عيد الأضحى في الجزائر… استعدادات شعبية وتمسك بالتقاليد

0
عيد الأضحى في الجزائر... استعدادات شعبية وتمسك بالتقاليد
عيد الأضحى في الجزائر... استعدادات شعبية وتمسك بالتقاليد

أفريقيا برس – الجزائر. مع حلول عيد الأضحى، تعيش الجزائر أجواء مميزة يغمرها الفرح والتضامن، إذ تحرص الأسر على شراء المستلزمات وإحياء العادات المتوارثة المرتبطة بهذه المناسبة، في مشهد يعبّر عن روح العيد ودفء العلاقات الاجتماعية

يتميّز عيد الأضحى في الجزائر بطقوس وعادات تجمع بين الفرح والتضامن والبعد الديني، إذ يُعيد ترتيب العلاقات والروابط الاجتماعية، ويمنح الأسر فرصة للتواصل وتعزيز صلة الرحم. وتكمن خصوصية العيد هذا العام في تزامنه مع نهاية العام الدراسي، ما أتاح للعائلات فرصةً للاحتفال بأجواء أكثر هدوءاً وأقل ضغطاً، بعيداً عن التزامات الدراسة والامتحانات.

في كل بيت جزائري، تنطلق التحضيرات لاستقبال عيد الأضحى قبل أيام من حلوله، إذ تحرص الأسر على شراء مستلزمات العيد والأدوات الخاصة بالأضحية، من سكاكين وحبال وغيرها. ولا تزال الأسر الجزائرية متمسكةً بمجموعة من العادات المتوارثة المرتبطة بهذه المناسبة، إذ تتجه النساء إلى تنظيف المنازل وتزيينها استعداداً لاستقبال الضيوف، في مشهد يعبّر عن روح العيد ودفء العلاقات الاجتماعية.

تؤكد حليمة بلونة، وهي حرفية في إعداد الأكلات التقليدية (45 سنة)، أن “القاسم المشترك بين معظم العائلات هو تجهيز الأضحية وشراء مستلزمات الطهي والشواء. فعيد الأضحى يحمل رمزيةً خاصةً تختلف عن عيد الفطر، ولهذا فإن أكثر ما يشغل الرجال هو اقتناء أدوات الذبح، مثل السكاكين والأواني والحبال، وغيرها من المستلزمات”.

تضيف: “أما نحن النساء، فنحرص على إعداد الحلويات التقليدية التي نستقبل بها الضيوف خلال أيام العيد”. وتتابع: “لكن ما يهمنا أكثر نحن ربات البيوت، هو شراء التوابل والمواد الخاصة بطهي أطباق العيد، وتحضير مختلف الأكلات التي تعتمد على لحم الأضحية، والتي تُعد جزءاً أساسياً من طقوس هذه المناسبة”.

تُعرف هذه التوابل في الجزائر باسم “الفوّاحات”، اختصاراً لعبارة “النكهة الفوّاحة”، وهي مكوّنات أساسية تتكوّن من مجموعة متنوعة من البهارات ذات الروائح والنكهات القوية، وتُستخدم في إعداد أشهر الأطباق التقليدية الخاصة بعيد الأضحى، بما في ذلك وصفات الشواء وأطباق المرق المرتبطة بالمناسبة.

وعلى عكس الأيام العادية، تتحوّل الأسواق والشوارع، مع اقتراب العيد، إلى فضاءات نابضة بالحركة، حيث تشهد نشاطاً ملحوظاً بتوافد الباعة المتجولين الذين يعرضون أدوات الذبح والسلخ، وكل ما يتعلق بالأضحية من سكاكين وحبال وأكياس بلاستيكية مخصصة لحفظ اللحم وتعليبه.

كما يُعد الفحم من المستلزمات الضرورية لتحضير الشواء، إذ يشهد سوقه رواجاً كبيراً خلال أيام العيد، نظراً إلى ارتباطه الوثيق بأحد أبرز طقوس عيد الأضحى في معظم البيوت الجزائرية. ويُعد هذا الموسم فرصةً مربحةً لكثير من التجار الموسميين الذين يحرصون على حجز أماكنهم مسبقاً في الأسواق الشعبية، لتلبية احتياجات الأسر التي تتزايد بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة.

عشية عيد الأضحى، تبرز تجارة الفحم مصدر دخل مهماً لكثير من الشباب، حيث تُعد هذه الفترة فرصة موسمية للعمل وتحقيق مكاسب سريعة. يقول هشام زموش، البالغ من العمر 27 سنة، إنه يستغل هذه المناسبة لبيع الفحم ومستلزمات الذبح، موضحاً: “عيد الأضحى فرصة جيدة لبعض الشباب لكسب دخل إضافي من خلال مهن موسمية مرتبطة بالمناسبة”. ويضيف: “يشهد موسم العيد إقبالاً كبيراً من العائلات على شراء أدوات الذبح والشواء، كما ينشط بعض الشباب في حرفة سنّ السكاكين باستخدام آلة مخصصة، تجعلها حادة وجاهزة للاستعمال، وهي خدمة مطلوبة بشدة في هذه الفترة من السنة”.

قبيل حلول العيد تُجهَّز المساجد أيضاً في مختلف أنحاء الجزائر وتُنظَّف استعداداً لأداء صلاة العيد، وهي شعيرة يحرص الجزائريون على إقامتها في أفضل الظروف. وفي بعض ولايات الجنوب، كولاية تمنراست، لا يزال الناس يُفضّلون إقامة الصلاة في ساحات عامة مخصصة لهذه المناسبة، يتم تجهيزها مسبقاً لاستقبال المصلّين.

تبدأ أجواء يوم العيد منذ الصباح الباكر، حيث تتعالى أصوات التهليل والتكبير قبل أداء الصلاة وخطبة العيد، لتعمّ بعدها أجواء من البهجة والروحانية. ومع انتهاء الصلاة، يتوجّه الناس إلى نحر الأضاحي وسط أجواء يسودها التعاون، وتقاسم اللحظات العائلية والفرح الجماعي.

يصف طالب الماستر بجامعة قسنطينة، جمال سراوي، لحظات عيد الأضحى بأنها “استثنائية لا تتكرّر إلا مرة واحدة في السنة، حيث تجتمع الأسرة على فعل جماعي يمزج بين الطقوس الدينية والمشاعر العائلية الدافئة”. ويشير إلى أنه “رغم تمسّك بعض العائلات بعادة نحر الأضحية داخل البيت، خصوصاً في الأسر النووية التي تعتمد على بيت العائلة الكبير في مثل هذه المناسبات، دفع تغيّرُ نمط السكن وظهور العمارات السكنية بعضَ الأسر للجوء إلى المسالخ”. ويضيف أن “هذا التغيّر لم يُلغِ روح العيد، بل دفع بالكثيرين إلى محاولة خلق أجواء مشابهة، حتى في ظل ظروف معيشية وسكنية مختلفة، حفاظاً على رمزية العيد ومكانته في الذاكرة الجماعية”.

خلال السنوات الأخيرة، لم تعد العائلات تركز كثيراً على شراء ملابس جديدة للأطفال في عيد الأضحى، كما هو الحال في عيد الفطر، لكنها باتت تعوّض ذلك بمنحهم فرصة الاستمتاع بأجواء العيد بطرق أخرى، تبدأ من اليوم الثاني، من خلال الذهاب إلى المتنزهات والغابات لقضاء أوقات ممتعة في الهواء الطلق، تتخللها جلسات شواء لحم الأضحية، أو القيام بزيارات عائلية. ويُعد عيد الأضحى هذا العام مناسبة مميزة، لكونه يأتي مباشرة بعد نهاية الموسم الدراسي، ما يمنح العائلات متسعاً من الوقت للسفر والتزاور لمسافات أبعد، وبالقدر الذي يعزز الروابط الاجتماعية ويضفي على المناسبة طابعاً احتفالياً أكثر حيوية.

وفي هذا السياق، تؤكد أستاذة الرياضيات في التعليم الثانوي، فريدة لهشيلي، أن عيد الأضحى يُشكّل فرصةً ثمينةً لتعزيز التواصل العائلي، خاصةً في ظل التأثير المتزايد لوسائل التكنولوجيا التي أضعفت الروابط الاجتماعية المباشرة.

وبعيداً عن مظاهر الاحتفال، يحمل عيد الأضحى بُعداً روحياً عميقاً يتجلّى في عادة زيارة القبور، التي يحرص عليها كثير من الجزائريين، خصوصاً صباح العيد أو خلال أيامه الأولى. وفي هذه اللحظات الصامتة، تختلط مشاعر الفرح بالحزن، إذ يستحضر البعض وجوه الغائبين الذين كانوا يوماً جزءاً من هذه المناسبات، لتتحوّل الزيارة إلى مساحة للترحّم والتأمل والذكرى.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here