اغتيال سائحة سويسرية في صحراء الجزائر يخلط أوراق الأمن والموسم السياحي

3
اغتيال سائحة سويسرية في صحراء الجزائر يخلط أوراق الأمن والموسم السياحي
اغتيال سائحة سويسرية في صحراء الجزائر يخلط أوراق الأمن والموسم السياحي

أفريقيا برس – الجزائر. شكل اغتيال سائحة سويسرية في مدينة جانت بالحدود الجنوبية الشرقية، خلطا لأوراق الأمن والسياحة في البلاد، فالجريمة التي نفذت في وضح النهار بسلاح أبيض، أعادت التساؤل عن الخلفيات الممكنة للجاني والقدرة على اختراق الآلة الأمنية التي تفتخر بها السلطة، كما فخخ الموسم السياحي بالصحراء، خاصة وأن القطاع شرع في التقاط أنفاسه على أمل التطور التدريجي والشروع في توفير رافد جديد للاقتصاد المحلي.

لازال الصمت الجزائري يخيم على مقتل سائحة سويسرية في منطقة جانت السياحة، فرغم مرور نحو أسبوعين على الحادثة، لم يصدر أي موقف أو تعليق رسمي من أي جهة حكومية أو قضائية، رغم تناقل وسائل اعلام عالمية وأوروبية للحادثة التي أعادت للأذهان ذكريات الحقبة الدموية التي عاشتها الجزائر بين 1990 وبين 2000، واختطاف تنظيم القاعدة المحلي بقيادة “عبدالرزاق المظلي” لـ 32 سائحا من جنسيات أوروبية مختلفة العام 2003.

وجاء مقتل السائحة السويسرية ليشكل تحديا للمنظومة الأمنية التي توليها الجزائر أهمية قصوى خاصة في السنوات الأخيرة، لاسيما التغطية المتعددة لمختلف المصالح الاستراتجية كمنشآت النفط والغاز والحدود البرية والرعايا الأجانب والسياح الذين سجلوا عودة تدريجية للمناطق الجنوبية.

وسمح التكتم المتواصل في الجزائر، بما فيها وسائل الاعلام المحلية التي لم تتناول حادثة مقتل المواطنة السويسرية، أمام مختلف الفرضيات والتكهنات، التي ربطت العملية أحيانا بالجماعات المسلحة، وأحيانا أخرى بالأوضاع الأمنية المتوترة على الحدود، بما أن المنطقة متاخمة للتراب الليبي والنيجيري.

ومنذ نزول قوات الجنرال الليبي خليفة حفتر الى منطقة غدامس المقابلة للتراب الجزائري، بدعوى التحكم في الأوضاع الأمنية والهجرة السرية، رفعت الجزائر من درجة الاستنفار العسكري والأمني، لشكوكها في نوايا الجنرال الليبي، الذي تعتقد دوائر مقربة من السلطات الجزائرية، أن الرجل لم يتحرك الا بايعاز مما تصفهم بـ “القوى المعادية”، في إشارة للقوى الإقليمية الداعمة لحفتر كمصر والامارات وروسيا والتي تتواجد في حالة خلاف مع الجزائر حول الوضع في منطقة الساحل الصحراوي.

وتعتقد تلك الدوائر أن تقدم حفتر الى القرب من الحدود الجزائرية، هو رسالة يريد تبليغها بالنيابة عن القوى المذكورة، ولذلك لا تستبعد أياديه من عملية الاغتيال، ونفس الشيء بالنسبة لمجموعة “فاغنر” العاملة في دولة النيجر، والتي تريد الانتقام من الهزيمة التي منيت بها أمام الفصائل الأزوادية المسلحة منذ عدة أسابيع، والتي قالت أنها تمت بـ”دعم ومساعدة أوكرانية، جزائرية للانفصاليين المسلحين في منطقة تينزواتين”.

ولا تستبعد فرضية وقوف جيب من جيوب من القاعدة النشطة في عمق الصحراء، والذين يريدون لفت الأضواء الإعلامية، عبر ضرب هدف استراتيجي، يتمثل في الجنسية الأوروبية من جهة، وضرب قطاع السياحة المحلي من جهة ثانية.

وفيما تتحدث المعلومات عن القبض على الجاني، والذي أورد شهود عيان أنه شخص وافد على المنطقة وليس من أبنائها، لم تكشف الجزائر لا عن الحادث ولا عن حيثيات عملية الاغتيال، لتراجع بذلك فرضية العمل المعزول، وترجح كفة الدافعين بالانتقام الإسلامي من الغرب، وهو ما أشارت اليه صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية، التي ذكرت أن الجاني، قال: “الله أكبر، تحيا فلسطين”، وهو ما نفاه شهود عيان.

وعبر ناشطون في المجال السياحي المحلي، عن حسرتهم للواقعة التي دمرت آمالهم في تحقيق انتعاشة للقطاع، حيث صرح مدير الوكالة السياحية المحلية قاسم شريف، لـ “أفريقيا برس”، بأن “حادثة اغتيال السائحة السويسرية تمثل انتكاسة للنشاط السياحي المحلي، وأن أطرافا تريد ضرب السياحة والاقتصاد المحليين”.

وأضاف: “كل الوافدين المحليين والأجانب يعرفون كرم وطيبة أهل جانت، وهم متعلقون بهذه الجوهرة، وأن الانصياع لهكذا جريمة هو هزيمة لشغف الاستمتاع والنزهة، ولهذا فان كل سكان المنطقة والناشطين في القطاع يسخرون جهودهم ويقظتهم لضمان فرصة الاكتشاف والطبيعة الصحراوية للجميع”.

وتابع: “قطاع السياحة مستهدف في أي مكان، وأن يد الاجرام المعزول أو المبيت تترصد مثل هذه الفرص، ليس في الجزائر فقط، بل في مختلف الوجهات الأكثر خبرة وعراقة كتونس ومصر وحتى أوروبا، والعبرة ليست في الاستسلام ونشر الخوف، بل في التصميم والإرادة على التحدي”.

غير أن انطباع دولة سويسرا التي اعترفت بعد عشرة أيام عن الحادثة باغتيال مواطنتها (56 عاما) في الجزائر، ذهبت عكس ذلك، حيث شددت وزارة الشؤون الخارجية على موقعها الإلكتروني على “ضرورة إيلاء اهتمام خاص للأمن الشخصي في الجزائر، فرغم تعزيز الإجراءات الأمنية، فإن خطر وقوع هجمات حقيقية في جميع أنحاء البلاد لا زال قائما”.

وأضافت: “تحديد الأهداف المحتملة هي المؤسسات العامة وقوات الأمن والشركات الأجنبية والأماكن التي يتواجد فيها غالبًا أشخاص من جنسيات أجنبية لا زال ممكنا. وأن العصابات المسلحة والإرهابيين الذين يعيشون على التهريب والاختطاف للحصول على فدية، منتشرون في جزء كبير من الصحراء”.

ولفتت الى أن شمال وجنوب الجزائر معرضان للخطر، ولذلك فان وزارة الشؤون الخارجية توصي بعدم السفر إلى تمنراست وجانت وبرج باجي مختار وعين قزام وإليزي، وكذلك المنطقة الحدودية مع مالي.

وكانت الجزائر قد استقبلت العام الماضي، 3.3 مليون سائح، منهم 2.2 مليون زائر أجنبي، و800 ألف زائر أجنبي في الربع الأول من عام 2024 وحده. وقد انخفض إصدار التأشيرات، لأول مرة في التاريخ الحديث للبلاد، إلى حد كبير.

وتعد منطقة جانت المجاورة للمنتزه الوطني طاسيلي ناجر، جوهرة من جواهر السياحة الجزائرية، وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، ولذلك تشكل احدى الوجهات الأكثر شعبية للسياح الأجانب والجزائريين، نظرا لتميزها بالمناظر الطبيعية الخلابة والصحاري المتناوبة والصخور العملاقة الشبيهة بالتماثيل الحجرية، والتي تم افتتاحها للسياحة في عام 2022.

وفي نفس العام، تم تدشين اتصال مباشر بين باريس وجانت، وقد اجتذبت هذه الوجهة بالفعل ما يقرب من 3000 سائح. وتستقبل الآن ما لا يقل عن 150 سائحا أسبوعيا، وعلق أحد السياح في مقطع فيديو على موقع يوتيوب: “لقد جئنا إلى جانت مرة واحدة ونريد العودة، انه بلد آمن وشعب مضياف، لكن مقتل السائحة السويسرية، أخلط أوراق الأمن والسياحة في المنطقة.

وقالت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية، بأن “سائحة سويسرية قتلت قبل عشرة أيام أثناء تواجدها مع أربعة أشخاص آخرين في إجازة بمدينة جانت جنوب شرق الجزائر، حيث كانت تجلس على شرفة مقهى (سكانير)، في وسط المدينة، بجوار مكتب جانت السياحي (حكومي)”.

وأضافت: “تعتبر هذه الواحة، التي تقع على بعد 2300 كلم جنوب الجزائر العاصمة، إحدى جواهر الجزائر السياحية، بحسب الصحافة الجزائرية. ولكن في الـ 11 أكتوبر، وفي غضون دقائق قليلة، انقلبت الطبيعة الخالية من الهموم التي يوفرها هذا المكان المثالي رأسا على عقب”.

وتابعت: “السائحة السويسرية، تعرضت للهجوم والتقطيع الوحشي على يد رجل بسلاح أبيض. وأوضح مصدر على اتصال وثيق بالناس هناك، بأنه تم نقلها إلى مستشفى جانت حيث فقدت الكثير من الدم، ولم يتمكن الأطباء من إنقاذها”.

ولفتت الى أنه “تم القبض على رجلين، أحدهم اعتقل من قبل السكان أنفسهم.. إنهما رجلان من شمال البلاد، جاءا إلى هنا لمدة ستة أشهر ويرتديان زي الطوارق، ومن دون معرفة ما إذا كان عملا معزولا أم مدبرا.. في الوقت الحالي، الأمر مخنوق تماما، لا شيء يخرج، حتى على شبكات التواصل الاجتماعي، في المكان”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here