أحفاد وأبناء «بني وي وي» الذين قالوا لا

6
أحفاد وأبناء «بني وي وي» الذين قالوا لا
أحفاد وأبناء «بني وي وي» الذين قالوا لا

ناصر جابي

أفريقيا برس – الجزائر. بني oui oui – نعم نعم بالعربية – صفة أطلقها الجزائريون على المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي، من أبناء جلدتهم، الذين اشتغلوا داخل مؤسساته وبالقرب منها، كما كان الحال مع القياد والبشاغات الذين اشتهر بعضهم في مناطق من التراب الوطني، بممارساتهم العنيفة المتواطئة مع الإدارة الفرنسية، لم تتوقف عند التبني السياسي للظاهرة الاستعمارية في الجزائر، بل كانوا على رأس المستفيدين منها – بعد المعمرين من أصول فرنسية وأوروبية – كمواقع اجتماعية ومصالح اقتصادية، أخذت في الغالب شكل ملكيات عقارية كبيرة ومتوسطة، في الريف والمدينة، توارثتها الأجيال. هم الذين كانوا اليد الضاربة في عملية إفقار الفلاحين الصغار والاستيلاء بشتى الطرق على ملكيتهم الفردية والجماعية.

نعود للكلام عن هذا الموضوع في وقت تحتفل فيه الجزائر بالذكرى 68 لثورة نوفمبر/تشرين الثاني التي عرفت انطلاق شرارتها الأولى رمزيا، في منطقة الأوراس بالقضاء على أحد القياد في هذا اليوم بالذات من سنة 1954، في الطريق الرابط بين أريس وبسكرة.

العودة للتاريخ الاجتماعي والسياسي الجزائري يخبرنا أن الأمور لم تكن بهذه البساطة، بل التسطيح الذي تغري به القراءة الأيديولوجية للتاريخ الوطني التي تم تكريسها بعد الاستقلال كسردية وطنية رسمية، من قبل الدولة الوطنية والمدرسة التاريخية الوطنية. الوقائع التاريخية تخبرنا أن هذه العائلات التي عرفت بتعاونها مع الظاهرة الاستعمارية من خلال أبنائها من الجيل الأول، الذين احتلوا مواقع سياسية وإدارية اشتغلوا فيها «كوسيط» بين الفرنسيين والأهالي، كما كانت يسمي الاستعمار الشعب الجزائري، قد عرفت لاحقا تحولا جذريا في سلوكها السياسي على مستوى الجيل الأصغر- أحفاد وأبناء- توجه على إثره أبناء هذا الجيل، نحو الانخراط في العمل السياسي الوطني، بل الالتحاق بالحركة الوطنية الاستقلالية والوصول الى حد التوجه نحو الكفاح المسلح، لدى البعض، بعد المرور على الأحزاب الاستقلالية على غرار حزب الشعب – حركة الانتصار، ومن ثمة جبهة وجيش التحرير. كان هذا حال بعض الوجوه السياسية المعروفة، التي قادت العمل السياسي الوطني وشاركت في ثورة التحرير، بل قادت الكفاح المسلح، كما كان الحال مع حسين آيت أحمد الذي ينتمي الى عائلة مرابطة ذات إشعاع ديني في منطقة القبائل، احتل فيها الأب موقع قايد. تقول الرواية العائلية أنه قبل به لمدة قصيرة تحت الإكراه، الحال نفسه مع محند السعيد معزوزي، الذي احتل جده موقع القايد هو الآخر في المنطقة نفسها بالقرب من تيقزرت. في حين رفض الوالد هذا المنصب والابن محند سعيد لاحقا، ليقوم بالقطيعة مع هذا المسار عن طريق العنف الثوري وهو يقدم على محاولة اغتيال أحد قياد المنطقة. أحمد بن شريف قائد الولاية الثانية في السنة الأخيرة من ثورة التحرير، ينتمي هو الآخر إلى الوسط الاجتماعي نفسه في منطقة الجلفة التي احتل فيها الجد والأب موقع البشاغا والقايد.

قائمة يمكن أن تطول أكثر لو وسعنا نظرتنا إلى مجمل النخب السياسية التي كانت حاضرة على مستوى مؤسسات الثورة الأخرى والدولة الوطنية لاحقا، بعد استقلال البلاد. كما تبينه جزئيا المعطيات الإحصائية التي تمكنا من جمعها حول النخبة الوزارية، التي بينت أن نسبة عشرة في المئة تقريبا من الوزراء في الجزائر، عندهم جد أو أب بشاغل أو قايد، نسبة عالية مقارنة بالحجم الديموغرافي لهذه الأوساط في المجتمع الجزائري الفقير. ملاحظات كثيرة يمكن ان نذكرها قبل الاسترسال في هذا التحليل منها، أن موقع القايد – عكس الباشاغا ربما ـ قد عرف تدهورا اجتماعيا أكيدا لم يعد مقتصرا فيها على أبناء العائلات الغنية والمعروفة، بعد التحاق أبناء الموظفين الصغار في هذا الموقع الذي ورثوه لأبنائهم، كما كان الحال مع الملتحقين بالجيش الفرنسي وأبنائهم الذين منحت لهم هذه المناصب كهدية نهاية خدمة، وإن أصحاب هذه المواقع قد تواروا عن المشهد السياسي مباشرة بعد انطلاق حرب التحرير، التي حسمت الكثير من الأمور السياسة وهي تغير في موازين القوى لصالح الشعب الجزائري، وممثله السياسي الذي تعبر عنه ثورة التحرير. ليبقى المهم في الموضوع هو البحث عن السياقات التي أنتجت هذا التحول في المسار السياسي لأبناء هذه الأوساط والعائلات ـ البعض منها وليس كلها الذي استمر مرتبطا بالاستعمار – وهي تقوم على مستوى جيل الأبناء والأحفاد بالقطيعة مع الظاهرة الاستعمارية، وهي تلتحق بالثورة.

في هذه اللحظة السياسية التي ارتبطت ببروز الحركة الوطنية وتنظيماتها المختلفة التي حصلت فيها جزئيا تنشئة سياسية جديدة لهذا الجيل من الجزائريين -الثلث الأول من القرن الماضي في الغالب – لم تكن متاحة للأجيال الأكبر سنا. كان من بينها الحزب السياسي والجمعية، على غرار الكشافة الإسلامية والكثير من الجمعيات الرياضية – كرة القدم في الغالب – والأهم من ذلك التحول نحو المدن الكبرى والمتوسطة للاستقرار فيها بالنسبة لهذه الفئات التي كانت تقوم في الأصل بتأطير المجتمع الجزائري الريفي سياسيا وإداريا. المدينة بطابعها الاستعماري الذي عرفته الجزائر، ساهمت هي الأخرى في خلق هذه الظاهرة التي نتكلم عنها، هي التي فرضت تقسيما صارما للفضاءات بين الجزائريين والمعمرين الأوروبيين، داخلها على أساس عرقي غالب. لم تفلت منه الفئات الغنية وحتى تلك المرتبطة بالاستعمار، التي بقيت تعيش بالقرب من أبناء جلدتها في الغالب حتى وهي تبني مساكن تليق بوضعها الطبقي المتميز، ما جعل الحي والشارع يتحول الى مكان لتنشئة اجتماعية وسياسية أقرب للمنطق الجزائري الشعبي المعادي للاستعمار. إذا اضفنا الى ذلك ما قامت به المدرسة بمستوياتها المختلفة – ابتدائي وثانوي وجامعي لاحقا – من تنشئة لهذا الجيل الذي عاش أشكالا عنصرية مختلفة منها الظاهر والمستتر داخل أقسام الدراسة وساحات المدارس، فإننا نكتشف بسهولة أننا امام أبناء جيل تحصّل على تنشئة اجتماعية وسياسية كانت قريبة جدا من الأوساط الشعبية، التي كانت في احتكاك يومي معها في المدرسة والحي، في جو ثقافي أطرته الممارسة الدينية واللغوية المشتركة، بكل أبعادها الثقافية والفنية ـ الغناء – في مجتمع حافظت فيه مؤسسة الزواج على تجانسها ورفضها للاختلاط العرقي باستثناءات قليلة. سياقات اشتغلت ضد المشروع الاستعماري من أسفل على المستويين الاجتماعي ـ الديموغرافي والسياسي وهو ينجز مشروعه الرامي الى تفتيت المجتمع الجزائري، استطاعت في الأخير أن تكسب حتى الفئات التي عولت عليها الظاهرة الاستعمارية منذ بداية دخولها للبقاء والسيطرة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here