جزائريون “يقسمون التركة” وهم أحياء!

13
جزائريون “يقسمون التركة” وهم أحياء!
جزائريون “يقسمون التركة” وهم أحياء!

أفريقيا برس – الجزائر. تشهد عقود الهبة رواجا متزايدا عند الموثقين، وتحولت إلى ثقافة لدى الكثير من الجزائريين لضمان حق أبنائهم من التركة، وتفادي خلافات ومشاحنات الميراث بعد الوفاة، التي فرقت الكثير من العائلات الجزائرية و”جرجرت” أبناءها في المحاكم، أين تم بحسب محامين، معالجة قضايا خطيرة وصلت إلى القتل والاعتداء وشجارات دامت سنوات طويلة، تسببت في ضياع الحقوق وبيع الأملاك المتنازع عليها في المزاد العلني..

أكد رضا بن ونان، استشاري وموثق، رواج إبرام عقود الهبة، التي يقوم بها الأولياء لصالح أبنائهم، ضمانا لحقوقهم وتفاديا للخلافات بعد الموت، وأكد أن الظاهرة تعتبر أمرا إيجابيا يجب تثمينه، حيث استقبل في مكتبه الكثير من الحالات، أين يقبل الأب أو الأم على إبرام عقد هبة لأولادهم من الذكور والإناث، ويتم تقسيم أموال وعقارات ثابتة ومنقولة بالتراضي وهم أحياء، حرصا منهم على ضمان الحقوق وتفادي أي خلافات ومشاحنات بعد الموت. وأضاف أن العبارة التي يكررها كل أب عند إبرام هذه العقود قوله: “أريد أن أطمئن على مستقبل أولادي وأنا حي..”.

وأضاف محدثنا أن الكثير من الآباء يهدفون من خلال عقود الهبة إلى ضمان حقوق الإناث بالدرجة الأولى، وتفادي إجبارهم بعد الوفاة على التنازل عن حقوقهم في الميراث وهن مكرهات، أين تنتشر هذه الظاهرة بحسبه في العديد من المناطق، ما جعل المرأة الجزائرية محرومة من حق فرضه الله من فوق سبع سموات، وهو ما تفطن إليه الأولياء وباتوا يضمنون حقوق بناتهم في التركة وهم أحياء.

إمكانية التنازل عن الهبة..

وقال راضا بن ونان إنه نظرا لأهمية عقود الهبة في ضمان استقرار المجتمع ودحر الخلافات بين الوارثين وتعزيز الصلة بين أفراد الأسرة، من خلال تشجيع التبرع والهبة وما تساهم فيه من تأليف للقلوب وجمع للشمل، تم إدراج هذه العقود في المادة 202 من قانون الأسرة، “أين تم تعريف الهبة على أساس أنها تمليك بلا عوض وهي لا تتم إلا بين الأحياء”، ويضيف محدثنا أنه وباعتبار عقد هبة العقار تصرفا خطيرا يتجرد فيه الواهب من ماله دون مقابل على نحو يؤثر في ذمته المالية ويحدث أثرا بالغا في نفسه، ولهذا أجاز المشرع الجزائري الرجوع في الهبة بشروط مخصوصة وفق المادة 211 من قانون الأسرة، التي اقتضت أن للأبوين حق الرجوع عن الهبة مهما كانت السن، إلا في بعض الحالات كأن تكون الهبة من أجل زواج الموهوب له أو كانت الهبة لضمان قرض أو قضاء دين إذا تصرف الموهوب له في الشيء ببيعه أو تبرع به.

الأمور لا تسير دائما لصالح الأبناء

ولا تتم عقود الهبة دائما في الاتجاه الإيجابي أين يضمن الأولياء العدل والمساواة لأبنائهم، حيث يقول بن ونان إنه توجد بعض الحالات أين يحرم الأب أو الأم أحد الأولاد من الهبة، أو يفاضلون بين الأبناء بإعطاء حصة الأسد للكبير ويبخسون حق الصغير، “وفي بعض الأحيان، تحرم البنت من الهبة ويستأثر بها الأولاد، وهنا يلجأ المتخاصمون إلى المحاكم كمحاولة لإبطال عقود الهبة التي تكون محل ظلم ومغالاة من طرف الأولياء التي تتسبب في فتنة وسط العائلة، وهنا يكون للهبة أثر سلبي على جميع أفراد الأسرة”.

وأضاف مصدرنا أنه في حال عدم رضا جميع الأطراف عن هبة الأولياء، فإن الموثقين يتريثون في إبرام العقود حتى يكون التوافق، وفي جميع الحالات يقول بن ونان، فإن القانون يسمح للأب بأن يهب ما يشاء من أملاكه لأبنائه، فهذا يدخل من باب التبرع والهبة عن طيب خاطر، ويشترط على الأولياء كبار السن حيازة شهادة الأهلية العقلية، أين يلزم الموثق الواهب إذا كان كبير السن شهادة السلامة العقلية لتفادي كل أنواع الإكراه والضغط والاحتيال..

الهبة في مرض الموت تثير المشاكل والشكوك

ومن جهته، أكد المحامي نجيب بيطام، أنه يستحب انتشار ثقافة تقسيم الأولياء للتركة وهم أحياء، بشرط العدل بين جميع الأبناء. وأضاف أن قضايا الخلافات حول الميراث تشهد انتشارا كبيرا في المحاكم، وساهمت في تأجيج الفتن والخصومات بين أفراد العائلة، وأفضل حل لتفادي هذه المشاكل بحسبه، ضمان العدل في التركة عن طريق الهبة التي تعمل على تأليف القلوب وزيادة أواصر المحبة والألفة والترابط بين أفراد العائلة، وتجعل الأولياء مرتاحين على مصير وحقوق أولادهم ذكورا وإناثا بعد الموت.

ومن أكثر المشاكل والتحفظات التي تكون في القضاء، بحسب المحامي: “الهبة في مرض الموت”، حين يستغل بعض الأبناء مرض أبيهم وإصابته ببعض الأمراض التي تفقده الأهلية على غرار الزهايمر لحثه على تقسيم التركة التي يستأثر بها أحد الأبناء دون غيره، ويضيف بيطام أن المادة 204 في قانون الأسرة تعتبر الهبة في مرض الموت “وصية”. وأضاف أن القانون لم يمنع الواهب التصرف في جزء أو كل أملاكه بشرط أن تكون عقود توثيقية، وأردف أنه بعد الوفاة تبدأ الصراعات بين الأخوة أين يلجأ المحرومون منهم للقاضي ويؤكدون وجود استغلال للأب أو الأم المصاب أحدهما بمرض يفقده الأهلية وإجراء عقد الهبة في ظروف مشبوهة وغير شريفة، “وهنا يطلب القاضي من الشاكين إحضار ما يثبت إصابة الأب بمرض نفسي أو عقلي يفقده الأهلية على غرار مرض الزهايمر، وإذا أحضر أحد الأولاد هذه الشهادة من طرف طبيب محلف، فإن القاضي يبطل عقد الهبة..”

وأوضح محدثنا أن الموثق عنده السلطة التقديرية في تقييم الصحة العقلية والنفسية وأهلية الواهب، ويمكنه طلب خبرة عقلية، ولكن “العديد من الموثقين يتفادون هذا الإجراء، بحجة أن الواهب عند إبرام العقد كان بصحة جيدة أو أعطيت له أدوية مقوية..”.

يمكن للمحرومين إبطال القسمة

ومن الأمور غير المحمودة في عقود الهبة، يقول بيطام، تلك التي لا يكون فيها عدل في القسمة بين الأبناء، مؤكدا أن الكثير من المناطق الداخلية في الجزائر، على غرار القرى والمداشر والأرياف، يتم فيها حرمان المرأة من التركة، حيث يكتب الآباء جميع أملاكهم على الذكور، “وهنا يمكن للمرأة المحرومة أن ترفع دعوى قضائية تتهم فيها الوالد أو الأم بمخالفة الشريعة الإسلامية في تقسيم الأملاك بين الأبناء، لوجود مادة في قانون الأسرة 204 تقول: ما لم يصرح به في قانون الأسرة يستمد من أحكام الشريعة الإسلامية. وهنا يلجأ القاضي إلى اعتماد ما تنص عليه الشريعة في تقسيم التركة وتفادي الغلو والإجحاف والظلم في القسمة، حيث تحرم الشريعة حرمان المرأة من الميراث أو التركة”، ومن محاسن القانون في الجزائر، يقول بيطام، أنه يعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الثاني للتشريع، وهو ما يحفظ حقوق المتنازعين بما ينص عليه الدين الإسلامي وما يتميز به من حكمة وعدل وبصيرة..”

الأموال المنهوبة والعقارات تسترد من المستفيدين

وأردف بيطام قائلا: “في ما يتعلق بوجود شكوك أو تجاوزات بخصوص العقارات والأموال محل عقود الهبة، فإنه يمكن استرجاعها عن طريق القضاء في حال كانت الأموال والعقارات مسروقة أو تم الحصول عليها بطريقة غير شرعية، حيث يعمد بعض الأشخاص المحتالين والمناورين إلى اللجوء إلى عقد الهبة كوسيلة لنقل ملكية العقارات والأموال المنهوبة بطريقة غير مباشرة لتبييض الأموال، أو تفادي حجز هذه الأموال جراء خلافات مع البنوك أو الضرائب، وهنا تسحب هذه الأموال من الأبناء المستفيدين من الهبة بعد التحقق من مصدرها ووجود شاكين بالواهب، الذي يشترط القانون أن تكون عقاراته وأمواله مملوكة ولا تشوبها أي شبهة..”

يشترط في الهبة ألا تضر بالوارثين

وبدوره، أوضح الإمام والمفتش بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، سليم محمدي، أن الله- عز وجل- لم يعط رسوله محمدا- عليه الصلاة والسلام- ولا أحدا من خلقه الحق في تقسيم الميراث، وجعل الأمر له- سبحانه-، لما في ذلك من عدل وضمان للحقوق وحكمة لا يعلمها إلا الله. وأضاف محمدي، أن الأصل في الأمر هو عدم التصرف في الأملاك والتركة، وترك ذلك لما ينص عليه الإسلام وما أقره الله في كتابه الحكيم، “وما نراه اليوم من إقدام الآباء على تقسيم التركة وهم أحياء، فيه العديد من المخالفات الشرعية، أين تتعارض القسمة مع ما أقره الله من عدل في الميراث بحرمان بعض الأبناء وإقصاء الإناث واستئثار البعض بالجزء الأكبر من التركة”..

وشدد محدثنا على أن الأصل في الهبة أن تتوافق مع أحكام الميراث في التقسيم وألا تضر بالوارثين، “فإذا قصد الأب العدل بين أبنائه في تقسيم التركة، خاصة إذا كانت عبارة عن عقارات وسيارات، وتفاديا للخلاف بعد الموت، فإن الأمر جائز ومستحب، وإذا كان القصد من ذلك، تمييز ولد على آخر، وإقصاء أحد الأطراف دون وجه حق، فإن الإنسان يكون قد ارتكب في هذا الأمر إثما، وتسبب في خلافات، قد تدوم طويلا بعد وفاته”.

هذا هو الفرق بين الوصية والهبة

وشرح سليم محمدي الفرق بين الهبة والوصية، “حيث تكون الهبة قبل الوفاة، كأن يهب الأب أحد أبنائه الذي يساعده في العمل ويتعب معه أحد المحلات التجارية لمكافأته على معونته وتقريبه أكثر وحثه على العمل بجهد، والأفضل بحسبه أن تقتصر الهبة على جزء صغير من التركة من باب مكافأة ومساعدة الأبناء البارين والمحتاجين، بينما تكون الوصية بعد الوفاة ولا تكون للوارثين، مصداقا لقول الرسول- عليه الصلاة والسلام-: لا وصية لوارث، حيث تكون الوصية عبارة عن توزيع جزء من المال لا يتعدى الثلث مما تركه الموصي للفقراء والمساكين والأقارب أو المعارف وغيرها من أعمال البر والإحسان التي تكتب كصدقة جارية على الميت، ويجب أن تكون الوصية بحسبه موثقة لتفادي الخلافات ولا تضر أيضا بالوارثين، كأن يوصي الميت بالتصدق بنصف ماله أو كله وهو أمر لا يجوز شرعا.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here