أفريقيا برس – الجزائر. يُعدّ اضطراب القلق المعمّم من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا، لكنه في المقابل من أكثرها سوء فهم، يُطلق عليه في المجتمع تسميات مختلفة مثل “التوسويس” أو “الخلعة” أو “المصران”، غير أن أعراضه واحدة، من خوف دائم ومفرط من المستقبل، وأفكار سلبية متكررة تسيطر على العقل وتستنزف الجسد، فيشعر الشخص وكأنه يموت ببطء.
لا يقتصر الاضطراب النفسي على فئة عمرية أو اجتماعية معيّنة، بل يصيب أي شخص، ويجعل حياته اليومية مثقلة بالقلق والترقّب المستمر للأسوأ، بينما المصاب بما يعرف نفسيا اضطراب القلق المعمم، فيدخل صاحبه في دوّامة السيناريوهات السوداوية، بحيث يعيش الشخص في حالة تفكير دائم، ولا يغادر عقله السؤال بـ “ماذا لو؟”، فتتحوّل أبسط الأعراض أو المواقف التي تحدث له إلى سيناريوهات كارثية.
ويفسر المختص في الأمراض النفسية والبسيكوجسمانية، الدكتور بن روان كمال، اضطراب القلق المعمم، بأن المصاب به، يتملكه خوف شديد من أن يكون أي ألم بسيط هو علامة على مرض خطير، ومنهم من يعاني من قلق مفرط بشأن صحة الأبناء أو الوالدين، أو الهوس بفقدان العمل أو تدهور الوضع المادي، أو الخشية من المستقبل، ومن الفشل، أو من “الجنون” وفقدان السيطرة على العقل.
وحسبه، هذه الأفكار لا تعكس الواقع بقدر ما تعكس حالة نفسية مضطربة، لكنها بالنسبة للمصاب تبدو حقيقية ومخيفة للغاية.
يرهق النفس والجسد…
والمؤسف حسب الدكتور بن روان، أن اضطراب القلق المعمم لا يرهق النفس فقط، بل يتعداه إلى أعراض جسدية مقلقة وتؤثر على الحياة الطبيعية للمريض.
ومن أبرزها الإصابة بالقولون العصبي وآلام المعدة، الصداع المزمن وآلام الرقبة والمفاصل، خفقان القلب والتعب المستمر، إضافة إلى حدوث اضطرابات النوم والإرهاق العام، وأيضا الاكتئاب وفقدان الرغبة في الحياة.
وهذا ما يجعل كثيرين، حسب المتحدث، يطرقون أبواب الأطباء المختصين في الأمراض العضوية، دون أن يدركوا أن السبب نفسي في الأصل.
القلق… بين النظرة الاجتماعية والخوف من العلاج
والمؤسف حسب المختص في الأمراض النفسية، أنه رغم تطور الوعي الصحي، لا يزال اللجوء إلى الطبيب النفسي يُقابل في مجتمعنا بنظرة سلبية، “بحيث يخشى الكثيرون من كلام الناس، أو من تصنيفهم لهم كمرضى عقليين، وهو ما يزيد معاناتهم ويؤخّر العلاج، ويزيد من حدة أعراض المرض” على حد قوله.
وأكد أن القلق المعمّم ليس ضعفًا في الإيمان ولا خللًا في الشخصية، بل هو اضطراب نفسي قابل للعلاج، تمامًا كأي مرض عضوي، والحل يكون حسبه بالعلاج السلوكي المعرفي، وذكر الدكتور بأن دراسات علمية في مجال العلاج السلوكي المعرفي، تؤكد أن نحو 91.4٪ من المخاوف التي يعاني منها المصابون باضطراب القلق المعمّم لا تتحقق أبدًا، ويقول: “هذا الرقم وحده كفيل بأن يضع الكثير من الأفكار القاتمة في حجمها الحقيقي، ويؤكد أن العقل القَلِق يضخّم الاحتمالات السلبية أكثر مما يحتمل الواقع.”
ويضيف الطبيب بن روان كمال، بأن العلاج السلوكي المعرفي، إلى جانب المتابعة الطبية عند الحاجة، يساعد المصاب على فهم طبيعة القلق، التحكم في الأفكار السلبية، واستعادة التوازن النفسي وتحسين جودة الحياة، ليختم المتحدث مشيرا إلى أن اضطراب القلق المعمّم “ليس نهاية الطريق، ولا حكمًا دائمًا بالتعاسة. هو رسالة من الجسد والعقل بأن صاحبهما بحاجة إلى فهم، دعم، وعلاج”.، وكما أن كسر الصمت والاعتراف بالمشكلة وطلب المساعدة المتخصصة، هي “خطوات شجاعة وليست عيبًا. فالحياة لا يجب أن تُعاش تحت سطوة السؤال “لوكان” يختم بن روان حديثه.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





