أفريقيا برس – الجزائر. تعرف ظاهرة الذبح العشوائي للماشية انتشارا مذهلا في العديد من المناطق، في صورة ينجر عنها بيع لحوم مجهولة المصدر، تسوق خارج الرقابة والأطر المعمول بها، فتباع للناس وهي غير صالحة للاستهلاك البشري وحتى الحيواني.
هذه اللحوم تجدها في كل مكان وليس فقط عند الجزار، فاللحم في هذه الأيام يباع كالتمر والخضر في الأسواق، ويوضع على الأرض أو فوق طاولات تعرض في الأسواق، كما هو الحال بالأسواق الشعبية بولاية سطيف، والعديد من الأسواق عبر الوطن، والتي تجد فيها اللحم بسعر زهيد لكن يُعرض في ظروف لا علاقة لها بالنظافة ولا بالتبريد.
ويبرر بعض الباعة ذلك ببرودة الطقس في الوقت الحالي، في حين أن العملية تستمر حتى في فصل الصيف، أين يباع تحت حرارة الشمس برعاية الذباب والأوساخ المحيطة بالمكان. فقد تشتري منهم قطعة لحم تبدو عادية لكنها وضعت رفقة صحتك في الميزان، ولا يليق بك أن تسأل عن مصدر الداء الذي سيسوقك إلى المستشفيات والعيادات.
.. في كل سوق يذبحون بقرة تسر الناظرين وتُهلك المستهلكين
وقد جرت العادة أن تذبح الأبقار خلف الستار بعيدا عن الأنظار، ويُحضر الباعة في هذه الأسواق فخذ بقرة يُقطّع على المباشر ليباع للزبائن دون علمهم بمصدره ولا المكان الذي ذبحت فيه البقرة. وبعض الزبائن يفتخرون بشراء لحم جديد وطري كما يدّعون، والأهم من ذلك السعر الذي يكون أقل من الذي يجدونه في محل القصابة، وهؤلاء الباعة يعرضون أيضا لحوم الخروف والماعز بنفس الطريقة دون أن يسألهم أحد عن هذه الطريقة التي انفلتت من العصور القديمة قبل اكتشاف الثلاجة والعلوم البيطرية، وحتى مؤجر السوق المعروف باسم “المكّاس” يُلزم هؤلاء الباعة بدفع حقوق السوق ولا يسأل عن مصدر اللحم الذي قد يتسبب في كارثة إنسانية، وقد طلب منا أحد “المكاسين” بعدم التطرق للموضوع لأن ذلك قد يؤدي إلى غلق السوق أو منع باعة اللحم من دخولها وفي الحالتين خسارة بالنسبة إليهم.
فظاهرة بيع اللحوم في الأسواق التي لم نكن نشاهدها في السابق إلا في الأسواق الإفريقية وكانت تثير الاستغراب، أصبحت اليوم بيننا تنتشر في العديد من الأسواق الجزائرية على الطريقة الإفريقية، وقد زاد عليها الإقبال مع ارتفاع أسعار اللحوم العادية عند الجزارين.
المنخنقة والموقوذة قد تكون أهم مصدر للحم المفروم والنقانق
الوجه الآخر لهذه اللحوم الذي يبدو أكثر تهذيبا يأتي من باعة يذبحون الماشية في المداشر والقرى سواء في المستودعات أم في الهواء الطلق، ثم ينقلون لحومها لبيعها لبعض الجزارين المحتالين الذي يفضلون الهروب من المذابح المعتمدة، والعملية تظهر عليها ملامح الإجرام من بدايتها فلا تستبعد المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة أو المريضة المهددة بالموت، وحتى التي تبدو لا عيب فيها لكن تبقى بعيدة عن الرقابة البيطرية التي ينفر منها هؤلاء خوفا من الحجز ومختلف التبعات.
وحسب أحد البياطرة الذي تحدث إليه فإن بعض الأبقار تكون مصابة بأمراض خطيرة ولا يمكن أن يستهلكها الإنسان لأنها تنقل له العدوى وتهدد حياته مثل مرض جنون البقر والسل والجمرة الخبيثة والليستيريا والحمى المالطية، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الأمراض التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان بعد استهلاك اللحوم أو الألبان.
ولتفادي الخسائر والتعقيدات يكون الذبح لدى البعض بطريقة عشوائية، وتحول اللحوم إلى الجزار الذي يبيعها بطرق ملتوية سواء كقطع أو تحول إلى نوع آخر من المواد المعروضة للبيع كاللحم المفروم والنقانق، هذه الأخيرة التي يستغلها العديد من الجزارين لإخفاء مختلف اللحوم الفاسدة والقديمة وغير النقية والشحوم ولواحقها، والتي تجمع مع بعضها وتفرم وتغطى بكميات هائلة من التوابل لتختفي عيوبها التي لا يكتشفها المستهلك.
وتتم معظم هذه العمليات في الخفاء بعيدا عن المذابح وأعين الرقابة وهناك من يتعمد التزوير في الختم لإعطاء الطابع الرسمي للحوم المجهولة المصدر.
هذه الظاهرة وقفنا عليها في شهادة حية لأحد الفلاحين بولاية سطيف، والذي اكتشف مرض نعجته التي أصبحت مهددة بالموت فلم يتردد في ذبحها وبيعها لجزار عرضها بدوره للبيع مقابل 850 دج للكيلوغرام، وادعى ذلك المربي أن مرضها لا ينتقل إلى الإنسان، لكنه لم يكلف نفسه ليعرضها على طبيب بيطري، وبالتالي تلك النعجة المريضة ذبحت وسلخت وبيعت عند الجزار دون أن يعلم الزبون أن اللحم الذي اشتراه غير صالح للاستهلاك. ويؤكد لنا هذا الفلاح أن الأمر عادي ويتكرر أكثر من مرة، فكلما أصيبت نعجة أو بقرة بمرض وأضحت مهددة بالموت يكون مصيرها الذبح بعيدا عن المذبح وتوزع للجزارين دون التفكير في النتيجة.
والبعض يتحدث عن الأبقار التي أدركها الموت ورغم ذلك عجلوا بذبحها وبيعها بطرق ملتوية دون إعارة أي اهتمام لخطورتها على صحة المستهلك. بينما هناك علامة استفهام كبيرة حول أبقار ميتة تم رميها في المزابل ثم اختفت عن الأنظار، ولا أحد يعلم من أخذها وكيف سولت له نفسه أن يستغلها بعدما هلكت وتحولت إلى مادة سامة.
موالون يذبحون البقرة والمستهلك بخنجر واحد
وقد وقفت مصالح أم ولاية سطيف على عدد من هذه العمليات التي استفحلت في الآونة الأخيرة، وفي كل مرة يتم حجز قناطير وأطنان من اللحوم المجهولة المصدر وغير صالحة للاستهلاك، وفي آخر عملية تمت منذ يومين فقط تمكنت فرقة التطهير والنظافة التابعة لمصالح أمن ولاية سطيف من حجز 4 قناطير من اللحوم الحمراء كانت مكدسة في شاحنة مع انعدام ادني شروط النظافة ولا وجود لنظام التبريد، وتبين بعد التحريات أن هذه اللحوم مجهولة المصدر ولم تخضع للمراقبة البيطرية وصاحبها لا يملك أي شهادة تؤكد صلاحية هذه المادة، واتضح أيضا أن الختم الموجود على اللحوم وهمي ومزور، ولذلك حجزت البضاعة وأحيلت على طبيب بيطري مختص، أكد بدوره عدم صلاحيتها وأمر بإتلافها لأنها غير صالحة للاستهلاك البشري وحتى الحيواني، بينما أحيل صاحب اللحوم على الجهات القضائية بتهمة بيع لحوم حمراء تحمل بيانات مزورة ونقل وبيع لحوم حمراء غير صالحة للاستهلاك. وتحرص فرق الشرطة على تفقد المركبات النفعية المشبوهة التي تنقل اللحوم بمختلف أنواعها والتي يشترط فيها ختم البيطري الذي إن غاب تحجز البضاعة مباشرة، ويحال أصحابها على العدالة.
وإذا كان تسويق اللحوم المشبوهة جريمة يعاقب عليها القانون، في الواقع هو نوع من القتل والاعتداء والانتهاك الصارخ للصحة العمومية، والذي سبق له أن تسبب في قتل الناس، كما حدث في السابق مع حادثة الكاشير بولاية سطيف، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 40 شخص دفعة واحدة وكل ذلك بسبب لحوم فاسدة، وتلك حكاية أخرى.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس





