أويل برايس: ليس من مصلحة واشنطن معاقبة الجزائر على علاقتها مع روسيا

21
أويل برايس: ليس من مصلحة واشنطن معاقبة الجزائر على علاقتها مع روسيا
أويل برايس: ليس من مصلحة واشنطن معاقبة الجزائر على علاقتها مع روسيا

إبراهيم درويش

أفريقيا برس – الجزائر. ناقش جيمس ديرسو في مقال بمجلة “أويل برايس” خُطط الكونغرس لفرض عقوبات على الجزائر بسبب صفقة سلاح مع روسيا. ويرى ديرسو أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة فرض عقوبات على لاعب مثل الجزائر في هذه المرحلة. وأشار إلى أن لجنة من الحزبين في مجلس النواب الأمريكي دعت وزير الخارجية أنطوني بلينكن في أيلول/ سبتمبر، إلى فرض عقوبات على الجمهورية الشعبية الجزائرية؛ لأنها وقّعت اتفاقية مع روسيا بـ7 مليارات دورلار، يزعم المشرعون الأمريكيون أنها خرقت قانون “مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات” (كاتسا) الصادر عام 2017. وتبع طلب المجموعة، تحرك آخر من السناتور ماركو روبيو، أيضا في أيلول/ سبتمبر.

وتساءل الكاتب: لماذا الجزائر؟ ولماذا الآن؟

وعلق أن الجزائر هي مستعمرة فرنسية سابقة، ومنتج مهم للغاز الطبيعي، وتصدر نسبة 85% من غازها الطبيعي إلى أوروبا. ولدى البلد مسار مستقل في السياسة الخارجية وعلى علاقة جيدة مع روسيا والصين، وهي لا تتدخل أيضا في السياسة الخارجية. وتعتبر الجزائر من الناقدين الأشداء لإسرائيل، وعارضت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والتدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا، وشجبت اتفاقيات إبراهيم التي وقّعها المغرب مع إسرائيل عام 2020، كما احتفظت بعلاقة دبلوماسية مع النظام السوري لبشار الأسد. وخاضت الجزائر حربي استقلال، الأولى ما بين 1954- 1962 ضد المستعمر الفرنسي، والثانية ما بين 1991- 2002 ضد الإسلاميين بقيادة الجماعة الإسلامية المقاتلة.

وبحسب خدمة الأبحاث في الكونغرس: ” لدى الجزائر 11 و16 من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي والنفط، على التوالي. وكانت عاشر دولة منتجة للغاز في العالم حتى عام 2019. ويقال إن لديها ثالث احتياطي عالمي من الزيت الصخري القابل للاسترداد”.

ولدى الجزائر رابع اقتصاد في إفريقيا بناتج محلي عام في 2021 وصل إلى 167.98 مليار دولار. وزاد الدخل من الغاز والنفط بنسبة 70% في النصف الأول من عام 2022. وبنهاية العام الحالي، يتوقع أن يصل حجم الدخل من الطاقة إلى 50 مليار دولار. وأشار البنك الدولي إلى أن اقتصاد الجزائر توسع بنسب 3.9% عاما بعد عام وخلال التسعة أشهر الأولى من 2021 بعد تقلصه بنسبة 5.5% في عام 2020. وجاء التوسع بسبب الطلب المتزايد من أوروبا على الهيدروكروبون، والذي يمثل 95% من موارد الجزائر، ونسبة 40% من الدخل الحكومي.

ويقال إن الشركات المملوكة من الدولة تمثل نصف الاقتصاد الرسمي، وهو ما يشكل عبئا على النمو، إلا أن القطاع الخاص يأمل مواصلة الحكومة الإصلاحات لكي تجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع غير النفطي، وألا تتراجع عن خطواتها نتيجة لزيادة الموارد من الطاقة. ولدى الحكومة الجزائرية مهمة صعبة لتحقيق هذا، فهي في المرتبة 157 من 190 دولة من ناحية سهولة التجارة والاستثمار، وأمام الحكومة تحديات للتقدم، والبلد يتعافى من آثار وباء كورونا.

ومن هنا، فالخطة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر للقطاع غير النفطي زادت نظرا لمعدلات البطالة بشكل عام، وبشكل خطير بين الشباب التي تصل إلى 31%. والخطة هي إلغاء مطلب الحد الأدنى من الشراكة “51/49” لغالبية الجزائريين بشأن امتلاك تجارة جديدة، لكنه سيظل مطلبا في “القطاعات الإستراتيجية”، وهي الطاقة والتعدين والدفاع وبنى النقل التحتية والصناعات الدوائية. والمفتاح لكل هذا، هو عدم محاولة الحكومة “شراء السلام الاجتماعي” من خلال دفع مساعدات ضمان اجتماعي في وقت ارتفاع أسعار النفط، وعندما تهبط أسعاره تدريجيا، فقد يغلق الشباب الغاضب العاطل عن العمل الخيارات أمام الحكومة ويجبر على تشكيل أخرى، نأمل أن تكون سلمية.

ويقول الكاتب إن علاقات الجزائر مع الولايات المتحدة بدأت بداية بطيئة في الستينات من القرن الماضي، وظلت بشكل عام إيجابية. ففي الخمسينات دعمت إدارتا أيزنهاور وترومان فرنسا في الجزائر، ولكن الرئيس كينيدي اعترف باستقلال الجزائر. وتوسطت الجزائر بين الولايات المتحدة وإيران أدت للإفراج عن 444 رهينة أمريكي. وعرضت الجزائر دعما للولايات المتحدة في أعقاب هجمات 9/11 وتعاونت في عمليات مكافحة الإرهاب، بل عرضت على الأمريكيين استخدام قاعدة جوية. والسؤال، لماذا القلق من الجزائر؟

ويجيب الكاتب أن عقلية أمريكا “إما معنا أو ضدنا” لا تأخذ في الاعتبار التعاون السابق والعلاقات الإيجابية. فمن الواضح أن أمريكا لا تستطيع تصديق أن أي أمة تريد رعاية مصالحها أولا، وتنظر لأي دولة لا تريد الإذعان لها بأنها تقف مع العدو.

فقد فشل البنتاغون مثلا في تجنيد فيتنام كحليف عسكري ضد الصين، حيث نسي أو اختار التجاهل بأن دولة قاتلت لتحرير نفسها من الفرنسيين ومن ثم أمريكا، لا تريد تحالفات عسكرية خاصة مع الدولة التي هزمتها.

وقال وزير الخارجية السنغافوري قبل فترة في مؤتمر قمة آسيان معلقا حول الولايات المتحدة والصين: “لسنا مهتمين بالخطوط الفاصلة في آسيا، ولا تجبرونا على الاختيار، وسنرفض أن نختار”. بل يرى أصدقاء أمريكا أهمية الانضمام لمنبر مستقل عن الأمريكيين، فـ”بريكس” مثلا الذي يضم البرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا، سيرحب قريبا بالأرجنتين وإيران التي تقدمت بطلب عضوية ومصر والسعودية وتركيا، عضو الناتو التي عبرت عن اهتمام. وتقدمت الجزائر رسميا لكي تنضم إلى الكتلة. ولاحظ مراقب أن البريكس قد يتحول إلى “تحالف السلع العالمي” وتلعب فيه الصين دور مركز التصنيع، والهند مركز الخدمات، ولمن سيعمل نواب الكونغرس؟

وربما كانت هناك مخاوف مشروعة للموارد المالية من الجزائر لروسيا، لكن 7 مليارات دولارات لا تصل إلى مدى المليارات التي تقدمها أمريكا لكييف. وربما فكروا في الترويج للمتعهدين الدفاعيين كي يسيطروا على مبيعات السلاح للجزائر، وتخليها عن السلاح الروسي، بنفس الطريقة التي مَنّوا فيها أنفسهم بتحول فيتنام لحليف أمريكي ضد الجارة الصين.

وتعود العلاقات الجزائرية مع روسيا إلى سنوات الخمسينات، عندما زود الاتحاد السوفييتي قوات جيش التحرير الجزائري بالسلاح. وفي عام 1960، كانت موسكو أول من اعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة. وربما لاحظت الجزائر كيف قطعت الولايات المتحدة مبيعات السلاح عن أكبر مستورد لها وهي السعودية بسبب حرب اليمن. وشاهد المسؤولون الجزائريون كيف علّقت واشنطن صفقة طائرات هيلوكوبتر بسبب انقلاب الجيش على الحكومة التي كان يرأسها محمد مرسي في عام 2013. وهم في قصر المرادية يتساءلون: “هل هذه هي الطريقة التي تعامل فيها واشنطن أصدقاءها؟”.

وربما فكر المشرعون الأمريكيون أنهم بفرض العقوبات على الجزائر، يدافعون عن إسرائيل، مع أن دعمها للقضية الفلسطينية ليس جديدا. وفي القمة العربية التي استضافتها الجزائر والأولى منذ اتفاقيات التطبيع، رعت مصالحة بين حركة فتح وحماس، وربما لن تطول، ولكنها إشارة للفائز في التنافس على الحكومة الإسرائيلية، مع أن الجزائر لن تقدم السلاح أو الدعم المادي للمقاتلين الفلسطينيين.

ويأمل الكاتب أن يتفوق صوت العقل في واشنطن على التشدد وعدم تنفير دولة تحاول أوروبا إقامة شراكة طويلة الأمد في مجال الغاز والكهرباء. وتحاول فرنسا إصلاح العلاقات مع الجزائر عبر التجارة، في وقت تعتبر فيه الصين أكبر شريك تجاري للبلد. ولو أرادت أوروبا طاقة أكثر من الجزائر ومن إفريقيا، فعليها زيادة الاستثمار لتعزيز الإنتاج أو المساهمة في خط الغاز العابر للصحراء الكبرى، والذي سينقل الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر الجزائر.

وهناك دولة ستستثمر في الجزائر وهي الصين، وربما تعلمت أوروبا سياسة “الدفع للعب”. وستقوم الجزائر بتنسيق مبادرة الحزام والطريق الصينية والدول التي أعلنت أنها وقعت على خطة خمسة أعوام للتعاون الصيني- العربي الإستراتيجي الشامل ( 2022- 2026). وبناء عليه، فاستثمارات الطاقة التي تقوم بها بكين ستكون لمنفعة الصين وحدها، وقامت بتطوير ميناء الحمدانية المركزي في الجزائر، وهو أضخم وأول ميناء للمياه العميقة في الجزائر والثاني في إفريقيا.

وساهمت الصين في إكمال الخط السريع شرق- غرب بطول 750 ميلا، ويربط الجزائر بالمغرب وتونس. وهناك حوالي 1.000 شركة صينية عاملة في الجزائر بناء على قاعدة الشراكة الدنيا في الإستثمار (51/49). ولا نعرف إن كانت الشراكة مع الصين ستشمل التعاون مع البحرية الجزائرية أو تأمين استثمارات مبادرة الحزام والطريق، لكن المنظور لن يكون مريحا لواشنطن والتي قد تحاول معاقبة الجزائر.

ويمكنها عمل هذا، لكن الجزائريين سيتذكرون غزو العراق بناء على مبررات واهية، وضرب ليبيا بشكل أدى لزعزعة استقرار المنطقة، وفتح الباب أمام موجة من الهجرة باتجاه أوروبا. وسيكون فشل المغامرات الأمريكية بمثابة صرخة الحشد للجزائر والعرب الذي لم يروا إلا الألم وليس المكاسب من أمريكا وتدخلاتها العسكرية بدعم من مساعدتها الصغيرة، أوروبا. لكن الأخيرة قد تكون المناصر الفعال للجزائر في واشنطن، والتي إن تم إقناعها أن المصلحة الأمريكية في أوروبا آمنة، لا يتم خدمتها إلا عبر علاقة ودية مع الجزائر التي تريد تأمين استقلاليتها بعلاقة احترام متبادلة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here