أفريقيا برس – الجزائر. أكد محللون سياسيون أن الاستعراض العسكري الذي نظم يوم الفاتح من نوفمبر بمناسبة الذكرى السبعين لثورة التحرير الكبرى يعتبر حدثا كبيرا من المنظور الاستراتيجي، بما له من أبعاد عسكرية وأمنية ودبلوماسية وقيمية واجتماعية، وبما يبرز قوة الدولة وهيبتها ومدى التطور الكبير الذي بلغته قواتها المسلحة، من حيث امتلاك القدرة على تحقيق الردع وحماية سيادة أراضيها ومصالحها الجيو-سياسية.
وبهذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، محمد خوجة، الأحد، ضمن برنامج “ضيف الدولية” إن هذا الاستعراض العسكري تميز بحضور إقليمي مغاربي لافت لقادة دول ورؤساء كل من تونس وليبيا وموريتانيا والجمهورية العربية الصحراوية في المنصة الرسمية الأولى، وهذه رسالة بأن أعياد الجزائر ومناسباتها الوطنية هي أيضا مناسبات للدول المغاربية وأن الجزائر تتقاسم هذه الأعياد وقدراتها المتاحة في كل المجالات مع أشقائها في المنطقة المغاربية.
وأضاف خوجة أن “الاستعراض العسكري هو رسالة قوية لطمأنة الداخل الجزائري بأن البلاد صارت على أهبة الاستعداد للدفاع عن مصالحها، بما يعزز وحدة الروابط بين المؤسسة العسكرية وأفراد الشعب والتأكيد على أن هذا الجيش ليس فقط مجرد مؤسسة وإنما هو مفخرة للأمة بما يملكه من هذه القدرات الكبيرة ويعمق الشعور بالانتماء القوي لهذا الوطن وهويته.”
وتابع المحلل أن “الاستعراض يجسد حالة من الترابط قل نظيرها في العالم بين الجيش والشعب، باعتباره سليلا لجيش التحرير الوطني، وهو مرتبط قبل كل شيء بتاريخ الجزائر المقاومة للاستعمار، والدليل على ذلك أن أغلبية العائلات الجزائرية لديها على الأقل فرد من أفرادها ضمن هذه المؤسسة بما يجعلها تحظى بالاحترام والتقدير والثقة العالية وتجلت معالم ذلك في مختلف فترات ومراحل الاستقلال وأبرزها فترة الإرهاب.”
واستطرد خوجة قائلا إن “متانة العلاقة بين جيش التحرير الوطني والشعب كانت محل إعجاب وإشادة في الخارج ومنها شهادة ضابط في البحرية الأميركية عندما قال إن عقيدة هذا الجيش القائمة على ملازمته الدائمة للشعب ساعدته بقوة في ضرب الجيش الكولونيالي وتفكيك سلطة وهيبة فرنسا. ”
وفيما يتعلق بالخارج، قال خوجة إن العرض حمل بداية رسائل متعددة للأصدقاء منها أن الجيش الجزائري قوة سلام أساسية في القارة الإفريقية والمنطقة المغاربية ومنطقة الساحل والصحراء وهي معنية بنشر السلام والتنمية والاستقرار ودول الاتحاد الإفريقي تنظر إلى هذه القدرات بنظرة إيجابية، وخير مثال على ذلك انتخاب الجزائر عديد المرات على رأس مجلس الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي.
وبخصوص الخصوم، أوضح البروفيسور خوجة أن “الاستعراض كان رسالة قوة وردع حقيقيين، من خلال التركيز على حرفية الجيش الوطني الشعبي وقدرته على التحكم والسيطرة على مختلف الأسلحة الثلاثة، بدءا من القوات الجوية التي افتتح بها العرض ثم القوات البرية والبحرية، والتي أبانت عن جهازية عالية، من حيث العدد والعتاد المتطور، وكان لافتا ظهور الغواصات والأسلحة المتطورة الخاصة بالدفاع الجوي ومنها تلك المتعلقة بالتصدي للطائرات المسيرة والتي صارت تعتمد بقوة في الحروب الحديثة على ضوء ما يجري في أوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط”.
ومن جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، توفيق بوقعدة، لـ”الشروق”، الأحد، أن أي استعراض عسكري في العالم يحمل رسائل تخص تلك الدولة، حيث تختلف هذه الرسائل بحسب الأهداف والواقع الجيوسياسي الذي تعيشه الدولة المعنية.
أما بخصوص “الاستعراض العسكري المبهر الذي قامت به الجزائر في الفاتح نوفمبر المجيد، فإن رسالته الأولى للشعب الجزائري، في اتجاه طمأنة بأن القدرات العسكرية الجزائرية بمختلف أسلحتها قادرة على مواجهة التهديدات المحتملة لأمنهم القومي، وأن مسار احترافية المؤسسة العسكرية وصل إلى درجات متقدمة في التنظيم والتحكم في مختلف الأسلحة وتكنولوجياتها الحديثة، وهي رسالة وفاء لشهداء الثورة التحريرية بأن الجيش الوطني سليل جيش التحرير قادر على حماية أرضهم التي سقوها بدمائهم”، مثلما يضيف بوقعدة.
أما الرسالة الثانية في تصوره، فهي موجهة لبعض الأطراف الإقليمية التي تحاول الاستثمار في السياق الإقليمي المتوتر، خاصة في منطقة الساحل، من أجل إحداث اختراقات في المنطقة، حيث تعتبر الجزائر أكثر تضررا منها، بالإضافة إلى رسالة “التحالفات الهجينة بالمنطقة والتي ترى في الجزائر هدفا لها من أجل إرغامها على تقديم تنازلات في مواقفها المبدئية والانصياع إلى الأمر الواقع”.
وأوضح بوقعدة كذلك أن رسالة الاستعراض في مضمونها هي نأي للجزائر بنفسها عن الانخراط بأي تحالفات إقليمية أو دولية، بل إنها “تعتمد على قدراتها الذاتية لمواجهة التهديدات الأمنية المختلفة، وما يعزز دفاعها عن قيمها ومبادئها”، ذلك أن الجزائر تدرك التقلبات الهيكلية العميقة لوضع الدولي الراهن، والتي لا يمكنها تحصيل مكاسب ومنافع للجزائر ولا للقضايا الأساسية التي تدافع عنها.
واعتبر المحلل أن “المتتبع للمسار النشاط الدبلوماسي الجزائري يدرك دون مواربة هذا النهج في إعادة أهداف ومبادئ عدم الانحياز رغم العطب الذي أصاب المؤتمر في العقود الأخيرة”، على حد تعبيره.
ومن جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رشيد علوش، إن الهدف الأساسي من الاحتفالات المخلدة لذكرى نوفمبر المجيدة هو أن يفتخر الشعب الجزائري ويعتز بماضيه وأن يبني مستقبله بناء عليه، معتبرا أن الاستعراض العسكري الباهر الذي نظم في الفاتح من نوفمبر أكد ثبات عقيدة الجزائر كدولة مصدرة وحامية للسلم.
وأكد علوش خلال استضافته، الأحد، في برنامج “ضيف الصباح” للقناة الإذاعية الأولى، على أن العرض العسكري الكبير والتناسق الذي كان بين القوات البرية البحرية والجوية أظهر القدرات العسكرية الجزائرية القوية ومدى تطور مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، مضيفا أن إبراز القوات البحرية رسالة أيضا على أن الجزائر كانت ولا تزال قوة وذات سيادة بحرية.
كما قدم الاستعراض، حسب المتحدث، عدة رسائل بارزة، منها ما عبر عنه حضور قادة الدول من شمال إفريقيا من دلائل على وحدة المنطقة ودعمها للجزائر.
وأضاف ضيف القناة الإذاعية الأولى أن الجيش الجزائري ومؤسسات الدولة تستند إلى الشعب وهو نفس المبدأ الذي اعتمدته ثورتنا المجيدة إذ كانت بداية بيان أول نوفمبر بـ”أيها الشعب” ومن تلك الفترة تم تعزيز رابطة الشعب بجيشه.
وشدد رشيد علوش على ثبات عقيدة الجزائر كدولة مصدرة وحامية للسلم وهو ما أكده رئيس الجمهورية بأن الجيش الجزائري عقيدته دفاعية ولكن السلم لابد له من قوة تحميه وتدعمه وهو أمر مرسخ في بيان أول نوفمبر.
المصدر: الشروق أونلاين
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس