أفريقيا برس – الجزائر. أثار مشروع قانون المالية الذي طرحته الحكومة الجزائرية أمام البرلمان، جدلا واستفهامات لدى الدوائر الاقتصادية وخبراء المالية، نظير الحجم التاريخي وغير المسبوق لمجموع الانفاق والعجز، واستمرار الدولة في سياسة التخصيصات الكبيرة للقطاعات غير المنتجة.
ويرى خبير الاقتصاد والأستاذ الجامعي سليمان ناصر، في مقابلة مع “أفريقيا برس”، بأن السؤال يبقى مطروحا فيما يتعلق بآليات الحكومة لتغطية العجز المنتظر في الميزانية، وطالب نواب البرلمان بالضغط على الحكومة لحملها على تقديم إجابات مقنعة عن ذلك.
واستبعد المتحدث، أن يتم اللجوء الى الآليات العادية لتغطية العجز، في ظل رفض الرئيس عبد المجيد تبون، وتعهده بعدم اللجوء الى الاستدانة الخارجية، أو إلى التمويل غير التقليدي، فقد انتقد سابقيه بلجوئهم الى تلك الخيارات، الأمر الذي يبقي الغموض يلف المشروع، خاصة وأن مبني على انفاق ضخم مقسم بشكل شبه متساو بين الإيرادات والعجز.
كيف قرأتم مشروع قانون المالية الذي طرحته الحكومة على البرلمان؟
قانون المالية لم يتضمن أشياء جديدة فيما يتعلق بالضرائب أو الرسوم الجديدة، ما عدا رسوم جديدة عن التبغ وهذا نحبذه لأنه شيء مضر بالصحة، ورفع قيمة قسيمة السيارات بالنسبة لنوع واحد، وهو عشر أحصنة فما فوق، أما الباقي ففيه تخفيضات وإعفاءات على الدخل والضريبة على الأرباح بنسبة 50 بالمائة في الجنوب الكبير الذي استحدثت فيه ولايات جديدة، لكن الملاحظ الوحيد هو المبلغ العالي للموازنة المقدر بـ 126 مليار دولار، وقد كانت خلال الموازنة الجارية 113 مليار دولار، وهو مبلغ كبير وغير مسبوق في تاريخ الجزائر.
برأيكم ما هي الدواعي والمبررات لميزانية توصف بـ ” المنفوخة “؟
نحن نقول ميزانية ضخمة وليست منفوخة، طبعا هناك عدة أسباب منها أن بعض المشاريع الإنتاجية الكبرى المنجزة من طرف الدولة، كمشروع غار جبيلات في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، فبداية استغلال المنجم يحتاج الى تجهيزات ومعدات وسكة حديدية بين ولايتي تيندوف وبشار على مسافة 800 كلم، وربما صيانة المسافة الممتدة بين بشار ومستغانم لنقل الحديد الخام، وكذلك مشروع السكة الحديدية الذي وعد رئيس الجمهورية بين العاصمة وتمنراست الذي وصل الى محافظة الاغواط بوسط الصحراء، فضلا عن المنشآت الكبرى في مجال البنى التحتية، وهذا يحتاج الى ميزانية تجهيز كبيرة.
أيضا الزيادة الكبيرة في ميزانية التسيير حيث عمدت الدولة الى توظيف كبير في القطاعات الحكومية، فمثلا على مستوى الجامعات كان جاري توظيف بين 1500 الى 2000 أستاذ سنويا، بينما في السنة الأخيرة تم توظيف 8 آلاف أستاذ من حملة الدكتورا والماجستير، وهذا يحتاج الى ميزانية كبيرة ومرهقة، إضافة الى ميزانية الدعم الاجتماعي تماشيا مع سياسة رئيس الجهورية المتمسك بمبدأ الطابع الاجتماعي للدولة حيث شكلت 35 بالمائة من الميزانية العامة، وهو ما أدى الى هذا التضخيم في الميزانية وجعل العجز يرتفع الى 62 مليار دولار، وهو عجز تاريخي غير مسبوق.
يلاحظ ارتفاع لافت لمخصصات الدعم الاجتماعي وكتلة الأجور، الى أي مدى يمكن للموازنة أن تحرك عجلة الاستثمار والتنمية والاقتصاد بشكل عام؟
ارتفاع ميزانية الدعم الاجتماعي يستهدف الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة وارتفاع كتلة الأجور جاء بسبب التوظيفات الجديدة، وأيضا تعهد رئيس الجمهورية باستحداث 450 ألف منصب شغل خلال العهدة الرئاسية الحالية، وهذا هو المبدأ الذي تسير عليه الجزائر منذ سنوات عديدة فيما يتعلق بتحريك عجلة النمو والحركية الاقتصادية، ويظهر محاولة رفع النمو من خلال زيادة الانفاق العمومي، وهذا انفراد جزائري مقارنة مع دول أخرى عربية وأجنبية تعمل على رفع النمو من خلال زيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية وإقامة المشاريع، لكن في الجزائر يجري رفع النمو من خلال زيادة الانفاق العمومي، وهو توجه يستوجب اخضاعه للتقييم سنويا لمتابعة مدى جدواه تحقيق الأهداف المسطرة.
الملاحظ تقارب بين الإيرادات وبين العجر، ما هي دلالات ذلك اقتصاديا وماليا؟
أحيانا ننفق دولارا ونتحصل على أقل من دولار، وبالتالي لابد أن نقيم هذا المسعى الذي هو تحقيق معدلات النمو من خلال رفع الانفاق لأنه أصبح يشكل عبئا كبيرا على الميزانية، ويسهم في تعميق مستوى عجز الموازنة، ففي بعض الدول لا يتجاوز العجز سقف 2 أو 3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، بينما صار يناهز مستوى الإيرادات في الموازنة الجزائرية الحالية، لدرجة أن صارت مقسمة الى نصفين بالتساوي واحد للايرادات والآخر للعجز، أمر يجعلنا نتساءل بجد عن كيفية تغطية هذا العجز الكبير.
هناك طرق معروفة لتغطية العجز على غرار الاستدانة الخارجية، وهنا رئيس الجمهورية أغلق الباب أمام اللجوء للاستدانة، أو الاستدانة الداخلية أو ما يسمى بطبع النقود أو التمويل غير التقليدي، وهذا أمر أعابه الرئيس على النظام السابق، لما قام سلفه أحمد أويحيى به، ومن غير المعقول أن يعيب شيئا ويقوم به، فضلا عن عائق آخر لأن الأمر يحتاج الى رخصة قانونية فخلال تعديل قانون القرن والنقد العام 2017، تم اصدار ترخيص لطبع النقود على فترة خمس سنوات بين 17 و22 وهي الآن منتهية الصلاحية، مما يعني الحاجة الى رخصة جديدة يتم بموجبها تعديل القانون والحصول على موافقة البرلمان، واذا الخيارين مستبعدين ( الاستدانة الخارجية والتمويل غير التقليدي) من أين يتم تغطية العجز ويبقى السؤال مطروحا؟ أتمنى من نواب البرلمان طرح الانشغال من أجل تحصيل جواب مقنع من الحكومة.
برأيكم ما التأثيرات المنتظرة للعجز على الجبهة الاجتماعية، وهل تملك الحكومة الآليات اللازمة لمواجهة ذلك؟
ليست هناك تأثيرات، أعتقد ليس هناك علاقة بين العجز في الميزانية والجبهة الاجتماعية، الجبهة الاجتماعية يهمها ميزانية الدعم الاجتماعي والحفاظ على القدرة الشرائية، وهي تحوز على تخصيص كبير يقدر بـ35 بالمائة، أما العجز لا علاقة له بالجبهة الاجتماعية، وانما يطرح السؤال من أين يتم تدبير الأموال لتغطيته؟
لا زالت التجارة الخارجية تحتكم الى ما يشبه خطة اقتصاد حرب، الى أي مدى يمكن للحكومة الاستمرار في احتكار وإخضاع القطاع للمنظومة الإدارية، وهل بإمكانها التوفيق في تحقيق النتائج التي تريدها من وراء ذلك؟
هذا التوجه انتقدناه مرارا، وقلنا لا يوجد قطاع يشهد تخبطا وهذا رأيي الشخصي مثل قطاع التجارة الخارجية وقطاع السيارات والمركبات، فأحيانا يتقرر الغلق وأحيانا الفتح، وأحيانا تفرض إجراءات كفرض رسوم وقائية أو مؤقتة، وأحيانا اصدار قائمة السلع التي تشملها، ومرة توسع وأخرى تضيق، ليس هناك ثبات في مجال التجارة الخارجية، يمكن أن تكون نية الحكومة سليمة من أجل ضبط الواردات التي وصلت خلال العهد السابق الى أكثر من 60 مليار دولار، والآن تتراوح بين 30 و35 مليار أو 38 مليار دولار، هذا انخفاض ملحوظ، لكن كانت له آثار جانبية وسلبيات كالندرة لبعض الحاجايات والمسلتزمات، فقد أدى مثلا الى ارتفاع حدة حوادث السير بسبب ندرة قطع الغيار، الى جانب فقدان بعض الأدوية المهمة لأصحاب أمراض مستعصية، حيث عادت تجارة الحقيبة والتهريب أو الاستعانة بالأفراد، وهذا شيء لا يليق ببلد كالجزائر، خاصة اذا كان المقصد هو بلد صغير كتونس، المحدودة الإمكانيات ولا هو بلد بترولي ولا غازي.
اعتقد هذا عمل المجلس الأعلى لضبط الواردات الذي شكله رئيس الجمهورية من عدة قطاعات على رأسه التجارة المالية، الجمارك، البنوك.. وغيرها، هذه الهيئة هي التي يفترض فيها الاضطلاع بشأن الاحتياجات والسوق والاستيراد، لا ضير في الاستمرار بكبح الواردات، لكن لابد من دراسة معمقة لاحتياجات السوق وتفادي الندرة والحفاظ على الإنتاج الوطني.
أقر مجلس الوزراء حزمة تدابير تتعلق برفع المنحة السياسية والدراسة والحج، هل بإمكان ذلك كبح انهيار العملة الوطنية في السوق الموازية، وماهي مقاربتكم لتثبيتها في سوق العملات؟
رفع قيمة المنحة السياحية مطلب قديم، فالمبلغ المقرر لحد الآن يعود الى حقبة التسعينيات ومع انهيار قيمة العملة الوطنية نزل من العملة المقابلة إلى 90 يورو، وهي منحة غير كافية فضلا على أنها مهينة للفرد ولسمعة البلاد، فهي لا تقارن مثلا بدول الجوار كتونس والمغرب، رفع منحة الدراسة والحج وكبح انهيار العملة يعتمد على شيئين، أولها قيمة المنحة وتاريخ دخول حيز التنفيذ، فمثلا منحة ألف أورو ستخفف من الطلب على العملة في السوق الموازية بالنسبة للمسافرين، وكلما رفعت قيمتها كلما خف الطب عليها في السوق الموازية، مما يعيد السوق المذكورة الى التراجع بعد فترة التهاب فرضها قانون العرض والطلب، وبما أن مجلس الوزراء تحدث عن زيادة معتبرة، وكلما ارتفعت قيمتها كلما زاد تأثيرها على السوق الموازي أما العامل الثاني هو توقيت دخولها حيز التنفيذ.
اعتقد الحل الوحيد لتثبيت قيمة العملة الوطنية هو تحرير سوق الصرف واخضاعها لقانون العرض والطلب، الخيار صعب الآن لتعويم الدينار بسبب الاقتصاد الهش وعدم توفر موارد للعملة الصعبة من قطاعات أخرى كالسياحة والخدمات والتصدير المتنوع، فمصر مثلا لديها مداخيل متنوعة من العملة الصعبة، فقيمة التحويلات من الخارج قدرت بـ 32 مليار دولار قبل أن تنزل إلى 19 مليار بعد تعويم الجنيه، وفي المغرب تبلغ 9 وفي تونس 2 مليار، ونحن في الجزائر بجالية تقدر بـ 7 ملايين لا تستقبل إلا أقل من 2 مليار دولار، وهي قيمة لا تليق ببلد كالجزائر.
وبسبب ذلك هو السوق الموازية، فالمهاجر لا يأتي بأمواله للبنك ما دام الفارق كبير في السوق الأخرى، ولتحرير سوق الصرف والعملة لا بد من خطوات تدريجية لأن الأمر يؤدي الى ارتفاع الأسعار وتضرر القدرة الشرائية أكثر، الأمر الذي يتنافى مع خطاب الدولة الاجتماعية، ولذلك يجب أن يكون التحرير بالتدريج لتفادي تجارب بعض الدول كمصر، ووضع في الحسبان الفئات الهشة والقدرة الشرائية، فمصر التي وصلت من 7 جنيه لدولار واحد الى 50 جنيه مقابل الدولار، لم تصل بعد للتحرير الكامل، ويجري العمل بالتعويم المرحلي، وعند التحرير النهائي للعملة يسير مؤشر سعر الصرف الرسمي الى الارتفاع ومؤشر السعر الموازي الى الانخفاض ليلتقيان في نقطة التوازن ليصبح سعرا موحدا في البنوك أو مكاتب الصرف وتختفي السوق الموازية لأنه يصبح لا داعي ولا جدوى لها، ففي أحسن الأحوال يكون الفارق يقدر ببعض السنتيمات فقط.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس