أفريقيا برس – الجزائر. تضاربت المعلومات الواردة من أقصى الجنوب الجزائري، حول حصيلة الوفيات والمصابين بسبب انتشار داء الملاريا، لكنها تعد بعشرات الموتى ومئات المصابين وفق شهود عيان، في عدد من محافظات الجنوب على غرار تمنراست، برج باجي مختار وعين قزام، وتعد بلدة تيمياوين الحدودية أكثر المناطق تضررا، الأمر الذي أعاد الجدل حول اختلال التوازن التنموي بين جنوب وشمال البلاد، واستمرار تجاهل السلطات المركزية للمحافظات المذكورة، رغم أهميتها الاستراتجية كونها تقع على الشريط الحدودي الذي يربط الجزائر بدول الساحل الافريقي المضطرب.
وضع الانتشار السريع لداء الملاريا في عدد من المحافظات الجزائرية الجنوبية، الخطاب الرسمي للحكومة على المحك، وكشف عن اختلالات كبيرة في تقديم الخدمات العمومية الصحية لسكان تلك المناطق، عكس ما يتردد على لسان رئيس الدولة عبدالمجيد تبون، الذي ذكر في أحد تصريحاته، بأن ” بلاده تملك أحسن منظومة صحية في المنطقة والقارة “، فضلا عن اطلاق هيئة للأمن الصحي برئاسة البروفيسور كمال صنهاجي منذ العام 2020.
وتحدث شهود عيان على شبكات التواصل الاجتماعي، عن تعدي الوفيات لسقف المائة شخص، فضلا عن إصابة المئات من سكان المناطق المذكورة، حيث أظهرت صور وتسجيلات لعمليات دفن وحفر للقبور في آن واحد، بينما يتلقى مصابون العلاج في ظروف غير لائقة، مما يوحي الى أن العدوى تضرب بقوة في المناطق الحدودية، بينما ارتفعت النداءات للسلطات المركزية والولائية من أجل التدخل العاجل لاحتواء الموقف.
وأضاف هؤلاء، بأن المراكز الصحية المحلية لم تعد قادرة على تقديم الخدمات وإنقاذ الساكنة، بسبب العدد الكبير من المصابين الذي تعدى الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة، وأن الأمر بات مرهونا بتدخل مركزي أو من المحافظات الكبرى المجاورة.
المصالح الصحية المحلية لم تعد قادرة على التحكم في انتشار الداء
لكن وزارة الصحة، ذكرت في بيان لها، بأن ” جميع الحالات التي تم تسجيلها، يتم التكفل بها وفق البروتوكولات العلاجية المعمول بها، وأن البؤرة الأولى بدأت من حالات إصابة وافدة الى التراب الوطني من دول الجوار “.
وأكدت على أنه ” سيتم ضمان متابعة يومية للوضعية الوبائية على المستوى المركزي والمحلي، وأن الجزائر حصلت على شهادة منظمة الصحة العالمية للقضاء على الملاريا، وأنه تم إيفاد لجنة طبية متكونة من 14 فردا تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، إلى جانب إرسال طائرة محملة بكميات كبيرة من الأدوية والأمصال المضادة، فضلا عن كميات كبيرة من وسائل الحماية إلى تمنراست، عين قزام وبرج باجي مختار “.
وتطرح مسألة شح وتدهور الخدمات العمومية كالصحة والتعليم والخدمات اليومية، في مناطق الشريط الحدودي الجزائري منذ عدة عقود، الأمر الذي حرك احتجاجات للسكان في العديد من المناسبات، إلا أن الجهود الحكومية المبذولة في هذا المجال، تبقى دون الحاجيات المتنامية للساكنة، خاصة في ظل ضغط النازحين من دول الجوار خاصة في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد تدهور الوضع الاجتماعي والأمني في شمال مالي والنيجر، وتفاقم ظاهرة الهجرة السرية.
كما باتت قضية التوازن الجهوي والتوزيع العادل للثروة والتنمية بين محافظات البلاد، خاصة بين الشمال والجنوب، يطرح بحدة في السنوات الأخيرة، حيث تصاعدت الأصوات المطالبة بالالتفات الجدي الى محافظات وسكان الجنوب بنفس الأهمية التي تولى لغيرهم في مناطق البلاد الأخرى، في مجالات الشغل والصحة والتعليم ومختلف الخدمات، خاصة وأن محافظات الشريط الحدودي في الجنوب ارتدت قناع الطابع الاستراتيجي في الآونة الأخيرة، بعد ظهور اضطرابات إقليمية في دول الساحل، وكل الارتدادات تنعكس على استقرار وسيادة البلاد.
وكان رئيس الوكالة الوطني للأمن الصحي كمال صنهاجي، قد انتقل الى المنطقة بايعاز من الرئيس تبون، من أجل الوقوف على الوضع الصحي السائد في المنطقة، وعلى الإمكانيات الصحية المتوفرة.
كما أمر الرئيس تبون، بتشكيل لجنة طبية مكونة من طاقم طبي مؤهل، وطائرة محملة بكميات كبيرة من الأدوية والأمصال المضادة للدفتيريا والمواد الوقائية.
الانتشار المريع للداء يحيي مطالب قديمة
وصرح النائب البرلماني انراب سيدي، بأنه ” في اتصال مع وزير الصحة الذي كان في مهمة عمل خارج أرض الوطن، قمنا بإبلاغه للمرة الثانية عن الوضع الصحي الخطير في الولايات الحدودية برج باجي مختار وعين قزام الناتج عن انتشار وباء خطير يهتك يوميا عشرات الضحايا من سكان هذه المناطق وخاصة فئة الأطفال وكبار السن “.
وأضاف: ” بعد توجيهنا للأمين العام للوزارة، تم الاتفاق على إرسال لجنة وزارية مختصة في الأوبئة إلى برج باجي مختار، والاتصال بمديرية الصحة لبرج باجي مختار من أجل إرسال قافلة طبية لتلقيح المرضى مع موافاة السلطات المركزية بتقرير مفصل عن هذا الوباء، فضلا عن الاتصال بمركز باستور من أجل توفير اللقاح بكميات كافية للجميع وإرساله عبر طائرات مدنية أو عسكرية، والاتصال بمديرية الصحة للولاية الأم أدرار، من أجل التأهب التام لتجهيز قوافل طبية للتدخل إذا تطلب الأمر، والتنسيق مع السلطات الولائية لمتابعة الوضع الصحي في المنطقة مع اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة، الى جانب طرح مسألة نقص وانعدام الأدوية على مستوى الصيدليات “.
ويرى الدكتور الباحث في علم الفيروسات، والبيولوجي السابق في مخابر التحاليل الطبية محمد ملهاق، في تصريح لـ ” أفريقا برس “، بأن ” وباء الملاريا قديم في القطاع الصحي العالمي، وحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية فانه أصاب حوالي 294 مليون نسمة في عام 2022 وتسبب في وفاة 6008 آلاف شخص، 95 بالمائة من هذه الاحصائيات مسجلة في القارة الافريقية “.
وأضاف: ” ينتشر الداء في المناطق المدارية، خاصة في أفريقيا ويتسبب في وفيات وظهوره في الجزائر لديه عدة أسباب، فالمناطق الحدودية تشهد نزوحا افريقيا وظروف معيشية صعبة، وكذلك الأمطار الأخيرة التي شكلت برك ومستنقعات التي تعتبر بيئة خصبة لنمو البعوض الناقل للحشرات التي تلسع الانسان وتكون له أمراض خطيرة، وعموما تكون لدى المصاب أعراض الحمى والرشح والصداع، لكن هذه الأعراض في فترة من الفترات تصبح معقدة ووخيمة، مصحوبة بالارهاق الشديد والتعب وكذلك اختلال الوعي واختلاجات متعددة وصعوبة في التنفس واليرقان ونزيف غير طبيعي “.
ولفت المتحدث الى أن ” الحلول متوفرة وموجودة سواء كانت وقائية أو علاجية، أول حلول وقائية تكون أولا في عدم التعرض للسعات البعوض ومحاربة هذه الحشرات سواء بالمبيدات أو المضادات، وهناك حلول وقائية أخرى تتمثل في المعالجة عن طريق أدوية كيميائية بالنسبة للأشخاص الذين يتنقلون الى المناطق التي تنتشر فيها الملاريا، وهناك العلاج الوقائي في الأماكن المصابة، حيث يحصل المصابون على الأدوية بغرض عدم الإصابة، أو معالجة الإصابة تفاديا لتعقيد الحالة يُعطي للأطفال باعتبار أن الداء يصيب 80 بالمائة منهم وكذلك الأشخاص ذوو المناعة الضعيفة والنساء الحوامل “.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس