ “الصحة المريضة”، نتيجة سوء الخدمات وغياب التكفل المريح بالمرضى، وتدهور البنى التحتية والإمكانيات اللوجيستية. هناك العديد من المشافي الموروثة عن حقبة الاستعمار الفرنسي للبلاد، الأمر الذي يكلف الحكومات المتعاقبة انتقادات شديدة واتهامات بالفشل في النهوض به.

ورغم أن الجزائر تعد من الخزانات الأساسية للمؤسسات الصحية في فرنسا وبعض الأقطار العربية، حيث استقطبت فرنسا خلال السنوات الأخيرة 1200 طبيب جزائري دفعة واحدة، إلا أن غياب سياسة قطاعية ناجعة وعدم الاهتمام بالظروف المهنية والاجتماعية للكوادر الطبية المحلية كلفها وضعًا صحيًا متدهورًا، كثيرًا ما كان بؤرة توتر اجتماعي.

وقاطع طلبة الطب مقاعد الكليات نحو ثلاثة أشهر خلال الموسم الدراسي الجاري، كما شن ما يُعرف بالأطباء المقيمون (مرحلة الانتقال من الطب العام إلى التخصص)، وأطباء من اختصاصات أخرى إضرابات وحركات احتجاجية للمطالبة بتوفير شروط مهنية واجتماعية.

وصرح النقابي إلياس مرابط، لـ “أفريقيا برس”، بأن “تراكم المشاكل واختلالات تسيير القطاع، أدى إلى تعقيدات أثقلت الحكومات المتعاقبة، لكن غياب إرادة حقيقية في التشاور والحوار مع المعنيين، لوضع خارطة طريق تعالج تدريجيًا المشاكل والاختلالات المذكورة، أدى إلى حالة من الانفلات يدفع فاتورتها المريض الجزائري”.

وأضاف: “من غير المعقول أن تخرج الجامعات الجزائرية كوادر طبية يشهد لها الأجانب بكفاءتها، ويتم الاستعانة بها بمغريات مهنية واجتماعية، بينما يجري تجاهل أجيال كاملة من الأطباء وعمال الصحة، من طرف وزارة لا تزال ترفع شعار (وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات) منذ أكثر من عشرين عامًا، دون أن نصل إلى نتيجة في ذلك الإصلاح”.

وتابع: “الحكومة أطلقت القانون الأساسي، لكن نية التلاعب بالمطالب المرفوعة عززت الشك والريبة بين الأطباء والإدارة، رغم الوعود التي أطلقها الرجل الأول في الدولة منذ جائحة كورونا، ورغم أن الجميع يدرك أن النهوض بالقطاع يبدأ بتحسين الظروف المهنية والاجتماعية للأطباء وعمال الصحة”.

واشتكت النقابات في رسالتها مما أسمته بـ “التراجع الواضح عن جميع التعهدات والوعود التي لا تتوافق، على حد قولها، تمامًا مع تعليمات الرئيس التي أسداها بكل حزم وقناعة طيلة مراحل وأطوار عملية مراجعة القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية”.

وتسرع الحكومة خطاها من أجل احتواء حالة التململ والغضب السائدتين داخل قطاعي التربية والصحة، بسبب عدم الرضا عن القانون الأساسي لمنتسبيهما، والحيلولة دون امتداد عدوى الإضرابات والاحتجاجات من قطاع لآخر. فبعد مقاطعة طلبة الطب للجامعات، والوقفات الاحتجاجية والإضرابات التي يشنها الأطباء، وإضراب تلاميذ الثانويات، دخل طلبة المدارس العليا للأساتذة وموظفون في المدارس التعليمية على خط الإضرابات والاحتجاجات، وهو ما لا تريده السلطة في الظرف الراهن، عبر توجيه أنظار الرأي العام الداخلي نحو السجالات الإعلامية والسياسية المندلعة مع الخارج، لاسيما الأزمة القائمة مع فرنسا.

وفي هذا الشأن، استقبل وزير التربية محمد صغير سعداوي مسؤولين نقابيين من كل من النقابة الوطنية المستقلة لمساعدي ومشرفي التربية، والنقابة الوطنية المستقلة لمستشاري التربية، والنقابة الوطنية المستقلة لنظار الثانويات، والنقابة المستقلة لموظفي التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني، والنقابة الوطنية لموظفي المخابر لقطاع التربية، بغرض الاستماع إليهم بشأن المطالب التي رفعوها خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما لم يشملهم القانون الأساسي بالإجراءات والمزايا التي أقرها للعاملين في القطاع.

وأفرز القانون المذكور ردود فعل مفاجئة أدت إلى شل مؤسسات القطاع نتيجة الحركات الاحتجاجية والإضرابات التي شنتها الفئات غير المستفيدة. وكان تلاميذ المؤسسات الثانوية الذين قاطعوا مقاعد الدراسة خلال الأسبوع الماضي، وخروجهم إلى الشوارع في مسيرات غير مسبوقة، صدمة قوية للسلطات والمؤسسات الرسمية. ورغم محاولات تشويه الحركة الاحتجاجية، باستحضار فعل المؤامرة الخارجية في تحريك “مراهقي” الثانويات ضد الحكومة، إلا أن الخطاب الرسمي فشل أمام الأصوات الداعية إلى ضرورة الالتفات الجدي والعميق للأزمة التي تضرب قطاع التعليم.

وتأمل الحكومة في لقاءاتها مع النقابات الناشطة في إعادة الاستقرار إلى القطاعين اللذين يشكلان العمود الفقري لقطاع الوظيفة الحكومية، وذلك من خلال التعبير عن استعدادها لمراجعة الإجراءات التي أقرها القانون الأساسي ليشمل جميع الفئات العاملة.

وأمام حزمة المطالب الثرية التي يرفعها نقابيو الفئات المتصلة بقطاع التربية، والتي يأمل أصحابها في الحصول على أكبر قدر منها، تغيب الانشغالات التي رفعها تلاميذ الثانويات خلال الأسبوع الماضي، الأمر الذي يجعل عملية التكفل بالقطاع عرجاء، في غياب تمثيل حقيقي للتلاميذ، وعدم اضطلاع الفاعلين النقابيين بها، رغم أن التلاميذ هم صلب العملية التعليمية برمتها.

وعادة ما يرتبط الوضع المهني والاجتماعي والبيداغوجي داخل قطاع التعليم في الجزائر بالتجاذبات السياسية والأيديولوجية، خاصة فيما يتعلق بلغة التعليم. ففيما يقر دستور البلاد اللغة العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين، يخيم انقسام داخل الفاعلين في الشأن التعليمي بشأن اللغة الأجنبية الثانية. ففيما تدفع السلطة نحو زحزحة اللغة الفرنسية وتقديم الإنجليزية لتصبح لغة ثانية، في ظل الأزمة القائمة مع فرنسا، يتمسك ما يُعرف بالتيار الفرانكفوني باللغة الفرنسية باعتبارها لغة موروثة وواسعة الاستعمال، وأن الأمر يتطلب وقتًا وتحضيرًا للانتقال السلس نحو الإنجليزية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here