هكذا خسرت فرنسا قيمها في الأزمة مع الجزائر

4
هكذا خسرت فرنسا قيمها في الأزمة مع الجزائر
هكذا خسرت فرنسا قيمها في الأزمة مع الجزائر

محمد مسلم

أفريقيا برس – الجزائر. خسرت فرنسا كل ما تبقى لها من قيمها المدّعاة، في خضم الأزمة المتفاقمة مع الجزائر، بل وصل الأمر حد التفريط في قيمة لطالما انتقدت فرنسا غيرها من الدول بسببها، وهي قيمة “حرية التعبير والصحافة”، وما ارتبط بها من أخلاق مهنية سامية، في مشهد يؤكد حالة الانحطاط التي وصل إليها مهد ثورة الحريات المفقودة.

البطل في هذا المشهد، هي وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس براس”، وهي هيئة عمومية حسب الخصوصية الفرنسية، ومع ذلك، لم تضمن هذه الوكالة التي تعتبر الذراع الإعلامي الرسمي للدولة الفرنسية، أبسط حقوق المواطن الفرنسي في الوصول إلى إعلام حر ونزيه، طالما أن الأمر يتعلق بإبراز “العنجهية” في التعاطي مع الجزائر.

وفي فيديو على حساب وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس براس” في “يوتيوب”، غيّبت الوكالة أهم مقطع في تصريح المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، صوفي بريما، الأربعاء، يخص الأزمة الفرنسية الجزائرية، وهو ما تعلق بالجهة التي لها الصلاحيات الحصرية في إدارة العلاقات مع الجزائر. فقد أكدت في حديثها على أن كلا من الرئاسة الفرنسية ووزارة الخارجية، هما المؤسستان المخولتان بهذا الملف فقط، في صفعة مدوية لوزير الداخلية، برينو روتايو، الذي لا يفوت فرصة إلا وزاد من تأجيج نار الأزمة مع الجزائر.

وانطلق مقطع فيديو وكالة الصحافة الفرنسية مباشرة من العبارة التي أعقبت تحييد وزير الداخلية عن الخوض في الأزمة مع الجزائر، في نية مبيتة لإبراز أن التصعيد الحاصل في العلاقات الثنائية سببها الجزائر، في تصرف يفتقد إلى الأخلاق المهنية، كونه انخرط في التضليل الإعلامي، بمحاولة التغطية على أفعال وممارسات وزير الداخلية، روتايو، الفضائحية.

ولم تكن حادثة فيديو الناطقة باسم الحكومة الفرنسية هي الأولى في فضائح الاعلام الفرنسي، فقد سبقتها فضيحة أخرى، تمثلت في طلب وزير الخارجية، جون نويل بارو، زيارة الجزائر من أجل معالجة الأزمة، إلا أن غالبية الإعلام الفرنسي تجاهل هذه الدعوة التي رددها بارو أربع مرات، فيما ركز على حديث عن “الرد على الجزائر”، إمعانا في صب المزيد من الزيت على نار الأزمة.

ويعتبر ما قامت به وكالة الصحافة الفرنسية فضيحة بكل المقاييس، لأنها وسيلة إعلام عمومية، وليست مجرد صحيفة أو قناة وضعت تحت تصرف تيار سياسي يميني متطرف، كما هو الحال بالنسبة، ليومية “لوفيغارو” ومشتقاتها أو مجلة “ماريان”، أو قناة “سي نيوز” التي تجاوزت في مواقفها المعادية للجزائر أقصى اليمين المتطرف، ولاسيما عندما يكون المهووس بالجزائر، باسكال برو، حاضرا في البلاطو.

وعلى الرغم من أن ممارسات الإعلام الفرنسي خلال الأشهر القليلة الأخيرة أصبحت متشابهة في إدارة الأزمة مع الجزائر، وكأنها يديرها رئيس تحرير واحد، إلا أن مسؤولية السقطة الأخلاقية لوكالة الصحافة الفرنسية، أعظم، لأن تضليلها الإعلامي الممنهج تجاوز الفضاء الفرنسي، على العالم، بحكم أنها من أكبر الوكالات الاعلانية انتشارا في العالم.

ويشير هذا المعطى إلى أن الأزمة المتفاقمة بين الجزائر وفرنسا، يديرها التيار اليميني المتطرف، من خلال سيطرته على الترسانة الإعلامية، بحيث لم تتوقف هذه السيطرة على الإعلام الخاص، بل امتدت إلى الإعلام العمومي، إلى درجة أن الشعب الفرنسي أصبح غير قادر على الوصول إلى الخطاب الرسمي لمسؤولي بلاده، وأنه يتلقى فقط ما يريد اليمين المتطرف تمريره ليصل إلى مسامعه، وهو تطور خطير يضع فرنسا ذاتها على المحك.

وبرأي مراقبين، فإن الرئيس الفرنسي، ماكرون، أصبح عاجزا عن إدارة الدولة الفرنسية منذ أن خسر الانتخابات التشريعية الأخيرة واضطراره إلى القيام بتحالفات معقدة، جلبت اليمين إلى الحكومة، في صورة وزير الداخلية، برينو روتايو، الذي تكمن خصوصيته في كونه ينتمي إلى اليمين المتدين، وهو أخطر من اليمين المتطرف، فهو يدير الأزمة مع الجزائر من منطلق صراع حضاري، طرفاه مسلم ومسيحي.

ومن مظاهر ضعف ماكرون عدم قدرته على التدخل لإيقاف وزير داخليته عن تصعيد الأزمة مع الجزائر، خوفا من انهيار تحالفه الهش، بدليل أنه رغم الأزمات التي افتعلها مع الجزائر، إلا أنه حافظ على حقيبته الوزارية الموروثة من حكومة ميشال بارنيي الساقطة، إلى حكومة فرانسوا بايرو الحالية.

ويعتقد المراقبون أن مساعي اليمين المتطرف من خلال أبواقه الإعلامية هي ضرب أي تقارب محتمل ين البلدين، لاسيما وأن وزير الخارجية جون نويل ابرو، جهز طائرة خاصة لزيارة الجزائر الأسبوع الداخل، ولم يبق غير تلقي الضوء الأخضر، غير أن المشكل يكمن في أن فرنسا لم تقم بشيء من أجل تصحيح أخطائها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here