الأزمة الخطيرة بين الجزائر وفرنسا امتداد لذاكرة “معاقة”

الأزمة الخطيرة بين الجزائر وفرنسا امتداد لذاكرة “معاقة”
الأزمة الخطيرة بين الجزائر وفرنسا امتداد لذاكرة “معاقة”

محمد مسلم

أفريقيا برس – الجزائر. يعتقد المؤرخ بنجامان ستورا، أن الصراع الحالي الذي يخيم على النخب الفرنسية الحاكمة، والمتعلق باختلاف تصورها حول كيفية إعادة بناء العلاقات مع الجزائر، إنما هو امتداد للأزمة التي عاشتها فرنسا في الأشهر والسنوات القليلة التي سبقت نهاية الاستعمار الفرنسي للجزائر.

وفي “بودكاست” عممه بنجامان ستورا الذي يرأس لجنة المؤرخين المختلطة لبحث ملف الذاكرة (من الجانب الفرنسي)، على حسابه في منصة “فيسبوك”، الإثنين، تحدث عن الأثر الذي تركه استقلال الجزائر على الذاكرة الجمعية للفرنسيين وبالخصوص النخب المثقفة، وتداعيات ذلك على مرحلة ما بعد الاستقلال في هندسة العلاقات الثنائية المأزومة.

وفي هذا “البودكاست” الذي رافقه فيه المؤرخ والصحفي توماس سنيغاروف، كشف عن العديد من الرؤى التي تشكلت لدى الفرنسيين من الأزمة التي سببتها “حرب الجزائر”، كما تسمى في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، غير أنه تحدث عن وجهتي نظر بارزتين ساهمتا في التغطية على الرؤى الأخرى.

ووصف بنجامان ستورا ذاكرة الفرنسيين المرتبطة بالاستعمار في الجزائر، أنها مقيدة أو معاقة، “لأن كل فرنسي له إدراكه الخاص بشأن الجزائر كمستعمرة سابقة. هناك من ينظر إلى الجزائر اليوم على أنها جنة مفقودة، وهناك من ينظر إليها على أنها كانت الاستعمار، الذي يجبر فيه الإنسان على العيش دون مستوى الإنسانية، تغيب فيه الحقوق، ويحضر فيه العنف، وتسيطر فيه الوحشية”.

ويضيف المؤرخ الذي يقدم في وسائل الإعلام الفرنسية على أنه مستشار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لشؤون الذاكرة: “كان هناك فريق من المثقفين الفرنسيين، الذين عبروا عن رفضهم للنظام الاستعماري، على غرار كل من جون بول سارتر، سيمون دو بوفوار، والمحامية والحقوقية جيزال حليمي، وهؤلاء من أبرز الوجوه التي عبرت عن رفضها لهذه الحرب التي فرضت على الجزائر”.

ويمضى بنجامان ستورا موضحا: “.. إذا، هناك على الأقل رؤيتان متناقضتان، أقول على الأقل اثنتان لأن هناك رؤى أخرى كثيرة، في مفترق الطرق بين هذه الجنة المفقودة وهذا الجحيم”، وهذا ناجم عما سماه “صدمة التخلي أو الهجر أو حتى الخيانة، وهي المآسي التي انتقلت بين الأجيال”، والتي وصفها بـ “الحكاية متشابكة على نحو لا يفك، لأن ذاكرة الانتقام حاضرة هنا، وكذلك ذاكرة الاستياء، وهي الاعتبارات التي لا يمكن المواساة فيها”.

وهاتان الرؤيتان لا تزالان تسيطران على المشهد السياسي في فرنسا إلى غاية اليوم، فهناك اليمين المتطرف واليمين التقليدي، اللذان لم يستفيقا بعد من صدمة استقلال الجزائر، وأحد أبرز الوجوه في هذا التيار، إيريك زمور الذي زعم قبل يومين فقط، أن الجنرال ديغول هو الذي منح الاستقلال للجزائر، ناكرا التضحيات الجسام للجزائريين، وناقما على الجنرال دي غول، بزعم تفريطه في الجزائر، كما يقولون.

أما الرؤية الثانية فهي التي يمثلها اليوم التيار اليساري، الذي يعتبر الاستعمار الفرنسي للجزائر مرحلة مظلمة من تاريخ فرنسا، وعلى باريس اليوم الاعتذار من الجزائريين، عن الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال طيلة 132 سنة، كما يرفض هذا التيار الاستفزازات التي يتعرض لها الجزائريون في فرنسا، ويطالبون بتصحيح العلاقات معها.

من جهته، يرى المؤرخ توماس سنيغاروف، أن العلاقات بين الجزائر وباريس تمر بـ “لحظة من التوتر الشديد”، تسبب في حالة من “القطيعة الدبلوماسية، التي وصلت نقطة نتمنى أن لا تكون نقطة اللارجوع، ولكنها مرحلة خطيرة جدا، تحاكي تاريخا يعيد نفسه، تاريخا مكررا أفرز ذاكرة معاقة”.

وأشار سنيغاروف إلى أن “هناك بعض الضمائر في فرنسا، كانت تقول نحن بصدد التعرض للخسارة في الجزائر. وأن العنف الذي مورس على السكان الجزائريين، غير مقبول بالنسبة لدولة مثل فرنسا”. ورغم ذلك، هناك من كان يسعى، يضيف المتحدث، إلى عدم الحديث عن تلك الممارسات.

وبالنسبة له، فإن “كل طرف يريد توظيف هذا الماضي بكل مآسيه في المشهد السياسي الفرنسي، والمؤسف هو أن العلاقات الجزائرية الفرنسية هي التي كانت الضحية الرئيسية في الأخير. هناك الكثير من الناس لهم روابط اجتماعية وحميمية تتعرض اليوم للضرر، وهو المعطى الذي يدفعنا إلى تشريح هذا التمزق أو الجرح، لأن التمزق ليس فقط على المستوى الجيوسياسي، إنه داخلي وغالبا ما يكون نفسيا واجتماعيا أيضا”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here