توفيق رباحي
أفريقيا برس – الجزائر. يتداول جزائريون مقطعا مصوّرا ساخرا يدعو لاستضافة الدوحة زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على أمل أن يغضب المغرب بشدّة، كما غضب من تونس، ويقرر مقاطعة مونديال قطر 2022، لتحل محله الجزائر (باعتبار أن تأهلها إلى هذا المونديال سُرق منها على يد حكم من غامبيا كما جاء في المسلسل الشهير الربيع الماضي).
يبدو الفيديو الذي وُزّع على نطاق واسع ساخرا مثل مئات آلاف الفيديوهات التي يتداولها الناس كل يوم. لكنه في العمق يحمل دلالة عن تسلل السياسة إلى أوساط غير المسيَّسين من الجزائريين، وبالخصوص نزاع الصحراء الغربية الذي كان إلى وقت قريب في ذيل اهتمامات عامة الجزائريين (شكرا لمنصات التواصل الاجتماعي).
الدلالة الأخرى تحيل إلى إفراط المغرب في الغضب والاحتجاج على أي موقف خارجي لا يناسب مطالبه في موضوع الصحراء الغربية. وهو غضب لم يعد يستثني أحدًا، بل يكون أكثر قسوة على الأقربين من جيران و«أشقاء» مثل تونس.
منذ البداية لم يشغل موضوع الصحراء الغربية الساحة السياسية والشعبية العربيَتيْن. عدا العقيد معمر القذافي المناوئ للمغرب في السبعينيات والثمانينيات (مع تقلبات غير متوقَّعة وغير مأمونة)، لا توجد دولة عربية واحدة يشغلها الموضوع بجدية. بالنسبة للعرب هي قضية هامشية، محسومة لصالح المغرب في نظر الحكام، مجهولة وثانوية في نظر الرأي العام.
غير أن تونس شذّت عن القاعدة العربية (وعن العقيدة التونسية) وأصبحت الاستثناء عندما استقبل الرئيس قيس سعيّد زعيم البوليساريو استقبال الرؤساء لمناسبة قمة «اليابان والتنمية في إفريقيا». هل ذهبت تونس إلى قلب هذا الصراع بإرادتها، أم دُفعت إليه مرغمة؟
هناك رأي يُبسّط هذا التحوّل الذي هزَّ المنطقة في كون الرئيس سعيّد دخيل عن الدوائر السياسية التقليدية مع ما يعنيه ذلك من قلة خبرة في الشأن العام وافتقار للحنكة الدبلوماسية، وإحاطته نفسه بمَن يشبهونه من قليلي الخبرة في الشأن العام.
هذا اختزال يفسّر جزءا يسيرا في الموضوع. النصيب الأكبر يجب البحث عنه في المدى الذي بلغه العداء بين الجزائر والمغرب، ليصبح من السهل التكهن بأن الجزائر لعبت دورا في هذا التحول التونسي الكبير. هناك معارك دبلوماسية خفيّة بين الجزائر والمغرب تمتد مسارحها من ردهات ومكاتب القرار السياسي والتشريع في أوروبا إلى أروقة الأمم المتحدة لتصل إلى أمريكا اللاتينية، فلماذا تُستثنى تونس وهي الأقرب والأسهل؟
تملك الجزائر العديد من الأوراق التي تُغري بها القيادة التونسية، أو تضغط بها عليها. أوراق لا يملكها المغرب، في المقابل.
تتراوح هذه الأوراق بين المساعدة الاقتصادية، خصوصا الطاقة والوقود، وهو أكثر ما تحتاجه تونس حاليا، إلى الشحنات العينية الأخرى ومعها طبعا المساعدة المالية المباشرة (سيولة).
الوضع السياسي غير المستقر في تونس منح الجزائر ورقة أخرى لم تكن في يدها قبل 2011، وكانت هدية من السماء في السنتين الأخيرتين عندما ساءت أحوال تونس وتعطّل اقتصادها. لهذا يحق التوقف عند تزامن فتح الجزائر حدودها للملايين من مواطنيها للاصطياف في تونس مع استقبال سعيّد لغالي استقبال الرؤساء.
تبدو الجزائر حاليا وكأنها تحاول استدراك تأخرها في ضمّ تونس إلى صفها ضد المغرب، وبالخصوص في موضوع الصحراء الغربية. ظلت تونس دائما تجتهد للحفاظ عن حياد شبه مستحيل بين الجزائر والمغرب، ونجحت إلى حد كبير منذ استقلالها. حتى بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي حافظت تونس على حيادها لأسباب متنوعة منها انشغالها بأوضاعها الداخلية غير المستقرة، وأيضا وجود رئيسين يصعب إغراؤهما.. المنصف المرزوقي مغربي الهوى، والباجي قايد السبسي ثعلب سياسي ودبلوماسي ليس سهلا جرّه إلى نزاع في الجوار يدرك سلفا أن بلاده لن تجني فائدة منه.
وما ساعد القيادة في تونس في حيادها أن النخب السياسية والإعلامية هناك بقيت على الحياد أيضا والخلاف الجزائري المغربي غائب تماما عن النقاش العام، رغم وجود نفَس يميل للأطروحة المغربية لكن لا يُجاهَر به. هذا الحياد غير الرسمي تغيّر في الأسبوعين الماضيين بسبب الحملة الدبلوماسية والإعلامية المغربية التي اعتبر كثير من الإعلاميين والسياسيين التونسيين أنها تجاوزت الحدود، فتخلوا عن صمتهم ليس بالضرورة دعما لتصرف سعيّد ولكن دفاعا عن كرامة بلادهم.
ما قام به سعيّد تحدٍّ للمغرب والجزائر وتونس. تحتاج القيادة السياسية والدوائر الدبلوماسية التونسية أن تسأل هل تستطيع تونس تحمّل تبعات هذا التحول والعيش في قطيعة مع المغرب، وإلى أي مدى زمني.
الجزائر أيضا يجب أن تنظر بعيدًا وتسأل هل كسبت إلى صفها سعيّد أم تونس. في هذه المرحلة هي لا تملك ما يضمن لها أن التغيير الذي حدث دائم ولن يتراجع عنه رئيس آخر يحل محل سعيّد يوما وتكون ظروف تونس الاقتصادية والسياسية أفضل.
المغرب، عدا الغضب السياسي والقطيعة الدبلوماسية، لا يملك الكثير من الأوراق الضاغطة على تونس. من السهل أن يبتز المغرب إسبانيا أو فرنسا تجاريا وبشريا، لكنه لا يملك هذه الورقة عندما يتعلق الأمر بتونس، لأن العلاقات التجارية والاقتصادية والبشرية معها متدنية جدا. لو تركنا جانبا الخطاب العاطفي عن روابط الأخوة والدم والدين وغيره ذلك، لن يبقى هناك شيء يستحق الذكر. حجم التبادل التجاري بين البلدين بالكاد يتجاوز نصف مليار دولا سنويا، ولا يمثل إلا 3% من حجم التجارة الخارجية لكليهما. المغرب يحتل المرتبة 35 في قائمة زبائن تونس، وتونس المرتبة 36 في قائمة زبائن المغرب.
الدبلوماسية المغربية بحاجة إلى ضبط أكثر للنفس ومراجعة سياسة الغضب والقطيعة. سياسة الكرسي الشاغر جرّبها المغرب في الثمانينيات ولم تفده كثيرا، وعودته إلى الاتحاد الإفريقي في 2016، بعد 32 عاما من الغياب المتعمّد، إقرار بأن الانسحاب مؤذٍ والكرسي الشاغر يملؤه بالضرورة الآخرون.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس